مقالات
ذكرى الكنعاني في الزمن الهجري الشاعر والمفكر أحمد حسين بقلم : شاكر فريد حسن
تصادف اليوم الثالث والعشرين من آب الذكرى الثالثة لرحيل الأديب والشاعر والمفكر والمثقف العضوي المشتبك، عاشق حيفا وكرملها ومنشدها المعذب، الكنعاني في الزمن الهجري، ابن مصمص وفلسطين الأستاذ أحمد حسين الحاج محمود اغبارية، صاحب المبدأ والموقف الوطني والثوري الجذري الثابت الأصيل، الذي لا يقبل المساومة، الملتزم بالأرض والإنسان معًا، والمتصدي على الدوام لمرتزقة الكلمة والفكر، الرافض للمرحلة والمتساوقين معها.
أحمد حسين من القامات الفلسطينية الثقافية العالية، وهو شاعر مقاتل ومثقف عميق، قدم العطايا الشعرية والنقدية والرؤى الفكرية والسياسية المغايرة، مشتبكًا مع الواقع، لم يسقط في اللحظة ولم تسقطه اللحظة، ولم ينل منه الاستلاب والمحو، وواجه كي الوعي الوطني بإرادة المثقف النقدي والعضوي العارف والواعي، وظل حتى اللحظة الأخيرة من حياته وفيًا لفكره وطروحاته وللأدب المقاوم الرافض لكل أشكال القهر والظلم والاستلاب، ولكل المشاريع الاستعمارية التي تستهدف تغييب الوعي ومصادرة فكر وثقافة المقاومة، وتصفية القضية الوطنية لشعبنا الفلسطيني المشرد والرابض تحت حراب المحتل، من كامب دافيد حتى اتفاق أوسلو المشؤوم والمجحف.
وبالإضافة لموهبته الادبية والشعرية الفذة والاستثنائية تمتع أحمد حسين بثقافة واسعة، ثقافة قرآنية وتوراتية، وعقلية تحليلية عميقة الأبعاد، وتوفر له حظ عالٍ من الأدب والفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع والثقافة العامة الشمولية، فكان واسع المعرفة والاطلاع على تراثنا العربي والثقافات العالمية، مولعًا بالمعري وابن رشد وفلاسفة العقل العربي، مما أغنى وأثرى كتاباته الأدبية والفكرية المتنوعة، وأكسبها زخمًا قل نظيره لدى الشعراء والأدباء، وطبعت أدبه بمسحة خاصة تجلت فيه حساسية لغوية مثيرة للدهشة، وحمل مشروعًا فكريًا وثقافيًا حضاريًا صلبًا ومتماسكًا، وتبنى خطابًا سياسيًا قوميًا مختلفًا. ونتيجة فكره الثوري المغاير والمختلف مع كل الطروحات والبرامج السياسية ظل أحمد حسين خارج الدائرة، مغيبًا ومحاصرًا من قبل الكثيرين من الساسة وتجار الكلام.
امتاز أحمد حسين بأسلوب شعره القريب من الواقع والحدث السياسي، ولم يكن فقط شاعرًا سياسيًا بل كتب الكثير من قصائد الحب والغزل والرثائيات الجميلة في العديد من المعارف والأصدقاء ورفاق الدرب، مستمدًا أفكاره من خياله الشعري المجنح الخصب. واتسم بجمال جملته الشعرية وتراكيبه اللفظية وكثافة لغته الشعرية الفريدة المتميزة، وتشكل دواوينه الشعرية أحد التجارب الإبداعية المهمة، ونقطة مفصلية هامة ليس على مستوى الادب الفلسطيني فحسب، وغنما على مستوى العالم العربي.
وفي شعره نجد نبرة كنعانية شديدة الحساسية والحدة واستلهامًا للتراث الأسطوري الكنعاني.
تمتع احمد حسين بخيال لغوي رحب، وقدرة ذكية على تطويع الكلمات واستخدام الحوار المسرحي وتقنياته المختلفة داخل النص الشعري، الأمر الذي زاد قصائده وهجًا وألقًا، وأكسبها مزيدًا من الدراما التي تتعدد أصواتها ونبراتها.
يكفي أحمد حسين، الشاعر والمثقف والإنسان المناضل والمحارب المشاكس فخرًا، أنه لم يسقط في زمن الهزائم والسقوط، ولم يحد عن البوصلة، فلم يخذلنا مرة، وظل متشبثًا بمواقفه وأفكاره ومعتقداته التي آمن بها حتى آخر رمق في حياته.
طوبى لأبي شادي أحمد حسين، وله المجد والخلود، وسيبقى خالدًا مخلدًا في الذاكرة الوطنية والثقافة الفلسطينية المقاومة، بإرثه الشعري ومنجزه الفكري وخطابه السياسي الرافض للمرحلة.