مقالات
المرأة تخوض .. بقلم : عائشة الخواجا الرازم
يراهن إخوتنا الرجال على عمل النساء بأنه مزاحمة للرجل واحتلال مواقعه في العمل ، ولو بقينا نقول للمرأة ليل نهار مكانك بيتك ، لظللنا ندور في فلك التهويمات والتنظير والتدمير !!
أين كرامة المرأة التي يدعي بها بعض الرجال …؟ تلك الكرامة المسكينة التي يمضغها الكثيرون من المقصرين أمام واجباتهم … وأفعالهم ؟؟ أو أمام حالات خاصة لنساء مستعرضات لعضلاتهن وتسريحاتهن ولغاليغ خطاباتهن لا يدرين ما يفعلنه سوى قيادة شعارات المساواة الكفيفة ومحاربة الرجل …؟؟؟ وأي رجل ؟؟؟ هل هو الرجل المخفي في الوطن بأسرار فاقته وحاجته وسعيه للعمل والخبز لعياله ..! أم هو الرجل المملوء المكنور مالاً ومناصب والموازي لهن بنفس اللغاليغ اللفظية عن عمى بصيرة ؟؟؟
إن هؤلاء الرجال وبعض الشيوخ والمفتين ، الذين يتحدثون من وراء ستار سميك عن المرأة العاملة ، أي الذين يسترسلون بتوجيه النصائح للمرأة بالتزام بيتها وممارسة أمومتها حفظاً لأنوثتها ووظيفتها السامية … إنما ينظرون فقط من ثقوب صغيرة في أبراج عاجية ، ويقولون عن المرأة العاملة أنها المتشبهة بالرجال !
نعم فكثير من النساء نسين أنهن إناث في غمرة العذاب والعمل ومطاحنة الحياة من أجل الستر والعيش النظيف لأسرهن وأطفالهن وعائلاتهن ، وهذا يعود بالستر والإنتاج ودخل الكرامة بحد ذاته لوطن يدعي الكرامة وفي نفس الوقت لا يدخل في تلافيف أسرار موازنة الكرامة وكفاف العيش التي ترفعها المرأة العاملة في بنك الكفاح النسوي .
القضية قضية خطيرة ومستفحلة وتزداد ضراوة لتجاهلنا النساء المحطمات والمحتاجات والبائسات … النساء اللواتي يملأن أروقة المحاكم وقارعات الطرق والمصانع والمشاغل والمستشفيات ، النساء الأرامل والمطلقات والمهجورات والمعلقات … وذوات الأسر الفقيرة والزوج المريض طريح الفراش … وتلك الفئة التي يتربص بها ضعاف النفوس ومرضى القلوب من الرجال .
يطلب من المرأة أن تأنس في بيتها ليكفيها الرجل حاجاتها وسعادتها … ! نعم … ونعم القول !!!
ولكننا نتفنن عشوائياً بالطرح والأمر !!! هكذا لوجه اللفظ وتنظير الجلسة وبعد ذلك يقفي المتحدثون ويهرعون إلى فراشهم دون فعل ! فالكلام ما شاء الله بدون ثمن !!! مع أن الكلمة موقف وفعل ونتيجة لا محالة !!!
فتلك المرأة لا أحد يدري إن كان لها بيت أم قبو …أو مغارة … ؟ وللعلم حتى لو كانت معلمة أو موظفة قطاع عام أو خاص … أو إن كان لها زوج أم عزرائيل …؟؟
كم من مسحوقة تعمل في أجهزة الدولة تعيل أسرة وأطفالاً ووالدين ضعيفين وتحرث الليل والنهار من أجل الستر وكفاف العيش الكريم ، وهم يقولون لها كرامة المرأة ؟؟؟
وكم من مطلقة عاملة تعيل أطفالها بكرامة البكاء والسهر الجريح ودون تحقيق المحكمة لها شيئاً من نظام النفقات المكفي طريق المدرسة وكتبها وحقيبتها وثمن ساندويشات أطفالها أمام غول المقاصف ؟؟؟ ؟
وحتى لو حققت المحاكم لها شيئاً فأين الأمن والدعة والعلاج وأفواه لا تقنع …؟ وهل تجزيها النفقة الحقيرة وتجزي أطفالها ؟؟
وكم من خياطة تنكفئ على ماكينة الخياطة طوال وقتها لتكفي أولادها العوز والحاجة وتربيهم وتعلمهم …؟ ولها زوج مقعد وأسرة تتمتع بلقب أفواه وأرانب ؟ أو أن لها زوجاً محطماً أو أنه لا يكفي عائلته قوتها …؟ وكم من موظفة ذات منصب وموقع أو غيره تتمنى الراحة الجسدية وهي حامل تنوء بعملها وثقلها وجنينها من أجل الحصول على عيش كريم بجهد كبير في نظر الناس غير كريم … ؟
هذه المرأة بتكوينها الطبيعي والنفسي تتعرض للمتغيرات الصحية والإرهاق وفقدان الكلس والشقاء ، وتثير شفقة الملائكة في السر بغثيانها ودورانها وانهيارها ، ولا يراها الكثيرون والزملاء والأهل ، وتقوم وتعمل كأنها بطلة سباق يتحرك على بطارية الوفاء والصبر للحياة الكريمة ومكابرة العيش !!!
المرأة مطالبة بأكثر مما يطلب من الرجل ، وهي جاهزة بطبيعتها الجبارة الصبارة ، مطالبة بمثاليات في البيت والعمل ، وفي العمل بالذات تقبض عليه بأعصابها ومثابرتها ومكابرتها وجدارتها ليس خشية فقدانه ، بل هي له وللمجتمع والأسرة والعمل وإن طال اللوم والتهميش !
فبدلاً من عطف المؤسسات والدوائر ومكاتب الإفتاء والمشايخ ورجال التنظير الفوقي ، وبدلاً من اعتبار المرأة العاملة شجرة الإنتاج الكريم ، وتقديم كرامة الاحترام مضاعفة خاصة للمرأة ، تهاجمها لما تقدمه من حماية وستر وعيش ومساعدة ونهوض ، وبدلاً من تكريمها لما تؤديه من خدمات تراكمية تعجز عنها ناقة الصبر في صحراء العربان ،
تقف في وجهها لتكسير مجاديفها ، لأنها مطالبة بأكثر مما يطلب من الرجل في المجتمع ومع أهل الزوج ومع الأولاد في السهر والرعاية والاقتصاد والبناء والإنتاج والتدبير والمحافظة على صحة الأولاد ، وتدليل الزوج وتلبية حاجاته ورغباته ، وإطاعته وإطاعة أقاربه وأهله وعشيرته وتلبية حاجاتهم وخدماتهم وتمسيح لحاهم … !!!
وفي نفس الوقت ملومة منكرة على العمل والخروج والمطالبة بحق التساوي بالأجر والعمل والاحترام وتقدير الجهد … يريدونها أن تجلس في البيت إذا كان لها بيت وتضع ساقاً على ساق… وتتمتع باستنزاف محيطها… يعني عالة تدمير فوق فاقة وطنها ومجتمعها وأسرتها النواة والممتدة…إنها مأكولة مذمومة … فلا هي تحصل على راحة الجسد والبال في البيت ولا هي منصفة من مجتمع الرجل والشيوخ والمفتين !!!
إن المرأة كيان … وفكر … وعقل وطاقة وعمل وتضحية وبناء وعطاء وليس حالة للجنس ومتعة أينما شاهدها بعض الرجال يرون فيها شهوة… وليست فاكهة للالتهام … إنها صاحبة رأي وقرار واجتهاد… تريد أن تهب فكرها وجهدها دون التشويش عليها وابتزازها واستغلال مواقفها لصالح الرجل ، تطمع من خلال مطالبتها بالعمل بوضع إنسانة مع إنسان ليحسن التعامل ويمتزج العمل ويكون صالح المجتمع والوطن والإنسان ، وهذا مع تجرد بعض رجال الدين وبعض المفتين ، وبعض الرجال المنظرين من وراء كمامات بصرية وبصيرية ، تكون كرامة المرأة وكرامة الرجل وكرامة الوطن دون ابتزاز وتحقير وتشويه للحقيقة !!!
أما وقد وصل العالم المشارك بالإنتاج العلمي والمعرفي والعملي فضاء السموات ، وما زلنا نأمر المرأة بالتزام بيت ربما هو بيت العنكبوت إن لم تشارك ببناء بيت الكرامة ، فلنتخيل إعدام هذا المحرك الديناميكي في الوطن والمجتمع وزجه في كرامة الشلل ، ونشهد النتائج !! يا عيني على كرامة المرأة وكرامة الوطن !!! ونأمل أن تتفوق المرأة وهي تخوض ….ولكن أيعرف الأشاوس أصحاب القرار المؤثر ماذا تخوض ؟ بعض النساء يلوين ألسنتهن بالتأتأة وراء بضع ميكروفونات والتمطع بالتطعج وتلعن المجتمع الأبوي ( كل الرجال والذكور عن جنب وطرف ) بذريعة الدفاع عن سيدة الخوض والمخاض التي تعمل لتعول كل العشيرة وكرامتها من الصغير المقمط بالسرير إلى كامل مجتمعها الأبوي الذي تحرص عليه ، بينما بعض نساء المايكات أنفسهن يتغنجن ويتغنين بمجتمعهن الأبوي ، فهن يشربن ويلتهمن مجتمعهن الأبوي ويتدللن في أحضانه طالبات مزيد الخير والدلال ، وتجدهن يؤلبن النساء الحصادات للصبر ضد المجتمع الأبوي .
فيعلم الفطين أن لبعض نساء المايكات تأثير عظيم مخيف بتقسيم المجتمع إلى مجتمعين أبويين ، مجتمع أبوي مشكور محبوب خاص لهن …ومجتمع أبوي ملعون للخائضات معارك الموت والحياة والستر .
وبذلك تسهم بعض النساء اللواتي يطلق عليهن بالمرأة المؤثرة بتبشيع المرأة التي تخوض غمار الحياة وتجييشها وشحنها ضد مجتمعها الأبوي ! أما هي فمجتمعها الأبوي حلال مبارك عليها ، وما واجبها سوى الطعن في الطبقة الخائضة لمعارك الحياة .
فالمرأة تخوض … نعم تخوض …
قسم من النساء تخوض مع الخائضين …وقسم يخوض حرب الحياة اليقين …وفي المحصلة يخرج علينا صاحب القرار معلنا شاملا الأخضر واليابس من النساء ، غير مدرك لعذاب تلك ورفاهية تلك كأن النساء العاملات الأرامل والمطلقات والمعنفات والمجروحات والمظلومات والمحرومات والمضحيات والصابرات في الوطن بلا جراح وبلا رضوض :
ثم يعلن بسعادة : اقتربت الانتخابات والمرأة تخوض …!