مقالات
الأحزاب وأنا والتدخين بقلم : د. عائشة الخواجا الرازم
كم هي طويلة عسيرة معركتنا ضد التدخين والمدخنين … !
ووصلت بي أسلحة محاربة التدخين أن أحرم حتى أعز وأغلى الضيوف من إشعال سيجارة ولو كانت في محيط حديقة البيت …
وكم من حروب ناعمة باردة كانت تدور رحاها في الحزب الوحدوي العربي الديموقراطي وانتصر أعداء التدخين بنصرة أصدقائهم المدخنين وتقديرهم ، حزب ( الوعد ) الذي أسسناه بدم لهفتنا للديموقراطية والعمل الوطني والمؤسسي حيث انطلقنا في تأسيس هذا الحزب عام 1993.. ومع الأسف كان أغلب أعضاء الهيئة العامة مدمني نيكوتين …
واستطعت بحمد الله بعدما فزت بتسلم منصب مقررة اللجنة المركزية بالانتخاب في الوعد … استطعت بالرجاء والضبط وحق الزمالة والحزب وإلخ أن أتمكن من منع التدخين في الاجتماعات والندوات واللقاءات … إلى أن بلغت أخلاقيات الزملاء والزميلات درجة المحافظة على مودة الزملاء والعمل الحزبي … بأن أصبحت هاجساً عند الجميع … وما أن أدخل المكاتب حتى يضج الزملاء ضاحكين: حضرت أم حسين ..اللي معاه باكيت دخان يسلمه مع الولاعة فورا .
كانت المودة عالية الحضور . تؤخذ الضحكة والأمر والنكتة والعمل حزمة واحدة فلا يتكدر أحد على الإطلاق…
وكنا أنا والإنسان الراقي المرحوم العزيز أنيس المعشر ( أبو ماهر ) أمين عام الحزب والدكتور عبد الرحمن طوقان نائب الأمين العام وواصف عازر ( أبو خالد ) ود. محمد العوران نسمى قيادات الحزب الديكتاتورية لأننا كنا نحمل عند الاجتماعات مسطرة ونهدد كل من تسول له نفسه بالتدخين بفلقة من بلاستيك … فيعم الضحك ولا يخالف أحدنا الآخر. لا أدري كيف كنا في بهجة عمل مثل خلايا النحل يتوسط أحدنا عند الآخر ليقنعه بطلب لزميل فتبدأ الكولسات حتى يتضح الهدف . لا أذكر أحدنا تحدث بسوء عن الآخر أو حاول الالتفاف عليه في موقف ، ولن أنسى لحظة فزت بمنصب مقررة اللجنة المركزية بين أربعة زملاء كبار كيف وقفت الهيئة العامة والرئاسة تصفيقا واحتراما .
وعلق المرحوم المهندس جعفر طوقان وهو يقف مع المرحوم أمين شقير بصوت عال وكانا معي من أشد المعارضين للتدخين : انتصر منع التدخين الحمد لله .
فأجاب محمد أبو عيطة: فقط في داخل المبنى يا باش مهندس .
وأظهر باكيت الدخان ولوح به ، فما كان من محمود العبدللات إلا أن قال :
اقبضوا عليه !
فيضحك القوم ونكمل دائما بأرقى ما يتخيل الزميل زميله ويحتمل بصدر رحب متفهم ودود !
ونحن .اليوم … في أشد ادعائنا بالفهم والتعرف على قيم حق الإنسان بالتعبير ودرء التدخين عن صحته … أشهد وأشاهد وأسمع وأقرأ وأرى بلاوي القوم والعناد بالشدة والعتاد والعبوس حينما يتظلم غير المدخن من التدخين السالب لصحته وحقه !!! فترى المدخن كأنه عدو لئيم يحول المظلوم إلى مستكين ضعيف في الصميم!!!
كان المرحوم أمين شقير والمرحوم إيليا نقل والصديق كمال فاخوري … مبدعين بتقديم الشكاوي الساخنة ضد الأعضاء الذين يخترقون قانون المودة ( منع التدخين ) …وذات يوم نسي الصديق محمد أبو عيطة وقبض عليه المدخن الأكبر محمود العبدللات واشتكاه …مع أن محمود العبدللات كان مدخنا ثقيلا إلا أنه بالتزامه ضاعف مقاتلة السجائر في أروقة الحزب حتى أنه عارض تخصيص غرفة للمدخنين ي الحزب قائلا: الغرفة رايحة تصير قنبلة نووية تهف على الجميع …شو استفدنا؟ اللي بده يدخن يروح يدخن في دار أبوه فقلت له : مع إنك مدخن شرس بس والله إنك مكسب ! فقال : أنا مدخن شره ؟ طيب …شكوى حزبية للأمين عام شخصيا ضد مقررتنا …أنا مدخن شره يا إخوان ! لن أعارض غرفة تدخين خلص .
قلت : لا يا محمود أنا قلت مدخن شرس … لا ..قلت مدخن ملاك ..لا شرس ولا شره ! فقال محمود : عفونا عن أم حسين. خليها على شرس أحسن… أنا شرس هاي كويسه !
وضحكنا خلال انهماكنا بكتابة بيان الصومال .. ( يا عيني كنا للصومال والسودان وفلسطين ولبنان والعراق وفك الحصار عن العراق وليبيا ووحدة اليمن ) نعم ضحكنا ووافقنا على مقترح قدمه المدخن الأكبر والذي ترك التدخين بسام معايعة بأن يكون البانيو العميق والقديم التصميم في مبنى الحزب في الشميساني ، أن يكون لتنفيذ عقوبات ضد المدخنين بأن يتم تغطيس المخالف في قعر البانيو ويدخن ويغلق عليه الباب ! مما دفع أبو عيطة ليقول : بانيو مع سيجارة أنا جاهز …وضحك عميقا وحينما هم بتكسير علبة الدخان مازحا.. سارع الدكتور عبد النور بتلقفه منه قائلا: أنا بساعدك ووضعه في جيبه!
كانت أيام…!
( كان البانيو عميقا ) وكل من شاهده يفقع من الضحك ويقسم بأنه لن يمسك سيجارة في أروقة الحزب …وأذكر أنه في أول زيارة لنا للموقع لاستئجاره للحزب ، وحينما كنا نتجول مجموعة من الأعضاء داخل المبنى للاطلاع على مرافقه، لفت انتباهنا بانيو الحمام العميق بتصميم غريب :
واستغربنا لعمق البانيو في الحمام ، فعلقت إحدى السيدات ( الأستاذة نائلة الرشدان) قائلة : شايفين … هذا البانيو جاهز للعقوبات بالكيماوي ..للمدخنين فقط …ولم يغضب أحد أو يتحدث أحد عن الكلمة والتعليق …وعلق بعضهم ضاحكين : يا ويلي ! حزبنا كيماوي. كانت المودة والتفاهم تسيطران بحالة من الوعي والاستيعاب… وبالفعل كانت أيام … تذكرت مواقف الزملاء والعمل الجماعي أيام اللولو… خاصة بعد أن أصر بعض أعضاء حزب سياسي مخضرم أمس على التدخين بطوابير جماعية وبترديد لعبارة حرية شخصية ومجاكرة ضد بعضهم البعض … والكشرة والعنهجهية على وجوه المدخنين المتمسكين بمواقفهم ورجولتهم وكرامتهم النيكوتينية!
ما الذي جرى وغير الود والتفهم والتقدير بين الجماعات المتآلفة في العمل العام ؟؟؟وهذا يعني الوضع المتشقق الواضح في رهان التدخين وحده كمثال بسيط واحد بين الأمثلة الكبرى أن القلوب والعقول متنكرة مستنكرة لجسدها الذي يحتويها؟؟؟ ومثال التدخين ينطبق عليه ملفات متراكمة من التناقض السياسي والانقسام الفكري وانعدام التنسيق والتآلف وتقدير مشاعر ومطالب الصحة عند الزملاء الذين يصبحون أعداء عند تظلمهم من الأذى !!…وأن الغربة تشهد على عمليات زراعة قلوب غير تلك القلوب في تلك الصدور
؟؟ كاد الأمر في الاجتماع أمس أن يصل مستوى التعارك بالأيدي بين من يدخنون في الاجتماع بدون تقدير أحبتهم وزملائهم وبين من يتضررون بشدة لدرجة أن أحد الأعضاء مريض بالأزمة الصدرية ، وأحدهم خرج من المشفى بعد عملية قلب مفتوح والأخت قد أجرت عملية في عينيها والتزمت بالحضور ، ولم يستجب بعض المدخنين لرجاء زملائهم ورفاقهم في الحزب !
أي عمل جماعي ذاك الذي يتنافر فيه أعضاء أسرته بخلاف على احترام صحة زملائهم ،ومن أجل سيجارة! ويكادون يتناحرون بالألفاظ والمناكفة : احنا أحرار بدنا ندخن غصب عن الراضي والزعلان …واللي مش عاجبه يطلع بره !!! شو نساوي بهالظروف السيئة والوضع العام ؟ يا عمي كويس ما نجيب معانا ندخن حشيس!
حوار مؤلم رافض ومقزز عند شخوص يقودون العمل الوطني والسياسي !!!
أي تضامن وتماسك وتآلف فكري ووطني وإنساني هذا ؟
إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور !