منوعات

عشتُ وقتآ من عمري في الغربة.. وأنا أذرف الدموع شوقاً لأهلي واصدقائي ووطني../ بقلم عبد السلام البياتي

عشتُ وقتآ من عمري في الغربة.. وأنا أذرف الدموع شوقاً لأهلي واصدقائي ووطني..
ثم إذا زرتُ أهلي ووطني واصدقائي.. وجدت نفسي غريب بينهم.. فاتتني أخبارهم وتحولاتهم وتغيراتهم.. وصرتُ فقط ضيف عندهم!
لأشتاق لوطن المهجر مرة اخرى
أتعرف؟
سواء كنت في وطنك.. بين أهلك..
او كنت في وطن آخر.. ما نسميه يعني “غربة”
ستطول بك الحياة بما يكفي.. لتكتشف ان كل مرحلة من مراحل حياتك هي غربة..
وستعيش أياماً.. تكون فيها غريب حتى في بيتك..
وسط أهلك..
مع أمك.. أو أخواتك..
مع زوجتك.. أو أبنائك..
مع اصدقائك..
ستعيش لتنكر الكثير من الأمور على المكان الذي تعتبره وطنك.. وتتمنى وطناً غيره..
وستعيش لتنكر أغلب انماط الحياة في الوطن الآخر وتشتاق لعودتك الى وطنك..!
ثم تكتشف.. بين هذا وذاك.. ان لا موطن حقيقي لك في الدنيا..
إنما هي محطات..
نهايات وبدايات..
والمحطة الأخيرة.. الوطن الحقيقي.. المثوى الأخير.. هو بيتك في الجنة!
قصورك.. سراياك.. جناتك.. حدائقك.. أنهارك.. بحرك.. سمائك.. أهلك.. أصدقائك.. أحبابك..
كلها هناك لك..
وكلها مطبوع عليها حروف اسمك: ملكية أبدية أزلية ما دامت السموات والأرض..
بيتك الحالي.. سينتقل لغيرك..
كنوزك وأملاكك.. سيرثها ويوزعها ويبيعها ورثتك..
أولادك الحاليون.. سيتزوجون ويغادرونك..
زوجتك.. قد تخلص لك.. أو تتزوج غيرك.. أو يتوفاها الأجل قبلك!
أمك.. أباك.. سيرحلان..
أخوتك.. سيتشتتون بحثاً عن أرزاقهم..
البشر من حولنا يذهبون..
وما نمتلكه حقا.. هو ملكية مؤقتة.. ستذهب الى غيرنا عندما نفقد أهليتنا في الحياة..
الموت… هو النهاية الحقيقية للغربة.. وهو البداية الحقيقية للعودة الى حضن الوطن
لذا..
عندما أعيش بين تلاطم أمواج الغربة طوال حياتي..
فإن الشيء الوحيد الذي أفكر فيه.. هو ما الذي سأتركه هنا.. في هذه الغربة..
لأمتلكه غدا بعد موتي.. على أرض وطني.. بيتي الحقيقي.. الذي أمتلك صك ملكيته الأبدية!
كلنا.. أنا.. وانت.. وهي.. نمتلك الكثير .. لكنه ليس بيدنا الان..
نمتلك قصوراً في الجنة.. واشجاراً لا تعد ولا تحصى.. نمتلك ربما فدادين لا نهاية لها .. فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت.. ولا خطر على قلبنا قط!
لكنها بانتظارنا ان ندفع ثمنها هنا.. والان..
الحقيقة التي ستصل إليها.. كما وصلتُ أنا لها.. بعد الكثير من التخبط والحيرة والدموع والألم والشتات..
أن مكاننا الحقيقي.. وعودتنا الحقيقية.. ندفعها اليوم.. لنعيشها غدا..
لا شيء حقيقي الان.. ولا حتى كلمة “غربة”..

هي محطة..
وانت في هذا البلد محطة..
في بيت أهلك.. محطة..
في بيتك الزوجي.. محطة..
في عمر التقاعد.. بدون زواج ولا أولاد حولك.. أيضا.. محطة!
سلسلة محطات… نسميها مجازا غربة.. ولكنها البضاعة التي ندفع ثمنها حتى نمتلك وطننا الحقيقي في الجنة!
ربما تحتاج للاشتياق.. واللوعة.. والتحسر..
لكن اشرح صدرك.. للسماء..
وثبت قدميك على الأرض.. أينما كنت.. ومع من كنت..
اوصل حبك لله .. فهو طريق النجاة..
وادفع ما استطعت من بضاعة الدنيا ثمناً للاخرة..
بر والديك وصلهما..
تزوج.. لتعف نفسك وزوجتك وتنجب ذرية صالحة..
ربي اولادك.. ليكونوا أغراب في الدنيا.. ويسعون لبيوتهم الحقيقية في الجنة..
اجعل بيتك.. مكانا تلتقي فيه الصحبة الصالحة.. فتكون الاحاديث كلها.. انجازات.. مبادرات.. طموحات.. وخير يعم للجميع..
بيع من كنوزك.. وتصدق من مالك.. حقق أحلامك الآن من الصدقات الجارية.. لأن ورثتك قد يضنون عليكِ بها!!
الوطن هو المكان المؤقت الذي نبيع ونشتري فيه من أعمال الدنيا…
ثمناً لشراء أوطاننا الحقيقية في الآخرة!
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي ،
فقال : “كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل” .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق