اقلام حرة
دور المجتمع المدني في مأسسة الدولة وتعزيز القانون في الدول المتقدمة بقلم: تمارا حداد.
عندما تبحث الأمة عن سبب تخلفها المادي والحضاري وترغب في النهضة فلا بد لها أن تبدأ بالبحث عن داخلها واكتشاف الخلل واصلاحه ثم الشروع في تبني أدوات وآليات إصلاح الخلل لإنهاض الأمة، واكتشاف الخلل بحاجة لفاعلين من أجل حل الاشكاليات ووضع السياسات ومن أبرز هؤلاء الفاعلين المجتمع المدني، الذي لعب ومازال يلعب دوراً مميزاً في مأسسة الدولة وتعزيز سلطة القانون.
يأتي دور المجتمع المدني في مأسسة الدولة وتعزيز القانون من منطلق أن المجتمع المدني والمجتمع السياسي أو الدولة يسيران جنباً إلى جنب، ويجمع بينهما في كل نظام ديناميكة السيطرة الاجتماعية، والمأسسة الحقيقية للدولة من خلال تبني المجتمع المدني ليُحقق تقدم ديمقراطي حقيقي يحتاج إلى وجود مؤسسات تلعب دوراً مسانداً لدور الدولة ولا يتعارض معها بهدف تحقيق حالة من التواصل بين المواطن والنظام السياسي، لخلق ممارسة سياسية تكفل للنظام السياسي التجديد وتحافظ على مساندة المواطن لتحقيق الاستقرار.
يعتبر المجتمع المدني أحد قطاعات إلى جانب الدولة والسوق مع انفصال واستقلال كل منهم إلا أن هناك تداخل فيما بينهم، هناك ثلاث مجالات تعد مهمة لتقوية العلاقة بين المجتمع المدني والدولة: أولا، وثائق السياسة والآليات المؤسسية في الحكومة لتسهيل عمل المجتمع المدني، وآليات التمويل الحكومي على المستويين الوطني والمحلي للمنظمات غير الحكومية بما في ذلك التمويل المباشر وغير المباشر وأنظمة منح وإعانات مع اهتمام خاص بالتمييز بين منظمات الخدمة ومنظمات المناصرة، بعض السياسات الحكومية عملت لإشراك المجتمع المدني من خلال صناعة السياسات، من هنا العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني تكاملية من خلال إطار سياسة التعاون الكلية بحيث يكون للمجتمع المدني دور تنموي من خلال وثائق السياسة الخاصة وتشجيع المشاركة العامة في الحياة السياسة، وإنشاء آليات تخفف العبء على الحكومة وتعزيز مفاهيم المساءلة والانفتاح والمشاركة والترابط والفعالية والتجاوب والشراكة، والقيام بإجراءات ملموسة ضمن معايير وتنظيم ميثاق بالحوار والاستشارة يحدد آليات العمل بين الدولة والمجتمع المدني والأدوات اللازمة وآلية التنفيذ وهذا له فائدة في اشراك المجتمعات المحلية في تقديم الخدمة الاجتماعية بشكل افضل.
والعلاقة بين النظام السياسي والمجتمع المدني تأتي من أن أي سياسة عامة لأي نظام سياسي وفي أي دولة لا تنجح إلا بتكامل الأدوار الوظيفية بين الدولة والمجتمع المدني، وإن إنكار الدولة لمصالح المجتمع المدني لن يعود إلا إلى المواجهة الحاسمة ضد الدولة، ويقودنا القول ضرورة تفعيل المنظمات المدنية وتأكيد حضورها في عمليات صنع وتنفيذ السياسة العامة وهذه العملية وثيقة الارتباط بالأهداف التي تمثل أساس لنهضة وتقدم المجتمع المدني والدولة ذاتها، لذا من المهم اتساق بين النظام السياسي والاجتماعي، لتأسيس دولة ديمقراطية تؤمن بتطبيق القواعد القانونية، فتحديد اطار العمل المؤسسي بالتعاون بين الدولة والمجتمع المدني ينجح بعدة أساليب فمثلا تشكيل جهاز استشاري من المجتمع المدني للمشاركة والرقابة بمشاركة الهيئات والسلطات والبرلمان والادارة المركزية يعمل ذلك على تأسيس دولة تؤمن بتطبيق قواعد الحكم الرشيد.
أما دور المجتمع في تعزيز سلطة القانون فله دور في تطوير القوانين المتعلقة بمنظماته بعمل صياغة الرأي في شكل مطالب للتأثير على صانع القرار وكذا الرأي العام لتحقيق الوصول إلى تغيير وتعديل والاصلاح لصالحها ولصالح المهمشين، وتحديد العلاقة القانونية بين الدولة والمجتمع المدني بواسطة الانتخابات التي اصبحت حقا ديمقراطيا، وتقوم دولة القانون على مبدأ المغايرة والاختلاف والتباين والتعدد وحق المعارضة، وتقوم دولة القانون الفصل بين الدولة والمجتمع المدني والذي يمكن تسميته بالانفصال الخارجي بما يعني ذلك استقلالية الدولة تجاه المصالح العليا والطبقات والحياة الاقتصادية.
وهناك أطرا قانونية وسياسية لا بد من توفرها لوجود المجتمع المدني منها: سيادة الحياة الدستورية التي تقوم على مبادئ الحرية الفردية والديمقراطية ومنها: الفصل بين السلطات، واقرار التعددية الفكرية والحزبية، وحرية تكوين المنظمات الاجتماعية والسياسية، وتأكيداً على مبدأ الفصل بين معتقدات الانسان الدينية وعلاقته بالسلطة السياسية.
أبرز المعيقات في الواقع الفلسطيني تجاه مؤسسات المجتمع المدني:
هناك المعيقات الخارجية مثل سياسات بعض الدول الكبرى وأجنداتهم وتحديداً في الحالة الفلسطينية جعل المواطن الفلسطيني يشعر بنوع من الاغتراب من مفهوم المجتمع المدني كونهم يحملون أفكارا قد تخالف في بعضها عادات وتقاليد المجتمع الفلسطيني، حيث أغلب تمويل مؤسسات المجتمع المدني تأتي من الخارج.
وهناك معيق داخلي حيث ان الوضع الحالي غير ديمقراطي الأمر الذي انعكس سلباً على القوانين الناظمة لعمل مؤسسات المجتمع المدني، حيث يعتبرها النظام كجزء معارض له لذلك لا يتم دعم مؤسسات المجتمع المدني، وضعف الهيئات والمؤسسات التشريعية في الحالة الفلسطينية الذي حد من عمل مؤسسات المجتمع المدني، وهناك اشكالية التمويل حيث تعاني مؤسسات المجتمع المدني من ازمة مالية ونقص الموارد المالية الذي حد من قدرتها وهناك في الوقت الحالي حساسية نظراً للوضع الامني تجاه التمويل وتجاه مؤسسات المجتمع المدني.
وهناك معيق حيث تهدف مؤسسات المجتمع المدني لخلق التوازن بين طبقات المجتمع من خلال برامجها الا ان حقيقة عمل المؤسسات يستهدف شرائح معينة وليس كل المجتمع غالباً ما تكون النخب وتستهدف مناطق بعينها دون غيرها دون النظر الى الحالة المعيشية انها فقيرة ام لا بل النظر حسب الوضع الحزبي.
أما الثقافة فالمجتمع الفلسطيني ما زال في بعض المناطق والمدن قبلياً وعشائرياً وهذا الطابع غير مستقر ناهيك عن التدين والتعصب الامر الذي اضعف دور مؤسسات المجتمع المدني، حيث يعتبر البعض العشائر بانهم اقوى من الدولة، والطبيعة القبلية والطائفية والحزبية ينعكس على طبيعة مؤسسات المجتمع المدني.
هناك تباين في وصف دور المجتمع المدني، وغياب الثقافة والسلوك الديمقراطي في الحالة الفلسطينية نتيجة غلبة الحزب الواحد الامر الذي ادى الى غياب اي شكل من اشكال الممارسة السياسية والتي من المفترض ان تشكل مؤسسات المجتع المدني، وكما ارتفاع معدلات الامية والفقر والبطالة الذي حد من قدرة المجتمع المدني، وكما التحولات في طبيعة النظام الطبقي للمجتمع ادى الى غياب الطبقة الوسطى نتيجة ارتفاع الاسعار الامر الذي ادى الى تآكل مؤسسات المجتمع المدني التي هي اساسها من طبقة الوسطى وتدافع عنها، وهناك الضعف العام في بنية المجتمع الفلسطيني نتيجة الانقسام الفلسطيني حيث يعاني من الشرذمة المجتمع الفلسطيني الذي انعكس على حالة التجانس والجو العام في داخل المجتمع الفلسطيني.
وهناك المعيقات الذاتية مثل الضعف في عنصر الاسناد الجماهيري لمؤسسات المجتمع المدني لم تقدر على خلق مناخ عام لاستيعاب عدد اكبر من الداعمين لعدم ثقة المواطن بالمؤسسات كونها اصبحت تحت اطار أحزاب، والمعيق الاخر هو اهمال مؤسسات المجتمع المدني للجوانب الثقافية والاقتصادية وتركيزها على مفاهيم حقوق الانسان، وهناك المعيق في التناقض قي الموقف تجاه بعض القضايا مثل قضايا المراة والمساواة، وغياب الاستراتيجيات الموحدة لمؤسسات المجتمع المدني لم تستطع ان تُحقق تنمية شاملة.
خلاصة:
تلعب مؤسسات المجتمع المدني دورا ضمن الأنشطة السياسية مع الانشطة الاقتصادية ضمن ثقاقة التطور والابداع ناهيك عن الدعم الاجتماعي، وان تفاعل منظمات المجتمع المدني مع محيطها المحلي والوطني فكلما اتجهت هذه المنظمات الى تلبية الاحتياجات المحلية اثبتت جدواها وضرورة وجودها كوسيط بين المواطن والدولة لتحقيق الامن الانساني والانمائي، وديمومة الاصلاحات الديمقراطية تعتمد على ارساء قاعدة جديدة للعلاقة بين المواطن والسلطة تستمد جذورها احترام الحقوق والمشاركة الفاعلية والمساءلة وتحقيق عقد اجتماعي ووضع تدابير وطنية للحوار الديمقراطي واصلاحات مؤسسية تعيد الحياة لمفهوم قبول المواطن على التسويات الاجتماعية والسياسات القائمة على العدالة وان العلاقة بين المواطن والمسؤولين والنشيطين من جهة والدولة المسؤولة والديمقراطية من جهة اخرى هي القاعدة التكاملية لعقد اجتماعي جديد، من هنا على منظمات المجتمع المدني ضمن استراتيجياتها المستقبلية أن تأخذ بالاعتبار الانخراط في العملية الشاملة لإعادة بناء الدولة من خلال التغيير الديمقراطي واصلاح الدستور واصلاح الهياكل التشريعية وتوسيع الحصول على المعلومات واصلاحات قانونية ودور كبير في مساءلة السياسات الاقتصادية والاجتماعية قائمة على الاندماج وعدم التمييز واقامة حوار تشاركي بين الدولة والمواطن، واذا ارادت ان تنجح مؤسسات المجتمع المدني في فلسطين عليها ان تعيد الديمقراطية من داخلها.