مقالات

تأملات وإحساس في أكف بعض الناس .. بقلم : عائشة الخواجا الرازم

أبهرتني مستويات مجتمعي الحبيب ، الذي أراهن عليه بالطيب والأصالة..و … الأمانة!!!
القصة الأولى :
تناول الضيف المسبحة الثمينة عن طاولة الوسط ، راح يسبح بهدوء ويكمل حديثه ، زوجي والآخرون وعائلته يستمعون ، لم يلاحظ أحد في جلستنا العائلية الطيبة أنه تناول تلك المسبحة! وظل مكانها الأنيق المضيء فارغا … والكل يتبادل أطراف القصص والموضوعات في الوطن ، والمجتمع والخ …!
أنا فقط تابعت الموقف ، ظل يسبح ويحرك أصابعه الموهوبة الفنانة ، على استدارة حبات مسبحة الدر الحمراء بالشرشوبة الذهبية الخالصة !!!
المسبحة هدية من الشاعر سميح القاسم ، وهي تزين وسط صحن الفضة على طاولة الوسط منذ عام 1990 , لا أحد يرفعها من مكانها ، لا للتسبيح ولا للتأمل باليد ، اعتز بها وأحيانا أكتب عنها ، وقد وردت قصتها في كتاب ( حوارية سميح القاسم ) الصادرة عام 1991 وأتحدث عنها للصحافة وعن الشاعر الكبير الراحل سميح القاسم ! وأن هذه المسبحة هي عنوان ديوانه سبحة الحياة…وحين كنت أقول له مسبحة فيقول ؛ يا أم الحسين هي سبحه بتشديد الباء!.فأجيبه : يا أبا وطن قد أكرمتني بسبحتك هذه والله!
لم يلتقطها من الصحن أي ضيف للتأمل ، ولم تفقد من مكانها أو تتحرك لزاوية أو موقع آخر ، نفس الصحن ونفس طاولة الوسط ، كل الضيوف يرونها… العائلة البنات والأطفال والغرباء والأقرباء ، الصحافة واللقاءات التلفزيونية التي تلتقيني في بيتي ، معاركي الانتخابية التي مرقت عليها والضيوف الذين دخلوا هذا الصالون الكريم ، ولم ينتشها أحد ، أو يسرقها طامع ولم أشك أو أظن بأحد !
انتهت الزيارة العائلية ، وعيني على الجميع وبصيرتي تراقب أصابع الفنان المعروف ، نهض الجميع ، ولهاث قلبي يكاد ينطق ، وما زالت يد الضيف الخفيفة تدلك حبات المسبحة بعفوية مدروسة ، عرفت أن الضيف قد قرر !!!
قلت في ضميري : سأتركه على دلاله وراحته حتى نقطة الصفر !
فكم أعشق نقطة الصفر … وأحب التأمل في الناس ..بكل إحساس … حتى آخر المشوار وأحب المثل المختار ( لاحق العيار لباب الدار ) ..
مشيت أنا وزوجي معهم حتى أوصلتهم السيارة ، استغرب زوجي خطواتي معهم فظل واقفا على الرصيف وأنا أجاور الضيف ، كنت أتحدث بكلمات الشكر على الزيارة وبضع كلمات وداع وإلى اللقاء ومحاولة تصبحون على خير وشرفتونا وهكذا !… وضع الضيف يده في جيبه وكاد قلبي يقع …
زوجته تقبلني بقبلات السعادة والفرح وقلبي يهتف : هيا بسرعة … هيا …يا أم الحسين … استعيدي المسبحه !!
أمسكت بيده الثانية التي أبقاها خارج الجيوب …
قلت : كأنك نسيت المسبحة معك ؟
ذهل الرجل … نفض يده التي كانت تسبح بالسبحة الثمينة…!
ضرب على جيبه وبنطاله … اقتربت زوجته : خير إن شاء الله ؟
قال : أم حسين تسألني عن مسبحة ..
قالت : مسبحة ماذا ؟
قال : مسبحة!
ضحكت وبدأت أنغمس في دوار عنيف مخيف ، والشارع يلف برأسي ، هل أنا في حلم أم في علم؟؟؟
أصابني خجل مظلل…هل يحق لي المبالغة في تفتيشه؟
يا للمصيبة…!
يا للهول …!
ضرب على جيوب بنطاله عدة مرات …أ
أخرج بطانة الجيوب كلها …
افتعلت الضحك والنكت والحكايات السريعة …وقلت : ههههه شفتك بتسبح طول الوقت وما حبيت أحرمك من المسبحة ! الآن بتكون مكانها … لكن إنت عملت ثورة جيوب …هههه تصبحون على خير !
لوحت لهم بالوداع وعاد كل شيء على ما يرام بالنسبة لهم …أما أنا فقد تجمدت في مكاني وحالة العينك عينك تصيبني كلسع السياط …لكنني احتسبت حالة الفقد للمسبحة نهاية عمرها مثل أي فقد آخر ..وأنا أدفع الثمن
..ليتني كنت جريئة بإيقاف الهبل القائم على نظرية التأمل بالناس حتى نقطة الزيرو …
ها أنت يا أم الحسين حصلت على نقطة الوصول للنهاية المسماة نقطة الزيرو …وقد وقع الفأس بالرأس…!
تحركت السيارة بهم …
مشيت بضع خطوات … أتساءل كيف لنا أن ندرك الدماء الأمينة بأكف الناس … وتظل بيننا المودة ويظل الإحساس … نظرت إلى الأرض بحزن شديد …وأحدث نفسي بيا رب أين المفر ؟
وقعت عيناي على الأرض وقوعا حزينا ….تمسمرت عيناي على شيء يتلوى ..إنها هي … كانت شرشوبتها تلمع تحت القمر !
…..
عائشة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق