عمر الرداد
في إطار الاستعداد للقادم الأمريكي الجديد على رأس البيت الأبيض مع استراتيجياته المعروفة والمعلنة، ترسل كافة القوى في المنطقة رسائل معلنة ومشفرة تعلن عن تكيفها مع القيادة الأمريكية الجديدة، بما فيها الدول العربية ب” تطبيع” العلاقات مع إسرائيل أو بملفاتها الداخلية بالإصلاح وإظهار الالتزام بحقوق الإنسان.
غير ان هذا الاستعداد لدى القيادتين الإيرانية والتركية يأخذ تعبيرات مختلفة، مرجعيتها مقاربة إيرانية تبدي ارتياحا لفوز بايدن أملا بما هو معلن بالعودة للاتفاق النووي،وبما يعني ذلك من رفع للعقوبات و انفراجات إيرانية تعني أنها غادرت مربعات التهديد والتصعيد التي فرضت عليها منذ وصول الرئيس ترام بالى الحكم عام 2016، في ظل مواقف أوروبية وأمريكية ترى إمكانية التوصل لتفاهمات مع إيران.
أما بالنسبة لتركيا فتدرك أنها تحت المجهر الأمريكي والأوروبي وتحت عناوين محاسبة “محاكمة” على أربع سنوات، مارست فيها تركيا سياسات تتعارض مع الحليفين الأوروبي والأمريكي، بغطاءات شخصية من الرئيس ترامب،فيما مؤسسات الدولة العميقة ،من جمهوريين وديمقراطيين ترى في القيادة التركية قيادة” مارقة متمردة” على تحالفها مع الغرب،ولا بد من محاسبتها، وقد لا تنفع معها “براغماتية” القيادة التركية وحافة الهاوية.
الرسائل المشفرة من القيادتين التركية والإيرانية جاءت من باكو العاصمة الاذرية، في احتفال مشترك للجيشين الاذري والتركي بالانتصار على أرمينيا ودحرها من ناغورني قره باغ، بعد ستة أسابيع من الحرب، أسهمت صفقة روسية – تركية بإنهاء الحرب بصورة مفاجئة لصالح أذربيجان”تركيا” وخسارة لأرمينيا حليفة إيران والغرب في هذه الحرب، و أديرت من قبل تركيا تحت عنوان حرب الكراهية.
ربما يبدو الأمر خلاف على قصيدة ألقاها الرئيس أردوغان في الاحتفال لشاعر اذري،تتحدث عن تقسيم أراضي أذربيجان بين روسيا وإيران في القرن التاسع عشر، الا ان رد الفعل الإيراني باستدعاء سفير أنقرة لدى طهران والتعبير له عن رفض إيران التدخل في شؤونها والتغريدات التي صدرت عن مسؤولين إيرانيين تظهر ان الخلاف أعمق من قصة قصيدة .
موضوع القومية الاذرية في إيران والتي تشكل القومية الثانية بعد الفرس، موضوع حساس بالنسبة للقيادة الإيرانية، ويثير أطماعا انفصالية لدى الأذريين الإيرانيين قد تهدد وحدة الدولة الإيرانية، التي اتخذت قيادتها لأسباب سياسية موقفا مؤيدا لأرمينيا، وهو ما يدركه الرئيس التركي عندما أرسل تلك الرسالة لطهران،وهو ما يبدو ان إيران تلقتها وحللت رموزها بسرعة وردت عليها بدهاء، كشف فيما كشف ان القيادة الإيرانية لم ولن تثق بالقيادة التركية، وان اتفاقات إستانا وسوتشي ” الخاصة بسوريا”تطلبتها ضرورات الإستراتيجية الإيرانية بضغوط روسية،لمواجهة الضغوطات والعقوبات الأمريكية “غير المسبوقة في التاريخ”.
بيد أن مخاوف اردوغان أعمق مما يعتقد من التوافق الأمريكي- الأوروبي الجديد على معاقبة القيادة التركية ،لا بل واستهداف الرئيس شخصيا، وهو ما عبر عنه الأوربيون والأمريكيون، فهل أراد رسالة تحذيرية للقيادة الإيرانية ،على ضوء تأكده من تحالفها القادم مع الإدارة الأمريكية الجديدة، بأنه يملك ورقة “الاذريين في إيران” وأنه قادر على الرد على إيران وإثارة متاعب في داخلها بتحريض الاذريين، فيما إذا أرادت الانخراط في التحالف الأمريكي – الأوروبي ضده،وهو أمر متوقع.
من جانبها وفي إطار فهم عميق للرسالة التركية جاء رد الفعل حازما من قبل القيادة الإيرانية، فمع استدعاء سفير أنقرة في طهران وإبلاغه رسالة الاحتجاج، صدرت تعبيرات ذات دلالة من قيادات ومسؤولين إيرانيين:”أبلغنا السفير التركي بأن حقبة المطالب المتعلقة بالأرض والإمبراطوريات التوسعية قد انقضت،لن تسمح إيران لأحد بالتدخل في وحدة أراضيها”،وجملة حقبة الإمبراطوريات التوسعية التي ترفضها إيران، هي جوهر الخلاف بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، في ظل العثمانية الجديدة، كما ان رد الفعل الإيراني تزامن مع اجتماع أوروبي صدرت عنه قرارات بعقوبات على تركيا، سجلت معها الليرة التركية هبوطا جديدا، فيما ذهبت رهانات القيادة التركية على تباين المواقف الأوروبية أدراج الرياح، فهل سيكون النفط الإيراني لتركيا ورقة إيرانية بعد رفع العقوبات عن طهران.
تجليات وتمظهرات التباين بين إيران وتركيا ستبدو أكثر وضوحا في العديد من المحطات المفصلية القادمة، وفي مقدمتها الملف السوري الذاهب باتجاه الحلول السلمية، وسيكون مطلوبا من تركيا إجابات على دورها في إدلب والاستقرار في سوريا، ودعمها لفصائل إرهابية،فيما ستقدم إيران تنازلات، وفي العراق ستواصل قيادته رفض الاستهداف التركي، وبتأييد من إيران،وفي إقليم قره باغ، الذي لن أنجز فيه الرئيس التركي حلا لن ترضى عنه أوروبا ولا أمريكا،ستكون إيران “أمريكية أوروبية” وسيعاد فتح الملف الليبي باتجاهات ستظهر الدور الذي لعبته تركيا في ليبيا، وستؤيد إيران توجهات أوروبا وأمريكا في ذلك،وإيران المتواجدة في أوروبا عبر أذرعها الأمنية قادرة على مساعدة الأوروبيين في كشف الكثير من المعلومات حول مخططات القيادة التركية ” العثمانية الجديدة”، والى جانب ذلك كله لدى إيران أوراق داخل تركيا تستطيع استخدامها على قاعدة مذهبية.
كاتب أردني