مقالات
رهانات ومآلات الثورة البيضاء في تونس بقيادة قيس سعيد
قصة تونس هي قصة الإسلام السياسي بعد “الربيع العربي” وسيطرته على مقاليد الحكم بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بالتعاون مع قوى وأوساط معارضة للنظام السابق أو هي جزء منه، في ترجمة حرفية لشهوة السلطة، دون الأخذ بعين الاعتبار المطالب والأسباب التي قامت من أجلها انتفاضات “الربيع العربي”.
قصة تونس هي قصة الإسلام السياسي بعد “الربيع العربي” وسيطرته على مقاليد الحكم بصورة مباشرة أو غير مباشرة
فانتفاضة تونس التي فجّرها “البوعزيزي” كانت صرخة ضد الفساد والبطالة، وهي الملفات التي فشلت حكومات النهضة في تحقيق إنجازات فيها، فالديون ازدادت وأصبحت تونس دولة تعيش فقط على المساعدات التي يجري توظيفها سياسياً من قبل قوى دولية أو إقليمية، فيما عمدت حركة النهضة لإقصاء القوى السياسية النافذة في البلاد، بما فيها قوى تاريخية لها وزنها، وثبت شأنها شأن كثير من التنظيمات الإخوانية تعاونها مع الإرهاب على الصعيد المحلي بالتغطية على قتلة “البراهمي وبلعيد”، والتعاون مع الإخوان المسلمين في ليبيا والجزائر والمنطقة.
وفي علاقات تونس الخارجية، تحالفت النهضة مع القوى الإقليمية الداعمة للإسلام السياسي “الدوحة وأنقرة” وبصورة منسوخة عن نموذج حزب الله في لبنان، بمعنى الذهاب لتأسيس دولة داخل الدولة، فكانت زيارات الغنوشي لإسطنبول ولقاءاته مع القيادة التركية، واستقباله وفوداً من الدوحة وأنقرة، بمعزل عن رئاسة الجمهورية.
الرئيس التونسي القادم من الوسط الأكاديمي، وهو الخبير بالدستور، ينقذ تونس بقرارات تستجيب للأغلبية من الشارع التونسي التي عبّرت عن مطالب بإسقاط برلمان حركة النهضة وحكومتها التي يقودها المشيشي، على خلفية تفاقم أزمة كورونا بالتزامن مع الأزمة الاقتصادية، غير أنّ ما يمكن ملاحظته هنا هو أنّ هناك طبقة شبابية ناشئة هي التي تقود الحراك ضد النهضة، تحت عناوين قضايا مطلبية مرجعياتها المطالب التي طرحت بعد انتفاضة “البوعزيزي”، والتي ذهبت النهضة مع المشيشي لتجاهلها وإخضاع أزمة لقاحات كورونا لحسابات التجاذبات السياسية على حساب أرواح التونسيين، لتتحول تونس إلى دولة خطرة نتيجة تفشي الوباء، بما فيه المتحورات الجديدة، هذه الطبقة نشأت بعد الثورة ضد بن علي، وهي تعلن الثورة ليس على النهضة فقط بل على بقايا النظام السابق، لا سيّما أنّ الشباب العشريني الذي يتحرك في الشارع التونسي تشكل وعيه خلال الأعوام الـ10 الماضية؛ أي ما بعد بن علي وتحت حكم النهضة.
واضح أنّ انتفاضة 2021 التونسية بقيادة الرئيس التونسي تعود إلى استراتيجيات انتفاضة الإطاحة ببن علي، بالاعتماد على ضمانات المؤسستين العسكرية والأمنية في حماية الثورة، اللتين تقفان إلى جانب قرارات الرئيس، وتحظيان باحترام وتقدير وثقة التونسيين، ومؤكد أنّ مهماتهما ستكون مؤقتة، كما هو حال قرار قيس سعيد بتجميد البرلمان لمدة شهر.
فشلت حكومات النهضة في تحقيق إدارة البلاد، فالديون ازدادت وأصبحت تونس دولة تعيش فقط على المساعدات التي يجري توظيفها سياسياً من قبل قوى دولية أو إقليمية
يبدو أنّ النهضة لن تعترف بالهزيمة، ولن تستسلم بسهولة، فسيناريوهات التوقعات لما ستكون عليه تونس متعددة، بدأتها النهضة بحملة إعلامية بمساعدة حلفائها في الخارج تصور ما يجري في تونس بأنه “انقلاب” على الشعب والديمقراطية من قبل الرئيس، وربما تذهب باتجاه إثارة فوضى تزيد الأمور تعقيداً، وهو ما دفع الرئيس لاستخدام لغة حازمة وتهديدية ضد أيّ توجهات باستخدام القوة من قبل أي طرف. وبالتزامن فإنّ موازين القوى الإقليمية والدولية اليوم ليست في صالح النهضة؛ فالإسلام السياسي تلقى العديد من الضربات منذ الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين في مصر عام 2013 ولاحقاً في السودان، فيما محيط تونس ممثلاً بالجزائر وليبيا يذهب باتجاهات لمحاصرة الإخوان المسلمين والإسلام السياسي.
مستقبل تونس على المحك، وقبل الوصول إلى أيّ تسويات سياسية جديدة، بما فيها انتخابات جديدة، مرجح “في حال إجرائها” أن تظهر تراجعاً في نفوذ النهضة، فإنّ إدارة الرئيس خلال هذا الشهر للدولة والشخصيات التي سيعتمد عليها، بما فيها التعامل مع أزمة كورونا، ستكون أهم المعايير في تقييم قرارات إقالة الحكومة وتجميد البرلمان، وهو ما يعني أن تتقدم قوى إقليمية، لا سيّما دول الاعتدال العربي، بتقديم مساعدات عاجلة لتونس.