ثقافه وفكر حر

كيد النساء في التراث العربي والمأثور الشعبي

وترى المقابر نصفها من حريمها ** لو كان في وسط البيوت منوع (حميدان الشويعر)

عبدالله الجعيثن

يقول كثير من المفسرين إن كيد النساء أعظم من كيد الشياطين، مستدلين على ذلك بقول الله عز وجل عن النساء:

«إن كيدكن عظيم» سورة يوسف الآية ١٢.

وقوله جل وعلا عن الشياطين: «إن كيد الشيطان كان ضعيفاً»..

قلت: والذي أفهمه أن الآية الأولى رواها القرآن الكريم على لسان عزيز مصر، قال عز وجل: «فلما رأي قميصه قُدّ من قُبُل قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم» ولم يُقَر قول عزيز مصر أو ينفى في كتاب الله تبارك وتعالى، وإنما جاء على لسان العزيز، أما آية: «إن كيد الشيطان كان ضعيفاً» فلم تأت مروية عن قائل، بل قائلها هو الله عز وجل، وبالتالي فاعتقادي الشخصي أن كيد الشيطان – على ضعفه – أشد من كيد النساء لأنه – الشيطان الرجيم – يكيد لجميع البشر ليقعوا في النار، أما النساء فإن فيهن الطيبات والخبيثات كما ورد في آية أخرى من كتاب الله عز وجل..

وللنساء كيد ينبع في الغالب من الضعف، فإن القوي يواجه، والضعيف يلف ويدور، أي يكيد من الخلف، والكيد حيلة العاجز المقهور، وقهر الرجال مشهور، وقد استعاذ منه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم..


يقول العقاد عن كيد النساء:

خلِّ الملام فليس يثنيها

حبُّ الخداع طبيعة فيها

هو سترها وطلاء زينتها

ورياضةٌ للنفسِ تُحييها

وسلاحها فيما تكيد بِهِ

من يصطفيها أو يعاديها

وهو انتقام الضعيف يُنفذها

من طول ذلٍّ بات يُشقيها»

والعقاد موقفه من المرأة معروف.. فهو يناصبها العداء.. ونوافق العقاد على البيت الأخير «الرابع» أما الأبيات الثلاثة الأولى فلا نوافقه عليها، فليس الكيد طبع في النساء، ولكنه مكتسب من البيئة عند الفئة المقهورة منهن.. وإن كانت المرأة أقدر من الرجل على الحيلة واللف والدوران والكيد إذا أرادت، هذا بشكل عام ولا ينفي أن بعض الرجال أشد كيداً من النساء، وأن كثيراً من النساء لا يعرفن الكيد أصلاً، ولكن مصطلح (كيد النساء) سارت به الأمثال، وقيلت حوله القصص والأشعار لدى مختلف الشعوب، وسر ذلك فيما نعتقد هو سيطرة الرجل على المرأة، وقهره لها بعض الأحيان، وفرض قوته عليها، فلا تخلص من ذلك إلى ما تريد إلا بالحيلة والكيد..

كما أن المرأة أشد غيرة من الرجل على ما نعتقد، ولكنها تخفي غيرتها حفاظاً على كرامتها، وهي تغار على رجلها الذي تحبه، وتغار من المرأة الأجمل منها ولو لم تتعرض لرجلها ولم يرها، والغيرة تدفع للكيد..

  • ومن القصص الرمزية الذائعة بين الشعوب عن كيد النساء أن المرأة وجدت مصباح علاء الدين فقال لها: تمني ٣ أمنيات ولكن كل ما سيتحقق لكِ سوف يتحقق لزوجك عشرة أضعافه فقالت:

١ – أريد أن أكون أجمل امرأة في العالم..

٢ – أريد أن أكون أغنى امرأة في العالم..

٣ – أريد أن أصاب بجلطة قلبية خفيفة جداًَ!».

وعلى خيالية القصة فهي دليل على إحساسها بكره زوجها لأنه يظلمها ويقهرها وربما يسحقها..

(أمثال شعبية وأقوال عن كيد النساء)

  • قال دوّر حيلة قال عند العجايز..
  • النسا حبايل الشيطان
  • لا تحقر من النار شرِيرة ولا من النساء صغيرة..
  • الحيل للرجال والكيد للنساء

(الحيل = القوة)

*المره تدرك مطالبها بالحيلة أو البكاء.

(فهم مغلوط)

استشهد أحدهم – وكنا نتحدث عن كيد النساء – ببيت لحميدان الشويعر.. وهو قوله:

(وترى المقابر نصفها من حريمها لو كان في وسط البيوت منوع)

ورد عليه الحاضرون بأن البيت شاهد على أهمية الشجاعة والإقدام، فنصف المقابر من الحريم رغم أنهن لا يحاربن، وهذا هو مفهوم البيت الصحيح، وصرف الحر (من) ليس للسببية، بل للتبعيض..

(أقوال وأمثال عن كيد النساء)

  • إذا العجوز ارتجبت فارجبها..

(مجمع الأمثال للميداني ٦٨/١ ومعنى ارتجبت خوفتك نفسها، أي إذا اتخذت منك موقفاً عدائياً ظاهراً أو باطناً تحسه فخف منها ومن دهائها (العرب يرون العجائز أكثر كيداً وحيلة).

  • تحسبها حمقاء وهي باخس.

(المستقصى في الأمثال للزمخشري) وباخس: فطن داهية، ومنه (باخص) العامية، معنى المثل تحسب المرأة حمقى لتخدعها فإذا هي التي تخدعك، والنساء يتظاهر كثير منهن بالغباء وهن أذكى من الرجال!

  • رمتني بدائها وانسلّت!

-الزمخشري – وللمثل قصة ويدل على كيد المرأة).

  • الضعفاء الذين يعرفون كيف يستغلون ضعفهم أقوياء جداً وهذا سر كيد النساء وسلطانهن!
  • شعر امرأة واحدة يجر من الرجال ما لا يجره عشرة ثيران!
  • غباء الرجال يوحي للنساء بالمكر!

(مثل هندي)

  • كل امرأة ذات كيد هي حيَّة في عقل شيطان!

(مثل صيني)

  • ما أيس الشيطان من رجل إلا أتاه من قِبَل النساء.

(أبو حامد الغزالي)

  • إذا قصدت المرأة شرّاً لم تعدم إليه سبيلاً..

(مثل روسي)

الخلاصة

كيد النساء موجود بكثرة، ويعود للضعف والغيرة، ولكنه على كثرته أقل مما يشاع عنه، ويساعد المرأة على الكيد إصرارها على تحقيق مطالبها واستخدامها كل أسلحتها بما فيها الدموع (وبعضها دموع التماسيح) ويساعدها أنها ذكية والرجل يظن أنها غبية، كما أن ظلم الرجل وقهره المرأة من الأسباب الأساسية في لجوئها للكيد، وقد تكيد لبنات جنسها – ممن تكره – بشكل عنيف، غير أن الخير أكثر من الشرفي عموم النساء على ما أعتقد فالمرأة أقرب إلى السلام والحنان..

مقالات ذات صلة

إغلاق