مقالات

كلب السّت بقلم علي الشافعي

كلب السّت بقلم علي الشافعي
(كلب الست) ــ يا دام عزكم ــ قصيدة للشاعر الكبير الراحل احمد فؤاد نجم ـــ رحمه الله ــ . مناسبتها ايها السادة الافاضل : ان احد الفقراء والمتعوسين وخائبي الرجاء , رمى به حظه العاثر امام بيت احدى الفنانات المشهورات , في احدى دول بني عرب المشهورة , فعضه كلبها الذي كان يتنزه برفقة خادمه امام فيلتها الشهيرة , في ارقى احياء العاصمة المشهورة , فما كان من الخدم الا ان تحفّظوا على الرجل , وهو يتلوى من شدة الألم , واسرعوا بالكلب الى العيادة البيطرية , خشية ان يكون الرجل مصابا بمرض , تنتقل عدواه الى الكلب الاصيل ابن الكلب الاصيل . بعد ذلك لفّقوا تهمة للرجل المسكين , بانه هو الذي تحرّش بالكلب , حتى يضمنوا عدم تقديمه شكوى ضد الكلب المسكين وصاحبته .
قد تسألون ــ يا دام مجد كل احبابكم ــ : ما الذي جعلك تُقلقِلُ الرجل من مرقده وتتذكر قصيدته العتيدة . اقول لكم واجري على الله : ان الذي جعلني اقضّ مضجعه هي تلك الاحاسيس المرهفة والمشاعر الفياضة والعواطف الجياشة لدي احدى بناتنا التي تسكن غرب عاصمتنا الحبيبة , والتي لا تعرف شيئا عن شرقها , توفيت قطتها قبل ايام , فحزنت عليها حزنا ما حزنته عشية سقوط بغداد , فلبست السواد , وارسلت وراء صاحباتها حيث قمن بتشييع جثمان القطة الطاهر الى مثواه الاخير في حديقة المنزل , ووضعت اكاليل الزهور على قبرها , الذي سيصبح في يوم من الايام محجا لها ولكثير من اصحاب القلوب الرحيمة امثالها , بعد ذلك جلست تتقبل العزاء ثلاثة ايام بليالهن . أرأيتم ارق وارهف من هذه الاحاسيس ؟ ذكرني ذلك بالآنسة التي اقامت ــ قبل فترة ــ حفلة عيد ميلاد كلبها (فوكس )في احد ارقى فنادق العاصمة , كلفها الحفل 30الف دينار . قلت : لا يمكن ان تكون هاتان الفتاتان
وامثالهما بشرا مثلنا ؛ نحن اصحاب القلوب القاسية , انما هم فضائيون جاءوا من كوكب اخر ليعلمونا معنى الرحمة والرفق بالحيوان المسكين .
في احصائية لحكومتنا الرشيدة صاحبة الراي السديد , والقول المفيد والذكر الحميد والموقف العنيد والعمر المديد , في الاحصائية لها حددت خط الفقر ب 500دينار , وان 51%من الشعب هم تحت او عند هذا الخط . وقبل عامين حددت من يستحقون دعم المحروقات , وان نسبتهم حوالي 70% من ابناء الوطن . معنى ذلك ببساطة ان حوالي 20% هم فوق الخط بقليل , أي يعيشون عيشة الكفاف , فاذا مرض احد ابنائهم احتاروا , واخذوا يبحثون عن تمويل لهذا الحدث الطارئ واختلت ميزانيتهم ذلك الشهر . بهذه الحسبة البسيطة يتبقى 30% فقط . لنقسم البيْدر مناصفة لنجد : 15% يعيشون في بحبوحة , وهم موظفو الدرجة الاولى ونواب والمستشارون ومدراء الشركات , وسكرتيرات المدراء وبعض تجار الجملة . يتبقى حوالي 15% هؤلاء هم الذين جاؤوا الينا من كوكب اخر غير كوكبنا , ليعلمونا نحن القساة اصول الادب والرقة والشفافية , لذلك فهم يطلّون علينا من عـَلٍ متأففين , ويخاطبوننا من رؤوس انوفهم , اذا ما دعت الضرورة للتعامل معنا .
قد لا تصدقون ولكن لمن لا يصدق اقول له : التجربة اكبر برهان , حاول ـــ يا رعاك الله ـــ ان تذهب يوما لمقابلة احد كبار المسؤولين , سيأخذك الآذن الى مكتب يضاهي مكتب الرئيس اوباما , لتكتشف انه مكتب سكرتيرة مدير مكتب نائب معاليه . تقف امامها بكل ادب واحترام مطأطئَ الراس , فتطلُّ عليك بنصف وجه , من خلف نظارة سوداء ــ مزركش الالوان ــ قائلة بتأفف وبلهجة رقيقة ركيكة : (ازا سمحت, انا مو فادية , بسرعة تلباتك اكتبها , وانا بوسّلها لمدير مكتب معاليه , لأن معاليه في جولة ميدانية ).
قبل ايام نشرت صحيفة يابانية صورة لرئيس مؤسسة وكبار المسؤولين فيها يمسحون احذية موظفيهم الجدد , ليشعروهم ان المسؤول هو خادم لهم وليس سيدا عليهم , ترى المسألة بتفرق كثير عند الموظف … اليس كذلك ؟ نعود الى تقرير الحكومة العتيدة المجيدة الذي يقول ان عدد المتسوّلين قد ارتفع 19% , زغرتي يا انشراح … كيف ولماذا ؟ لا ندري , ربما يكون ذلك بسبب ارتفاع فاتورة نفقات كلاب الباشوات . والله شيء بفقع المرارة .
في احد مشاهد مرايا للفنان الكبير ياسر العظمة : احد كبار المسؤولين احضر صندوقا وطلب من مستشاريه ان يفرضوا ضرائب على الناس حتى يمتلئ الصندوق , حاولوا جهدهم فلم يمتلئ . قال له المستشارون : والله يا سيدي لم يعد الشعب قادرا على دفع ضرائب جديدة . لكنها لمعت في ذهن احد شياطينهم فكرة , قال : يا سيدي وجدتها , نعمل ضريبة اسمها (سب الحكومة) . قال مستغربا : والله فكرة , ولكن كيف ننفذها ؟ قال ابو الافكار : احفروا حفرة في الساحة العامة , وابلغوا الناس انها حفرة سب الحكومة . واطبعوا تذاكر وقسّموها الى ثلاث فئات ؛ الفئة الاولي وقيمتها عشر ليرات لمن عنده عتاب على الحكومة , والثانية عشرين لمن احب ان يسب الحكومة , لكن بأدب يعني على الخفيف فوق السرة , اما الثالثة : ثلاثين ليرة لمن يريد ان يتغوط في السب أي بين السرة والركبة .
نُفذ الامر , ماهي الا ايام قليلة حتى بشروه بامتلاء الصندوق عن بكرة ابيه . ولكنهم قالوا له ايضا : الغريب في الامر يا صاحب المعالي ان جميع التذاكر التي بيعت من الفئة الثالثة . طبتم وطابت اوقاتكم .

مقالات ذات صلة

إغلاق