هاني الريس كاتب وصحافي بحريني مقيم في الدنمارك في 14 آيار/ مايو 2013 تلقيت على بريدي الالكتروني دعوة موقعة باسم اللجنة المنظمة لمؤتمر المعارضة البحرينية “تيار الصقور” في الخارج، تدعوني للمشاركة في مؤتمر موسع يعقد في العاصمة العراقية بغداد بإسم (قوى الثورة الجديدة في البحرين) وذلك بهدف التحضير لمؤتمر موسع لمناقشة التطورات السياسية والامنية الاخيرة في البحرين، بعد سحق السلطة البحرينية لحراك الرابع عشر من شباط/ فبراير 2011 وفرض النظام “قبضة فولاذية” على جميع مفاصل الدولة والمجتمع، والسعي لاعلان حكومة منفى بحرينية بعد فقدان الأمل في الاصلاح والتغيير الحقيقي المطلوب، وفشل جميع المبادرات المحلية والاقليمية والدولية لحل الازمة السياسية والامنية التي عصفت بالبلاد، وذلك في الفترة مابين 14 و 15 تموز/ يونيو 2013 بدعم مالي وسياسي من جانب (التجمع الوطني الديمقراطي العراقي) الممثل في عدة أحزاب وتيارات سياسية ودينية بعضها يحمل الصفة المستقلة والبعض الآخر ممثلا في الحكومة العراقية الرسمية بقيادة رئيس مجلس الوزراء نوري جواد المالكي. وكان الهدف هو مناقشة مشروع عمل مشترك تطرح من خلاله فصائل المعارضة البحرينية المؤيدة لخط “الثورة الجديدة في البحرين” وبصفة جماعية رؤيه واضحة وصريحة، حول تطور الاوضاع الخطيرة على الساحة البحرينية، وتقود إلى مرحلة جديدة للنضال الوطني الذي يمكن أن يتجمع حوله جميع البحرينيين الذين بدوا يشعرون بأن جميع تطلعاتهم ما عاد ممكنا تحقيقها في ظل النظام الخليفي الحالي. وقد كلفت من قبل اللجنة المنظمة للمؤتمر، بإعداد ملف موسع حول إمكانية تشكيل حكومة منفى مؤقتة في الخارج، ووضع دستور جديد للبلاد يضمن كافة الحقوق الشعبية، وذلك على غرار الحكومات الوطنية العالمية، التي كانت قد تشكلت في المنافي القسرية، ومن ثم يطرح هذا الملف للمناقشة والمداولة العلنية بين جميع فصائل “الثورة” والشخصيات المستقلة التي قدمت لهم الدعوة للمشاركة في المؤتمر. أخذت مني فترة اعداد هذا الملف وقت طويل نظرا لصعوبته وخطورته، وكان يفترض أن يطرح في جلسات نقاش مطولة تسبق الانعقاد الرسمي للمؤتمر، التي شاركت فيه قرابة 28 شخصية من مختلف تيارات وفصائل “الثورة” ممثلة في حركة أحرار البحرين الاسلامية، وحركة حق، وتيار الوفاء الاسلامي، وتيار العمل الاسلامي، وحركة خلاص، ومقربون من إئتلاف 14 شباط/ فبراير، إضافة إلى عدد من النشطاء السياسيين والميدانيين المستقلين، الذين ظلوا ينشطون في الخارج وعلى مستوى الداخل البحريني ـ وأسماء لا حصر لها من الاشخاص المحسوبين على تلك الفصائل المتواجدة في لندن وقم وطهران وبغداد والنجف وكربلاء وحتى واشنطن ـ وجرى كل ذلك في غياب أي ممثلين آخرين ينتمون لقوى أو جمعيات معارضة في الداخل أو في أماكن تمثيلهم في الخارج (الوفاق الاسلامية، والعمل الوطني الديمقراطي (وعد) و فصائل أخرى كانت لا زالت تعمل تحت مظلة قانون الجمعيات السياسية) وقد بررت اللجنة المنظمة للمؤتمر عدم رغبتها في توجيه الدعوة لتلك الفصائل للمشاركة في المؤتمر بان لديها سجل مهادن مع النظام، وهي مازالت تسعى لعقد صفقات الحوار معه، وليس مطالبته بالتنحي وترك الساحة لاصحاب الحق الذين سلبت كافة حقوقهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية العامة، بعد غزوة عائلة آل خليفة، الدموية للبحرين واحتلالها بفرض القوة. وعلى الرغم من كثرة الشكوك والهواجس، التي راودتني بعدم جدوى عقد مؤتمر للمعارضة يقتصر فقط على فصائل معينة من دون غيرها من الفصائل الاخرى التي تعمل في نطاق المعارضة الوطنية الشاملة ولها ثقلها السياسي والشعبي على المسرح السياسي البحريني، وكذلك مشروع حكومة منفى لم يؤسس له المنظمون أية أسس ومرتكزات واضحة المعالم لتشييد تلك الحكومة المنشودة، وبالاضافة لذلك كله فأن جميع الظروف والشروط المطلوبة للتغيير الجدري المنشود لم تعد موجودة أو متاحة في ظل تفاقم وتصاعد الوضع المأزوم في البحرين، وتعقيدات الوضع الاقليمي والدولي التي ظلت تعاني منها جميع دول المنطقة، مما قد يتسبب في ارباك الوضع وفشل المؤتمر وبالتالي