مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية #السّلطان_وغصن_الرّمان الرّاعية التي تعزف على النّاي (الحلقة 2 )

شرع الرّجلان في مطاردة الأرانب ،لكنّها كانت سريعة وتختفي بسرعة بين الأشجار ،وغضب فرحان من نفسه ،فقد مضت السّاعات ولم يصد شيئا ،فيما أمسك ذلك الشيخ ثلاثة ،وقال :ويحي ،لقد تعوّدت على حياة الدّعة والتّرف ولم أعد أصلح لا للصيد أو الحرب،وبينما هو غارق في أفكاره ،سمع من بعيد صوت ناي يأسر القلوب ،فهتف: يا له من عزف جميل !!! ثم بدأ يتبع مصدر الصوت حتى رآى راعية تجلس تحت شجرة ،وحولها عنزاتها ،وهي تعزف على ناي من قصب ،ورائحة الشّاي تصعد من برّاد فوق الحطب،فاقترب ،وسلم عليها ،ولما رفعت وجهها ،تعجّب من جمالها، رغم ملابسها الرّثة ،وتلعثم لسانه ولم يعرف ماذا يقول ،فلمّا رأته الرّاعية، ضحكت بسعادة ،وصبّت له فنجانا من الشّاي ،فأخذه السّلطان وهو يلعن نفسه عن ضعفه ،ولاحظ أنّها تسترق له النّظر، فلقد كان فتى وسيما ،وفي الأخير تلاقت العيون، وبدآ في الضّحك، وأحسّ فرحان بالإنشراح ،فلأوّل مرّة يضحك من كلّ قلبه بعيدا عن جوّ القصر وهموم المملكة ،لقد كان النّسيم عليلا ،وضحكات الرّاعية الصّافية تملأ الغابة فتسعد لها الفراشات، والعصافير الصغيرة .
أمّا الوزير محمّد ،فانه التفت يمينا وشمالا ،وحين لم يجد السّلطان، جرى حتى سمعه يكلّم أحدا ،ولمّا أطلّ من بين الأشجار، رآه جالسا مع الرّاعية الشابة وعينيه لا تتوقّفان عن النظر إليها بكل شوق ،فابتسم، وقال: لقد خرج مولاي إلى الصّيد، فاصطادته غرالة جميلة ،وأنا متأكّد أنّها صاحبة الوشاح المطرّز فعليه رائحة الزّهور البرية ، حقا ما أعجب القدر ،فكأنّ تلك الفتاة كانت في إنتظار فرحان ،ولقد أحبّها دون أن يراها في اللحظة التي قرّب فيها ذلك الوشاح من وجهه ،ثمّ ذهب لإحضار الحصانان ،ولمّا عاد تنحنح ،وقال لفرحان : عذرا يا مولاي على إقلاق راحتك !!!فلمّا سمعت الراعية ذلك ،وقفت قدامه وأحنت رأسها ،ثم قالت: لم أكن أعلم أنك السلطان ،وإلا لحملتك إلى عشيرتي ليقدموا لك الضّيافة التي تليق بمقامك !!! فأمسك فرحان يدها اللطيفة ودعاها للجلوس ،وقال لها : فنجان الشاي الذي أهديته لي هو أغلى عندي من كل قصاع الطعام واللحم ،ولمّا أكمل كلامه نظرت البنت إلى جيبه ،فرأت طرف الوشاح ،فسألته هذا لي ،فأين وجدته ؟
ردّ فرحان : إذن أنت صاحبته !!! قالت: نعم ،وأنا من قام بتطريزه ،فأنا أفعل ذلك في المساء ،وأجلس أمام خيمة أبي وأطرّز ،وأستوحي الرسوم من الطبيعة التي حولي ،وحين سمع السلطان ذلك ،زاد هيامه بها فهو يعشق الزّينة ،ثم قال لها :أنا إسمي فرحان، فردّت عليه :وأنا جاريتك غصن الرّمان ، نظر إليها السّلطان ،ثم أعلمها برغبته في خطبتها من أبيها ،وطلب من الوزير أن يأتيه بالهدايا ،فقال له: هل أنت متأكّد يا مولاي ممّا تفعله؟ فإنها مجرد راعية ،و ستغضب أمّك !!! أجابه :لن أنقلها للقصر ،وسآتي لرؤيتها من حين لآخر ،والآن إنصرف، ولا تتأخر في الرّجوع !!! آه ،شيئ آخر ،أنظر ماذا يفعل ذلك البائع الذي تركناه على العرش .
مشى الشيخ محمد في طريقه ،وفكّر في أنّ تلك البنت ستجعل السلطان يتوب عن صحبة جواري القصر ،فهي جميلة ،ولو لبست الحرير، وتزيّنت لما ميزها أحد عن الأميرات ،ثم أمسك لحيته ،وقال :وأنا أيضا سأتزوج ،فلا أزال شابا ،وأعجبته هذه الفكرة ،لكن بمجرّد ما وصل إلى المدينة، تلاشى هذا الخيال الممتع ،فقد كانت الناس هائجة مائجة ،والجنود يدفعونها ،فسأل رجلا عما يحدث، فأجابه : لقد مرض السّلطان فجأة ،ولا نعرف هل لا يزال على قيد الحياة أم لا ،ولو حدث له مكروه ،فستتولى أمه الحكم ،وهي جارية شركسيّة تزوجها أبوه رحمه الله ،أصيب الوزير بالدّهشة ،وقال :أنا واثق تماما أنّ هناك من يكيد لفرحان،والصّدفة وحدها هي التي جعلته ينجو اليوم ،لقد كان الحظ هذه المرة معه ،و قد لا يتكرر ،لذا سأتحايل لفهم ما يجري وراء الأبواب المغلقة …

يتبع الحلقة 3

من قصص حكايا العالم الاخر

لمتابعة الجزء الاول  اضغط على الرابط التالي

حكاية #السّلطان_وغصن_الرّمان الوشاح المطرّز (حلقة 1 )

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق