مكتبة الأدب العربي و العالمي

لم أعد صغيرك جدتي

بقلم … Samar Lail

يدور مغزل جدتي ويقرقع في صحن نحاسي..ينحسر بصري من القنديل المعلق في قبة السقف ويرتطم بكاحلي..يقرقع الصوت ويهدهدني..توقف عزفها الاثير وترمقني خلسة محاذرة رفع اهدابها نحوي. احرك رأسي فتطمئن لنبضي وتكتم مقلها مؤجلة انفلات المزن ..تواصل عملها دون ان تغفل عينها عني..
عينها تراني صغيرا دائما..انا لم اكبر رغم أنها ماعادت تستطيع أن تلفني في قماطة الصوف وترفعني فوق ظهرها كحزمة من السنابل اليابسة الخفيفة. تراني صغيرا رغم أنني كثيرا ما اباغت شرودها بضمة ماكنة..فلا تنفك تضحك وهي تنعتني بوحشها الصغير وانا ارفعها عاليا بذراع واحدة..
منذ انفتح الباب الصدئ ، الثقيل وعدت اتوكأ على رجل ثالثة وهي تسترجع كل حكاياها وتعيد سردها علها تثقل اهدابي المشرعة وأنام..تحدثني عن فخاخها التي تنصبها عميقا في حديقتها المسيجة. فخاخ تعلق فيها ارجل الثعالب فتنجو دجاجاتها ولا تنفك تنظر بشماتة لضحاياها وهي تعلق دمائها النازفة حتى آخر نقطة وآخر شهقة وآخر نبضة.
كثيرة هي انتصارات جدتي وكثيرة هي احتفالاتها التي تذبح فيها دجاجاتها المكتنزات ، لتعد وليمة باذخة على شرف صويحباتها دون ان تنسى تعليق الجلود الوبرية على حبل غسيلها كشهادة انتصار موثقة..
تتورد رجل جدتي ويتقشر جلدها الرقيق..أمد يدي إلى كاحلي أتحسسه. صرت رجلا وربيت شوارب سميكة ولحية كثة وصوتا مخيفا ومازالت تراني غرا يركض وراء الدجاج وينتف ريشه محاولا الثأر لدماء الثعالب التي كثيرا ما أنزوي وأبكي دمها المسفوح …
تساقط شعري وشاب ذقني وبدأ العشى يزحف كمساء شتوي على بصري ومازالت تراني ذاك الطفل الذي تربط معصمه بمعصمها بحبل متين من الحلفاء كي لا يفلت منها في الزحام ويتوه…. جدتي انها تمطر الأن ليل كثير..ومطر أكثر
تجود السماء بدمعها فيدفق الماء يغسل وجع الأرض ويضمّد في رفق شجن المزاريب..
يهمي المطر مدرارا فتهمي معه موسيقى الغمام..وحين ينقر الشبابيك تستيقظ في الذاكرة كل الخطوات التي كم مشت فوق رصيف القلب وتتراقص بين الضلوع أراجيح كانت معلقة بين الشجر وبين عيني..
يهطل المطر وتهطل معه دمعات الليل الطويل
بقلم : Samar Lail

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق