الرئيسية

مقالي الذي كتبته عام 2013 (قبل 8 سنوات) حين تم اكتشاف تمثال ابولو في غزة. تمثال أبولو الغزاوي

بقلم معالي وزير الثقافة الفلسطينية.د.عاطف ابوسيف


مقالي الذي كتبته عام 2013 (قبل 8 سنوات) حين تم اكتشاف تمثال ابولو في غزة.
تمثال أبولو الغزاوي
تناقلت وسائل الإعلام المختلفة خبر وجود تمثال روماني من البرونز لأبولو في غزة تم العثور عليه من قبل مجموعة من الصيادين في البحر. وثار نقاش متنوع حول التمثال وتكهنات مختلفة عن آلية وصوله لغزة وعن تصرف من بحوزتهم به، دون ان توجد رواية رسمية عن ذلك. بيد أن صوراً خرجت على مواقع الانترنت أظهرت تمثالاً بحجم كبير على غرار التماثيل الرومانية من البرنز ممداً على الأرض وهو في الأساس يجب أن يكون واقفاً ويمد يده اليسرى للأمام. بالطبع إن تأمل منظر التمثال يعطي إحساساً بهويته الرومانية.

بالطبع لا توجد رواية مؤكدة أو رسمية عن كيفية وصول التمثال إلى أيادي محتجزيه. صحيح أنه وصل عبر البحر ووقع في شباك الصيادين قبالة دير البلح لكن لا أحد يعرف كيف وصل إلى شواطيء غزة. فهل سقط سهواً في عرض البحر خلال عملية تهريب دولية ؟ أو هل رمته الأمواج بالخطأ من مكان بعيد؟ ام هل ان قصة وجوده في البحر كلها ملفقة وأن ثمة حكاية لا أحد يعرفها وهي بحاجة لتبيان. والملاحظ أن الامر لم يثر انتباه أي جهة أو دولة ما قد تدعي ملكيتها للتمثال ؟ هل كان موجودا في غزة قبل ذلك وهو أصلاً لم يتم العثور عليه في البحر؟ هل هو فلسطيني ام لا تعود ملكيته الحقيقة لفلسطين؟ ثمة قصة غائبة.

بل إن بعض الأخبار تناقلت أن التمثال معروض للبيع في مزاد علني على الأنترنت، وان ثمة مزايدات عليه. بالطبع كل هذه تظل اخبار ربما تكون ملفقة وغير صحيحة، لكن الشيء الصحيح الوحيد هو ان احداً في غزة لم يخرج للأخبار ويقول لنا ما هو الصحيح، ومالم يتم ذلك فإن كل الشائعات تحتمل الصواب، وعليه تتطور وفقها المواقف.

المؤكد أنه إذا كان الامر كذلك فإن ثمة سوء تقدير للمواقف واستغلال غير صحيح لمقدرات البلاد. فالتمثال سواء كان فلسطينياً أم جاء لفلسطين عبر الخطأ لا يجوز التصرف به، وهو ليس ملكاً شخصياً لمن يستولي عليه، بل هو ملك للشعب وللناس. ففلسطين التي كانت دائماً البوتقة التي انصهرت فيها كل الحضارات، وشعب فلسطين الذي ورث كل الحضارات ونهل منها محتفظاً رغم ذلك بهويته الكنعانية العربية، حافظ دائماً على التراث العالمي وكان حافظاً له. هذا إلى جانب البعد القانوني والدولي للأمر. ففلسطين وقعت على مجموعة معاهدات واتفاقيات دولية تلزمنا كاطراف متعاقدين على حماية المكتشفات سواء كانت في أرضنا او وقعت بالخطأ بأيدينا. وإن الإخلال بذلك يعطي إسرائيل سارقة الآثار الاولى في المنطقة الشرعية في نظر الآخرين في سرقة تراثنا.

إن الأمر يحتاج لمزيد من الاهتمام والانتباه من قبل فصائل العمل الوطني والإسلامي في قطاع غزة حيث أن تداعيات مثل هذه الأحداث خطرة على مكانة فلسطين وعلاقتها، فالأمر يتعلق بتراث إنساني ومقتنيات حضارية إن من شان التلاعب بها أن تسيء لفلسطين في المؤسسات الدولية وتعطي ذريعة لإسرائيل للمزيد من الانتهاكات بحق الآثار الفلسطينية خاصة ان ما تقوم به من نهب وسرقة يلقى استنكاراً واسعاً في العالم. إلا أنها وأمام أي تصرف فلسطيني بإرث عالمي ستقوم بشن حملة دعائية تشوه صورة شعبنا المناضل.

على فصائل العمل الوطني والإسلامي أن تشكل لجنة لمتابعة الامر وتقصي حقيقته والإطلاع على التمثال وتطوير تصور حول حقيقته مستعينة بخبراء وباحثين والتشاور مع الرئاسة الفلسطينية من أجل تباحث سبل التعاطي مع التمثال في حالة وجوده عبر القنوات الدولية من قاعدة ان الذخائر والتراث الوطني اكبر من أي خلاف وأنها ليست ملكاً لأحد او لفصيل بل هي ملك للشعب وللأجيال القادمة كما هي جزء من مكونات الوعي والذاكرة الشعبية والوطنية. إن صراع فلسطين الحضاري مع المشروع الاستعماري الاحلالي يتطلب العمل بوعي وتعقل من أجل عدم الانزلاق في التصرفات الطائشة. على الجميع تحمل المسؤولية في ذلك. وإن الامر يتطلب مرة اخرى المزيد من الاهتمام فهو ليس بالشيء الهين وهو ليس بلعبة ثمينة وجدها أحدهم في الشارع ويريد أن يلهو بها، بل إنها جزء من تاريخ بشري ومن تفاعلات أكبر.

يثير هذا الامر نقاشاً آخر حول حماية الآثار والمواقع الأثرية والمكتشفات القديمة والتعامل معها. إن حالة الآثار في غزة يرثي لها بشكل كبير منذ سنوات بعيدة، ولم تنجح السلطة بشكل عام في حمايتها وتطويرها، وزاد الأمر سوءاً بعد الإنقلاب حيث تركت المواقع الأثرية في بعض الأماكن عرضة لعوامل التعرية وضحية لسوء الإهتمام والإدارة. على سبيل المثال لا الحصر لم يتم الاستفادة من النفق القديم الذي يربط المسجد العمري بالبحر والذي حفر في الفترة الهيلينية حين كان المسجد كنيسة وهو يمتد لكيلومترات تحت الأرض. كما أن المقبرة المسيحية التي تم اكتشافها شرق مخيم جباليا وتضم رفات أشخاص مختلفي الأعمار قيل وقتها أنها ربما تكون أول مقبرة مسيحية مكتشفة، تكاد تختفي حيث صارت البنايات تحيطها من كل جانب ولم يعد من السهل الاستدلال عليها. أذكر أنني قمت وقت اكتشافها بزيارتها مع البروفسور باسم رعد المهتم بالفترات القديمة في فلسطين ووقتها شاهدنا جثامين المدفونين في قبور منظمة بطريقة حافظت عليها الطبيعة. أما من أرد أن يذهل أكثر فليتذكر موقع ميناء غزة الفينيقي الذي اكتشف في أوائل التسعينات شمالي مخيم الشاطئ أو ما يعرف بمنطقة الشمالي حيث اختفت معالم الميناء ولم يتم تطويرها أو مواصلة التنقيب فيها. وآخر قصة في ذلك هو ما تناقلته وسائل الإعلام قبل ستة أشهر ونيف عن وجود بقايا كنيسة قديمة في منطقة أصلان في بيت لاهيا تم العثور عليها إثر انهيارات في تربة أحد المباني وقيل أنه عثر على مواد تستخدم في العبادة في وضع جيد.

الشعوب تمتلك تاريخها وتعيش حاضرها وتبحث عن مستقبلها، وفي اللحظة التي يصير تاريخنا عرضة للبيع على الإنترنت ومادة للتجارة والقرصنة فإن حاضرنا الذي نعيشه أيضاً ستدوسه عربات الشجع والأنانية والحزبية امام مستقبلنا فكأني أسمع من يقول “عليه السلام”!!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق