تناقلت صحف البحرين الصفراء ووسائل اعلام السلطة ومواقع وتغريدات أبواقها في الداخل والخارج، نص الرسالة المكتوبة التي هنأ فيها ولي العهد رئيس مجلس الوزراء في البحرين سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة، عمال البحرين، عبر حسابه الرسمي الخاص على مواقع التواصل الاجتماعي بمناسبة الاحتفال بعيد العمال العالمي المصادف في 1 آيار/ مايو من كل عام، وأشاد فيها بخطواتهم الناجحة في مختلف ميادين البناء والتعمير، وتحديهم وتصديهم لجائحة وباء كورونا الفتاك، وشغفهم للتميز وقدرتهم الفائقة على تحقيق الانجازات في مختلف مجالات العمل وفي مختلف الاوقات والظروف الصعبة.
رسالة التهنئة والاشادة التامة بجهود الطبقة العاملة البحرينية وتطلعاتها لتحقيق الانجازات في مختلف ميادين العمل والاعمار في البحرين، ليست أكثر من مجرد بهرجة اعلامية وتلميعيه لدعم الحكومة وسياساتها في ظل المطالبات الشعبية المكثفة والمتكررة لتوفير جميع الفرص الاجتماعية والاقتصادية والعمل لجميع المواطنين البحرينيين، والاقلاع عن سياسة جلب العمالة الاجنبية الرخيصة واستغلال قوة عملها في أحلك الظروف، وذلك في ظل التمييز والتفضيل وعدم تكافؤ الفرص وتضييق العيش على حياة المواطن البحريني وفرض الرسوم الحكومية العالية والضاغطة عليه وقطع أرزاق من ترى الحكومة انهم من المناهضين لها.
ولي العهد رئيس مجلس الوزراء أوضح في نص رسالة التهنئة، بأن أبناء البحرين العاملين في مختلف القطاعات استطاعوا أن يخطوا بسواعدهم قصص النجاح، وأثبتوا قدرتهم على التحدي والتصدي لجائحة كورونا، وشغفهم للتميز، وقدرتهم على تحقيق الانجازات في أصعب الظروف والاوقات.
لا أحد يختلف حول قدرة العمالة الوطنية في تحقيق الانجازات العظيمة والجبارة في مختلف ميادين العمل والاعمار، لانهم ابناء هذا الوطن والمدافعين عن تطوره وتقدمه وتنميته ورقيه وازدهاره، ولكن هل أن سياسة التوظيف في البحرين تنحاز دائما إلى جانب العامل البحريني وتعمل على تلبية اهدافة وتطلعات نحو العيش بعز وكرامة في وطنه؟ وهل أن الحكومة البحرينية التي يقف الآن على رأسها ولي العهد، استطاعت أن تحقق كافة شروط العمل للعمال البحرينيين الذين يعانون من أوضاع صعبة في مختلف مجالات العمل وحالات تمييز طائفي، وعمليات فصل مستمرة من الوظائف الرسمية وغير الرسمية فقط بسبب مجرد الاشتباه بكونهم من المعارضين للحكومة، أو الداعمين لتوجهات المعارضة، وتضييق الخناق حتى على من يفكر بالهجرة الطوعية للبحث عن لقمة العيش والحياة الكريمة في الخارج؟
وهل هناك خطط ومشاريع وبرامج عمل حقيقية وواقعية تدرسها حكومة ولي العهد، لاعداد وتطوير مستوى الخدمات في مختلف ميادين العمل ودعم قضايا الطبقة البحرينية وتفضيلها على العمالة المستوردة التي ظلت الحكومات البحرينية المتعاقبة تعتمد عليها بشكل اساسي ولغايات في نفس يعقوب، والتي بلغت حتى الان بحسب العديد من الدراسات العمالية، أكثر من 280 الف عامل أجنبي من العمال غير المهرة، ومن بينهم قرابة 67 الف عامل من الشرائح السائبة المخالفين للقانون، ونسبة تتجاوز 48 الف عامل اجنبي يعملون عبر ” النظام الموازي ” وجلهم من الهنود والبنغاليين، حيث يزيد عدد العمال الهنود في البحرين عن ثلاثمائة الف عامل، وتشكل العمالة التعاقدية من النساء الاجنبيات أكثر من 32 في المئة والحبل على الجرار، في دولة صغيرة بمساحتها الجغرافية ويبلغ عدد سكانها الاصليين من جميع الطوائف ـ بحسب ـ احصائيات العام 2021 قرابة 1.701.585 مما يجعل الامر عسيرا جدا على المواطن البحريني الحصول على أية وظيفة تناسبه بأية سهولة ممكن .
لا أحد ينكر أن البحرين وبفضل سواعد أبنائها وبناتها المخلصين العمال والفلاحين والمثقفين والمفكرين أيضاً قد حققوا الكثير من المعجزات في بناء الوطن على امتداد عقود طويلة من الزمن، وبالتالي فأن ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، لا يضيف جديدا في رسالته هذه، بل يجب التفكير في وضع خطط ومشاريع جديدة ومتطورة للنهوض بمستويات مجالات العمل والعمال في البحرين، وتفضيل العامل والموظف البحريني على غيره من العمال والموظفين المستوردين، وتسهيل مختلف الخدمات له بدلا من إذلاله واحتقاره وتهميشه أمام العمالة الاجنبية، التي أصبحت عالة على المجتمع وطابور خامس للحكومة.
ويجب احترام هيبة العامل والفلاح والموظف والطبيب والمهندس والمحامي والاعلامي والمفكر والمثقف البحريني، لانه بتضامنهم ووحدتهم وتآخيهم يستطيعون على سواعدهم أن يحملوا الحمل الثقيل التي تحتاجه الدولة ويحتاجه المجتمع من أجل النهضة التنموية والعمرانية المطلوبة، ويجب على الحكومة اعادة النظر تجاه جميع العمال البحرينيين المفصولين من اعمالهم ووظائفهم بعد احداث حراك الرابع عشر من شباط/ فبراير 2011 الذين ما زالوا يعانون من ضيق العيش والحرمان من العودة إلى أعمالهم ووظائفهم.
هكذا تكون العدالة والانصاف اذا كانت هناك عدالة تتباها بها وتفتخر حكومة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء تجاه أبناء البحرين العاملين، ولاسيما في الاوضاع الصعبة والخطيرة التي يمرون بها في ظل تفشي وباء كورونا الفتاك، وعدم قدرتهم على التصدي له بالامكانات الشحيحة التي لا تسمن ولا تغني عن جوع، في وقت تشير فيه بعض القصص والروايات عن حالات انتحار كثيرة في البحرين بسبب العطالة عن العمل وقطع الارزاق ونسوة في ريعان الشباب ينتهي بهن الامر إلى دور البغاء بسبب العوز المادي والقهر الاجتماعي غير المكبوح.
وإلى جانب ذلك، تنتشر ظاهرة تعاطي المخدرات على نطاق واسع في المدارس وفي صفوف الشباب العاطلين عن العمل بسبب انتشار الايادي العاملة الرخيصة في الشركات والمنازل والمحال التجارية المتعددة في عموم البلاد، ولم تدرس السلطات كيفية محاربة هذه الظاهرة الفتاكة، فيما سماسرة المال وشركات استيراد العمالة الرخيصة، والمتنفذين في الوظائف الرسمية والاهلية ورموز واعضاء الاسرة المالكة البحرينية يتنعمون بجميع خيرات البحرين ويستثمرونها في مشاريعهم، ويشددون الخناق ويفرضون القيود على الطبقة العاملة البحرينية، وكل ذلك يحدث تحت سمع وبصر ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، سلمان بن حمد آل خليفة، ووالده الحاكم الطاغية حمد بن عيسى آل خليفة، وجميع أعضاء الاسرة المالكة في البحرين، ومن لف في فلكهم من الفاسدين والمنتفعين والمهرولين وراء المغانم الدنيوية.
وفي هذا لم تسلم البحرين من دفع الثمن الباهض والاغلى من تصرفات حكامها الفاسدين والمبذرين والضاغطين على حياة الناس المعيشية اليومية والمحتكرين لأسواق العمل والمتسببين بهجرة العمال البحرينيين إلى دول الجوار من أجل البحث المضني عن كسرة الخبز، ولم يحاول ولي العهد رئيس مجلس الوزراء أن يصنع الحلول الكفيلة لمعالجة اسباب ومسببات هذه الظاهرة الخطيرة وكبح مفاعيلها وتنفيذ اجراءات رادعة للمتلاعبين بأموال الشعب ومكاشفتهم ومحاسبتهم وعلى الأقل في صورة مسرحية كما فعل أقرانهم ملوك وأمراء السعودية.
وعلى الرغم من كل تلك المشاهد السلبية والفاضحة التي ظل يعاني منها الاقتصاد المحلي والمعتمد اساسا على الاقتراض الخارجي والدعم الاجنبي واستجداء حكومات دول الجوار الغنية التي تمر بأوقات مزدهرة ونمو اقتصادي كبير رغم الازمات المالية العالمية، هناك ثمة من يكتبون ويغردون على مواقع التواصل الاجتماعي ويظهرون في بعض الفضائيات، بأن ولي العهد رئيس مجلس الوزراء هو من يستحق أن ينسب له الفضل في التحولات الجديدة التي برزت في البلاد، وهو الملاك الذي لم تتلوث أياديه بالموبقات، وهو ليس أحد شياطين الاسرة المالكة التي أهلكت الزرع والضرع وأزهقت أرواح الناس لمجرد أنهم يطالبون بحقوق المواطنة المشروعة.
وينسون أو انهم يتناسون، أو أن لديهم مآرب أخرى ينظرون اليها للمستقبل، بأن الرجل هو أحد أكبر رموز هذه العائلة التي تلطخت أياديها بدماء المواطنين الابرياء والضعفاء، وهو الذي يعرف بالضبط كل هذه الاكراهات ويتجاهلها ويغض عنها البصر، بل ويمضي فيها سابحا عكس التيار ومتجاوزاً كل الاعتبارات التي تجعل من تهنئته لأبناء البحرين العاملين ذات مصداقية غير حقيقية وليست لها أي أهمية، بقدر ماهي ترمي لتلميع صورة الحكومة والحكم، التي لم تعد ناصعة في نظر المنظمات الاهلية والدولية المدافعة عن حقوق العمال، وذلك من جراء عدم التزامهم بالمعاهدات والاتفاقيات والبروتوكولات، وحتى أبسط المعايير الدولية ذات الصلة بقضايا العمل والعمال .
هاني الريس