استحالة تشكيل حكومة منفى في الخارج. واضافة إلى جميع تلك الصعوبات والعوائق البالغة، هو أن غالبية الوجوه التي تم اختيارها للمشاركة في المؤتمر ليست على قدر كبير من تحمل المسؤولية الوطنية المطلوبة، ولا يوجد من بينها رموز ووجوه قيادية تاريخية ولها وزنها وارثها وتاريخها النضالي وحواضنها الشعبية وعلاقاتها العربية والدولية، التي يمكن الوثوق بها والاستناد إليها لقيادة مرحلة صعبة وخطيرة، أو انها قد تستطيع في قادم المستقبل، أن تتحمل مسؤولية قيادة ادارة حياة دولة جديدة محتملة، أو أنها تستطيع معالجة أوضاع معقدة وخطيرة لمجتمع شبه منقسم أو هو بالفعل منقسم على نفسه بكل وضوح منذ أن تفجر حراك الرابع عشر من شباط/ فبراير 2011، أو انها قادرة على مواجهة إرث تاريخي عميق وطويل من السياسات الخاطئة والطائشة والعنيفة، التي مورست على امتداد عقود من الوقت، في ظل النظام الخليفي الحالي، حيث كان ينظر لهذه الغالبية من الوجوه المشاركة في هذا المؤتمر على أنها لا تستطيع حتى أن تدير فريق عمل لمنظمة صغيرة، أو ناد صغير أو حتى حضانة أطفال، فما بالك بقيادة دولة ومجتمع تتصارع حوله مختلف التوجهات الفكرية والاثنية والطائفية. وعلى الرغم من هذا كله حاولت أن أقنع اللجنة المنظمة للمؤتمر بصعوبة تحقيق مثل هذا الهدف في ظروف المرحلة الحالية، وعوضا عن ذلك اقترحت على اللجنة المنظمة للمؤتمر أن توجه الدعوة لعقد مؤتمر جامع وموحد ويستقطب جميع الفصائل من دون تمييز أو تهميش وتطرح خلاله جميع الاهداف والتطلعات لمواجهة التحديات الخطيرة، وليس السعي المتسرع والمحموم وراء اعلان تشكيل حكومة منفى، ويكون بمثابة نافدة واسعة للمصالحة بين جميع فصائل المعارضة في الخارج والداخل التي عرفت تاريخا طويلا من الشكوك والانقسامات، والنظر للمستقبل القريب والبعيد التي تنتظره تحديات كبيرة وخطيرة، ولكن للاسف الشديد لم يكن هناك من يتسع صدره لسماع تلك الحقائق، بل أن اللجنة المنظمة للمؤتمر أصرت على انها ذاهبة إلى المؤتمر من أجل الاعداد لتشكيل حكومة منفى، وانها تطلب مساعدتي في العمل على اعداد ملف توضع فيه النقاط على الحروف لك ما له صلة بتشكيل تلك الحكومة، وكنت في كل مرة أحاول التخلص من أعباء هذه المهمة الثقيلة، ولكنه بعد الحاح شديد من بعض الاخوة المشاركين في المؤتمر، الذين رؤوا بان المهمة تحتاج إلى من يمتلك الخبرة والتجارب الطويلة لانجازها، وهنا وجدت نفسي مضطرا لعدم الاعتذار عن المشاركة في حدث وطني أو حتى تجاهله والتخلي عن دعمه ومساندته بقدر المستطاع. واستجابة للضرورات تقدمت للجنة المنظمة للمؤتمر بدراسة مفيده ومختصرة وكانت تحتوي على قرابة 32 صفحة، وقد حملت في جميع جوانبها العديد من الافكار والمعلومات العامة المتعلقة بقضايا تشكيل حكومات المنفى، والتي ظلت تنشأ من فكرة مواجهة أية مجموعة تمتلك الحق في حكم بلادها، لمعوقات تمنعها من ممارسة هذا الحق على ترابها الوطني وتلجأ للاقامة مؤقتا في بلدان أخرى ما يجعل الهدف الاستراتيجي لتشكيل هذه الحكومة هو العودة للوطن بعد زوال معوقات إقامة الشرعية، والسعي إلى سحب الشرعية القانونية من النظام الحاكم وايجاد بديل يمثل الدولة دوليا لتسريع عملية اسقاط النظام، وقضايا أخرى مهمة يمكن أن تساعد جميع الفصائل المشاركة في المؤتمر على ضرورة تناسيها للماضي التناحري، والنظر بحكمة وبصيرة وتعقل للمستقبل لمواجهة التحديات الخطيرة، وقد طلبت من اللجنة المنظمة للمؤتمر التعجيل بطباعة أوراق هذا الملف والعمل على توزيعها بشكل سريع على جميع الاشخاص المفترض حضورهم المؤتمر، للاستئناس بارائهم ومقترحاتهم وملاحظاتهم وبرؤية الامور بموضوعية بعيدا عن التجاذبات والتشنجات التي لا مبرر لهذا في هذا الوقت الدقيق والحساس، وهو أمر لم تقوم به اللجنة المنظمة للاسف، ولم تستطيع جميع الاطراف الاستفادة منه، وحتى أن النسخة الأصلية من الملف يبدو انها ادرجت في طي النسيان، أو انها أخفيت بفعل فاعل لا يريد لها أن تخرج إلى النور. الحلقة القادمة .. لماذا ألغي المؤتمر؟ وماذا حدث في اللقاء مع المراجع الدينية؟ هاني الريس 28 آذار/ مارس 2022