نشاطات

آدم في الهند

بقلم د.راوية بربارة . همسة نت

يا آدم إنّي أسكنك الجنة
– وهل الجنّة هنا يا الله؟
– كلّ هذه الأشجار، وتربة حمراء تجري من تحتها الأنهار، والغابات والآجام، وأشجار جوز الهند تعانق السماء، والجبال تتسلّقها، والفيَلَة تركبها، والقرود تأكل معك، والعصافير توقظك، والمحيط من هنا، وشط العرب من هناك، ماذا تريد بعد؟
– وهل ستترك حواء معي؟
– تسكنها وتسكُنُكَ وتصيران جسدًا واحدًا.
– وكيف سأجوب تلك المساحات الشاسعة؟؟؟
– سأضيف سنوات كثيرة إلى عمرك لتستطيع أن تجوب البلاد وتنشر دعوتي…


وترك الله آدم في الهند، وعاد إليه بعد مئات السنوات، فوجد البلاد عامرة بأهلها يصدحون بغناء كزقزقات الصباح، كأصوات المغر التي تهبّ حولها الرياح، كأصداء نداءات آدم لله.
– آدم، ماذا فعلت؟ تركتُكَ تنشر النبوّة، رجعت لأجد الهنود قد تبلبلت ألسنتهم وانتماءاتهم، هندوس وإسلام ومسيحيين وسيخ ويهود و…و..
– انظر يا إلهي إلى جمالهم وسمرتهم المشعّة من ليالي أيمانهم وحرارة قلوبهم.
– تعال آدم، أظنّ أننا بحاجة إلى نبيّ بعدك ليصلح ما عثتَ هنا من عدم اهتمام بالوقت، من عدم التفات للمساحات حتى باتوا يظنون أنّهم سيبقون في الحياة الدنيا إلى أبد الآبدين.
– نعم، يشعرون بالطمأنينة، فلا الوقت يضبطهم  ولا المسافات تسيّرهم، ولا البحار تتقاذفهم، يتبّلون حياتهم بالزعفران، ويروون جفاء الأيام بشاي سيلان.
– تعال آدم، سآخذك معي إلى الشرق الأوسط لتعلّمهم كيف يكون الهدوء.
– وحوّاء؟
– سأتركها هنا لترعى نسلك.
– اتركني معها.
واكتأب آدم ينتظر قرار الله، أظلمت الدنيا في عينيه، فاسودّت بشرة أولاده، واسودّت عيونهم، لكنّ قلوبهم بقيت بيضاء تنتظر قرار الله.
غفا آدم تحت شجرة جوز الهند، وحلم بشوارع خالية من المتعبين، تسير فيها السيارات بنظامها الخاصّ، دون إشارات مرور، دون قوانين سير؛ حلم فيما يحلم النائم أن يبني تاج محلّ…
شعر بشيء يحمله، يوقظه من غفلته، وجد نفسه معلقا على خرطوم فيل أبرهة الأشرم، ويسير نحو بلاد الحجاز…
يا إلهي، إلى أين تأخذني؟
– إلى بلاد الحجاز.
– والشرق الأوسط؟
– أخذت إليه ابنك سام، سيساعدهم على تخطّي أزماتهم.
– ومن أبقيتَ لي؟
– وأخذتُ يافت إلى أوروبا، سيساعد في حلّ أزمة أوكرانيا بعد عهد.
– أوكرانيا؟ أبرهة الأشرم؟ وماذا مع حوّاء؟
– سبقتك، تغتسل في واحة تحت نخلة.
– تهزّ جذع النخلة؟ وتعدو بين الصفا والمروة؟ أعدها لي يا الله، فأنا أطلب منك أن أبقى في الهند….
ومن يومها، والهند كما خلقها الله، بداية الأرض، وبدائيّة الحياة.
***
راوية جرجورة بربارة
من وحي زيارتنا للهند، مقاطعة كيرلا من 7- 11 آذار 2022، وانتقالنا إلى نيو دلهي حتى 16آذار
وحي من جملة قالها أستاذ خضر عقل، “هل آدم نزل من الجنّة إلى الهند؟”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق