اقلام حرة

هل يُعقل أن تحدث انتخابات بدون القدس؟ بقلم الكاتبة: تمارا حداد

.
إن بناء الدولة ومؤسساتها يأتي بدءاً بالأسس السياسية والإقتصادية والإجتماعية الذي يجب أن يتضمنها الدستور، وصولاً لبنية مؤسسات الدولة وسلطاتها ونظامها الإداري، والدولة وحدة قانونية دائمة تتضمن وجود هيئة إجتماعية لها حق ممارسة سلطات قانونية معينة في مواجهة أمة مستقرة على إقليم محدد وتباشر الدولة حقوق السيادة بإرادتها المفردة عن طريق إستخدام القوة المادية التي تحتكرها، والدولة تنظيم سياسي له صفة الدوام يضم مجموعة من الأفراد يقطنون إقليم معين ويخضعون لسلطة سياسية.
وللدولة منها تعريف عضوي يقوم على إعتبار الدولة مجموعة من المؤسسات العامة، وتعريف وظيفي يقوم على تعريف الدولة من خلال أنشطتها وأدوارها والتركيز على وظائفها، والتعريفات ركزت على السلطة السياسية التي تملك السيادة وتركز على مكونات الخاصة بالدولة، والقالب القانوني والتنظيمي.
والدولة لها أركان: جماعة من البشر” الشعب”: يعني سكان الدولة من حاملي جنسيتها، أي المجموعة البشرية التي تعيش في ظل سلطة معينة، أما الركن الثاني وهو الإقليم “قطعة من الارض” وهناك الإقليم الأرضي والمائي والجوي، أما الركن الثالث وهو جماعة سياسية “الحكومة أو السلطة السياسية”، أما الركن الرابع وهو صاحبة الإستقلال والسيادة، وفي نهاية الأمر إذا إجتمعت الأركان” الشعب والإقليم والحكومة” أصبح للدولة شخصية معنوية وذات سيادة، وهناك من يعتبر أن الإعتراف هو ركناً وهذا الأمر مهم للواقع الفلسطيني بأن هناك اعترافاً للوجود الفلسطيني والدولة الفلسطينية بإقرار لكن دون إنشاء، كون الإنشاء ما زال قيد تشكيل الدولة لعدم توفر بعض الأركان التي هي أساس الدولة الفلسطينية وأهمها الحدود غير المحددة وهذا الأمر لا يُشكل سيادة حقيقية للدولة الفلسطينية.
واذا تحققنا من موضوع الركن الأول وجود شعب فهناك شعب فلسطيني صامد على أرضه لا يُزحزحه مهما كانت الصعوبات والتحديات التي تواجه المواطن الفلسطيني، أما الركن الثاني وجود الإقليم فهناك تحدي لعدم توفر هذا الركن بسبب الاحتلال، أما الركن الثالث وجود حكومة وسلطة سياسية وهذا الركن متوفر في الواقع الفلسطيني.
بداية المقال للوصول بأن انتخابات بدون القدس هي شعار يجب أن يرسخ في ذهن كل وطني حر بعيد عن المصالح الشخصية، كون البعض يقول بأن ما بعد الانتخابات سيسعى إلى تحرير القدس، هذا الأمر يقودنا للسؤال التالي لماذا لا تُحرر القدس قبل الانتخابات اذا كانت النية خالصة؟
أحببت أن اكتب المقال بالرغم إني مرشحة للانتخابات التشريعية على قائمة ” تجمع المستقلين” وبرقم متقدم “3” يعني أن الفوز بقائمة مستقلة قوية وفيها من الكفاءات والوطنيين قريب إلى النجاح أكثر من الخسارة، لكن يحتم علي كتابة ما يُملي علي ضميري، بأن الانتخابات بدون القدس هو أمر يُزعزع السلطة السياسية للواقع الفلسطيني كون السلطة السياسية هي أحد أركان تشكيل الدولة، والقدس بقضيتها الرمزية والسياسية أحد القضايا والثوابت الوطنية التي ما زال الشعب الفلسطيني يُناضل بأن تكون القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين وهذا الأمر بقرار موجود في أغلب الاتفاقيات الدولية لكن الاحتلال يُماطل في هذه القضية حتى يُكرس بأن القدس عاصمة موحدة أبدية لدولة اسرائيل.
القدس هي قضية رمزية وسيادية وصراع بين محتل وأرض محتلة وإذا حدثت الانتخابات بدون القدس يعني التنازل عن ركن من أركان السيادة والتنازل عن السيادة الدينية على القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية، والتنازل بأن القدس الشرقية كعاصمة لفلسطين والتنازل عن حل الدولتين، وهذا الأمر يؤكد وتوكيداً بأن “لا انتخابات بدون القدس”.
بدل من المهاترات وتجريح الآخرين أمام العالم بقول البعض بأن التأجيل يأتي بذريعة الخلاص من الانتخابات، أريد أن أُشير بأن من يفقه السياسة بشكل صحيح يعلم تماماً بأن انتخابات بدون القدس هو نقص للسلطة السياسية الفلسطينية، ويجب أن تكون القدس كقضية نضالية وطنية المشروعة بمفهوم السيادة السياسية كركن لبداية تشكيل الدولة وهذا هو المطلوب، فكيف يُطالب البعض بانتخابات بدون القدس؟ والمجلس التشريعي إحدى مؤسسات السلطة الوطنية والشرعية الفلسطينية وإحدى مؤسسات السيادة الوطنية فإذا غابت القدس غابت السيادة الوطنية وغابت التشريعية والشرعية.
فهل من المعقول أن تحدث انتخابات بدون عاصمة؟ فما فائدة مجلس تشريعي منقوص على جزء من الضفة وما زلنا تحت الاحتلال وقطاع غزة المحاصر وأيضا تحت الاحتلال، ومن يُطالب بانتخابات بدون القدس هذا يعني تكريس سيادة الاحتلال وتهويد وأسرلة القدس وانتهائها كعاصمة لفلسطين وهذا يعني انتهاء اذا كان هناك أملاً في تشكل دولة، ومن يسعى لانتخابات منقوصة هو يعمل لمصالح ذاتية وليس لمصلحة عُليا سياسية حقيقية وليس كوسيلة نضالية وطنية كما يدعون تحت شعارات واهية بأن نحولها إلى معركة، فمن يُريد تحويلها لمعركة فليتفضل والباب مفتوح قبل وبعد الانتخابات ولا تنتظر حدوث الانتخابات لتحارب بعدها، وإذا أردت أن تدعم صمود أهل القدس هناك آلاف العائلات تشردوا في خيم دون أن يهتم أحد بهم، وهناك من يشتري العقارات المقدسية بمال سياسي خبيث ومن ثم يُسلم للاحتلال بطبق من ذهب، النضال له أشكال لأهل القدس ساندوهم وساعدوهم فهناك الأسر بحاجة لدعم مالي ومعنوي وليس تحت شعار بعد الانتخابات سيتم تحريرها، اعتقد زمن الشعارات ولى والكذب على الناس ولى.
اتفق تماماً مع مقولة لا انتخابات بدون القدس لمن يفقه السياسة الحقة وليس لمن يعمل لمصلحة دونية انقسامية بشكل أكبر، فالأجدى قبل الإعلان عن الانتخابات كان الأولى إنهاء الانقسام وليس إدارة الانقسام بمنظور سيادي منقوص.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق