مقالات
تحالفٌ أمريكيّ يرتكز على ثلاثة أُسس لمُحاربة الصين وحُلفائها.. ما هي فُرصه من النّجاح؟ وأين مكان العرب فيه؟ هل يُعيد التّاريخ نفسه ويُوظّف المال العربي الخليجي في حُروب أمريكا القادمة والذّريعة انتِهاكات حُقوق الإنسان وإنقاذ الإيغور؟
بدأ الرئيس الأمريكي جو بايدن في إشعال فتيل الحرب الباردة ضدّ الصين المُنافس الاستِراتيجي الأكبر لبِلاده في استشعارٍ مُباشر للأخطار السياسيّة والاقتصاديّة والعسكريّة التي تُشكّلها الصين على الهيمنة الأمريكيّة على مُقدّرات العالم التي استمرّت مُنذ الحرب العالميّة الثّانية في القرن الماضي.
الاستراتيجيّة الأمريكيّة الجديدة ضدّ الصين تتضمّن العديد من الخطوات تُحاكي بعضها خطوات مُماثلة جرى اتّخاذها ضدّ الاتّحاد السوفييتي أثناء الحرب الباردة الأولى، ويُمكِن إيجازها في النّقاط التّالية:
-
أوّلًا: تشكيل تحالف جديد من الديمقراطيّات بزعامة الولايات المتحدة ومُشاركة دول أوروبيّة ضد الأنظمة الاستبداديّة في العالم على رأسها الصين، وبدرجةٍ أقل روسيا، ممّا سيُؤدّي إلى تقسيم العالم على أرضيّة إيديولوجيّات مُتصارعة.
-
ثانيًا: إصدار مجلس الشّيوخ الأمريكي مشروع قانون يحمل اسم “قانون المُنافسة الاستراتيجيّة” يهدف إلى السّماح للولايات المتحدة لمُواجهة التحدّيات التي تُشكّلها الصين، مع التّشديد على سرقة الملكيّة الفكريّة، وتعزيز العُلاقات مع تايوان.
-
ثالثًا: كشف النّقاب عن انتِهاكات حُقوق الإنسان، ليس في العُمق الصيني، وإنّما أيضًا في هونغ كونغ، ومناطق التركمان الإيغور الإسلاميّة في غرب الصين، وتسليط الأضواء على الاعتِقالات الجماعيّة والاغتِصاب الجنسي.
-
التطبيق العملي للخطوات الثّلاث بدأ بإرسال صفقات أسلحة مُتطوّرة إلى جزيرة تايوان وحاملات طائرات وسُفن حربيّة وأمريكيّة لإجراء مُناورات في خليج المياه الذي يفصلها عن الوطن الأم في استِفزازٍ مُباشر استدعى تحرّك سُفن حربيّة صينيّة في المِنطقة، كما فرضت واشنطن عُقوبات جديدة على سبعة كيانات صناعيّة تكنولوجيّة صينيّة مُنتجة للحواسيب الذكيّة المُتطوّرة جدًّا التي يُمكِن أن تُستَخدم في تعزيز القُدرات العسكريّة الصينيّة.
إدارة بايدن بمِثل هذا التحرّك تُريد إعادة عقارب السّاعة إلى الوراء، ونِصف قرن على الأقل، وبالتّحديد إلى ذروة الحرب الباردة ضدّ الإمبراطوريّة السوفيتيّة، وهذا يعني وللوهلة الأولى أنّ هذا النّهج الذي نجح في تفكيك هذه الإمبراطوريّة يُمكِن أن ينجح في تفكيك الصين، وهذا خطأ كبير لا يعكس تطوّرات الأمر في جوانبه التكنولوجيّة والعسكريّة في السّنوات العِشرين الماضية، وتحقيق الصين “الشابّة” قفزات كبيرة في هذا المِضمار.
دور إقليم الشّرق الأوسط في هذه الاستراتيجيّة القديمة المُتجدّدة سيكون الدّور نفسه الذي لعبته دول عربيّة وإسلاميّة في الحرب الباردة، أيّ دور التبعيّة والأداة في تنفيذ الحُروب الأمريكيّة مثلما كانَ عليه الحال في أفغانستان.
الأمر المُؤكّد أنّ حُلفاء أمريكا العرب سيكونون أعضاء “مُهمّين” في “تحالف الديمقراطيّات” الذي بدأ يايدن تشكيله لمُواجهة الأنظمة الاستبداديّة، رُغم أنّ مُعظم الدول العربيّة الحليفة لأمريكا ليست ديمقراطيّة، ومن المُفتَرض أن تَقِف في خندق الاستِبداد المُقابل، ممّا يَعكِس هشاشة القاعدة الأيديولوجيّة لهذا التّحالف وزيفه.
المسألة الأخرى التي تُشكّل نقطة ضعف جوهريّة في هذه الاستراتيجيّة الأمريكيّة الهُجوميّة الجديدة هي استِخدام ورقة حُقوق الإنسان ضدّ الصين، وتحشيد العالم الإسلامي ضدّ انتِهاكاتها المزعومة في إقليم الإيغور، وهو استِخدامٌ غير مُقنع ومَحكومٌ عليه بالفشل لعدّة أسباب، أبرزها أنّ امريكا التي غزت العِراق ودمّرته وقتلت مليونيّ من أبنائه، وتدخّلت عسكريًّا في سورية وليبيا وحوّلتهما إلى دولتين فاشلتين تقريبًا، هي آخِر دولة يجب أن تتحدّث عن حُقوق الإنسان، ونُصرة المُسلمين، وحِمايتهم من الاضّطهاد.
ما كان يَصلُح قبل خمسين عامًا أو مئة عام، لا يُمكِن أن يَصلُح اليوم، فالصين شيوعيّة اسما، ونظامها الاستبدادي حوّلها إلى أقوى اقتصاد رأسمالي في العالم، وبدأ الشعب الصيني يعيش مرحلة الرفاهيّة التي حُرِم منها في زمن حصر الأولويّات للتقدّم الاقتصادي، وباتت الصين أكثر استقرارًا من الولايات المتحدة نفسها، والأهم من ذلك أنّ الدول الخليجيّة التي كانت تُموّل وتخوض حروب أمريكا ضدّ الشيوعيّة تقف على حافّة الإفلاس، بسبب تراجع أسعار النفط، وكميّات إنتاجه، وانخِفاض استِهلاكه، توقّع صندوق النقد الدولي أن يتم هذا الإفلاس ابتداءً من العام 2030، حيث سيتم إنتاج آخِر سيّارة تستخدم البترول، وغرق هذه الدّول في الدّيون الداخليّة والخارجيّة.
إدارة الرئيس بايدن تتخبّط في سِياساتها وأبرزها العودة إلى سياسة العُقوبات التي بالغت في فرضها إدارة ترامب على إيران والصين وروسيا وفنزويلا، الأمر الذي سيزيد من صلابة وحدة هذه الدّول، وتعزيز تحالفها الجديد الذي يتبلور لمُواجهة حلف “الناتو”، والتّكتّل الرّأسمالي الغربي.
العرب والمُسلمون يجب ألا ينخدعوا مرّةً أُخرى بالأكاذيب الأمريكيّة حول الديمقراطيّة وحُقوق الإنسان، ويقفون مرّةً أُخرى في خندق واشنطن ضدّ المحور الروسي الصيني النّاشئ، والأكثر قوّةً وزخمًا، وإلا سيدفعون ثمنًا باهِظًا، ولهذا يجب أن يقرأ حُلفاء واشنطن القُدامى الجُدد التّاريخ جيّدًا، ويَستَخلِصون الدّروس والعبر وقبل أن تَحِلّ بهم الكارثة.. واللُه أعلم.
المصدر … الراي اليوم