مقالات
إغلاق منشآت في وطنك مفخرة للاستثمار والهوية والاستقرار ! بقلم: د. عائشة الخواجا الرازم
( أعطها يا ابو العطا ) وليس أسرع وأخف من خبط البوابات ولصق الشمع على زرافيل المؤسسات …!
أنا لا أستطيع أن أستوعب مبدأ شمع وإغلاق أية منشأة .
وكلما تابعت عملية إغلاق ، أتوقف لحصر مخي لاستعادة مشهد وتكوين ومعنى وقيمة وطموح تلك المنشأة ، وأتخيل مؤسسها وعمالها وموظفيها وزبائنها ، وأتخيل صورة موقعها وفوانيسها المشعشعة في المساء ، يجوب خاطرها رواد يظمأون لتمثيل أدوار أفراد على قيد الحياة .
أتفكر بشعار البناء والاستثمار والدعم والتغذية المعنوية لكل صاحب مغامرة اقتصادية ، حيث أضحت عمليات الاستثمار ومن ينتهجها مغامرات خفية النتائج وغير مضمونة المسار مع الأسف .
أتأمل إغلاق المؤسسات والمنشآت ، وأتفكر بمخاطر الضربة الموجعة لتلك المنشأة ، فالضربة متشعبة السهام كأنها أخطبوط يتلوى على جسد المنشأة ليتمدد على شريانات البلاد ، فيصيب المدخول المالي ويضرب سمعة المؤسسة سواء أكانت صغيرة أم كبيرة ، ويلتهم معنويات المخططين لابتكار أفكار عمل واقتصاد ، ثم يخبط خبط عشواء ببنية وتنظيم وبرامج النشاط والإبداع والانتعاش والحلم في مسيرة المنشأة ، يحرم ذاك المستثمر (الفدائي المجلوط ) والمؤسس للمنشأة من فرص الاستدراك .
وأخطر من ذلك عند إعلان العقوبة بالإغلاق ، ذلك والله هو بشاعة المشهد الاقتصادي وانطفاء نور عين في صدر الوطن الظاميء للضوء .
لا أدري بماذا يشعر المسؤول الكبير يا رعاه الله ، حينما يقرأ تقارير مخالفات منشآت في وطنه بعد عودة فرق التفتيش والرقابة بالإغلاق ؟
وأتساءل هل انعدمت وسائل الإرشاد الصارمة للمنشآت من قبل المؤسسات المعنية التي تحترم اقتصاد بلادها وتقدر مغامري الاستحداث الاستثماري ؟
هل انعدمت بصيرة الحكومة عن سن تشريعات وأوامر طارئة لطيفة إنسانية عادلة للطرفين الرسمي والمستثمر للقبض والرصد على كل منشأة يتم العثور فيها على مخالفات تجانب السلامة والصحة العامتين ؟
هل انعدمت طرق التعامل الاستراتيجي الحضاري الرؤوف والإنساني المواكب لحالة الاستثمار المريض ؟؟
وهل ماتت كل طرائق الإسقاط الإيجابي الموجه لكل منشأة تنحرف قليلا أم زيادة ؟
أعتقد أن مبدأ بث فرق الزيارة والمراقبة والتفتيش ، هو من أرقى ما يكون لضبط ورصد الوضع كاملا ، ولكنني أعتقد أن تصلب التعليمات الجافة التي تلتزم بها تلك الفرق المكونة المبعوثة من عدة جهات رسمية ، هو ما يعود بالخطر المتشعب والخسائر المتناثرة على رؤوس الجميع …
فالإغلاق أصلا أسهل المخالفات على الدولة وأسرع العقوبات ،لكنه أعظم معول للهدم ،،، صحيح أنه يظهر وجه الحكومة المتجهم الصارم في وجه كل من تسول له نفسه مخالفة السلامة والصحة والمحاسبة والخ ! لكن أسلوب الإغلاق والخسران وتشويه السمعة وإطفاء حلم الاستثمار النظيف ، لا يؤتي أكله خاصة في تفوق الانخفاض المعنوي والاقتصادي المرير على الاستقرار والمحاولة .
وإذا كانت الحكومة تود إعلاء شأن مراقباتها وأن يدها طائلة ولا أحد فوق القانون حقا ، وذاك لعمري حلال زلال . فتضرب خبط عشواء بطرق المعاقبات والمخالفات فتغلق وتعود فرقها سالمة غانمة حاملة ملفات التشميع والتسكير ، تاركة خلفها دمار معنوي ومادي وإنساني وسيرة يشوبها التشوه للمنشأة وصاحبها.
فذلك أسوأ النتائج وأوخمها ، وطاريء الوطن يتطلب تغييرا بنهج المخالفات . فليس أسهل من الهدم بعد البناء .
فصاحب المنشأة روح وقلب وعقل وإدارة وطموح، والتعامل معه بالاحترام والإرشاد الراقي بكتاب رسمي يعمم على منشأته وعماله وموظفيه ، وتقدير جهوده بالصبر على الحال العام ، ثم ضبط مخالفاته في إضبارة متابعة سرية دون تعميم حتى يرعوي ويلتزم بدون فضائح وسقوط .
ثم تقييم وشكر الالتزام دون تعذيبه وتخسير الموازنة والمالية والاستثمار ، وإشعاره بأهمية استثماره ، فهذا على أقل تقدير يدعم المستثمر ويشعره بقيمة تعبه ومجهوده وتضحياته واحترام عماله وكوادر المتتفعين الذين يطعمهم ويسقيهم .
الغريب أن أسلوب رعاة الدولة بالتعامل مع التاجر والاستثمار هو أسلوب الفرقة والطلاق يسبقه النزاع والشقاق ،
وأعتقد أن مكسب الحكومة سيكون أعلى ومكسب الدخل والسمعة والإيجابية الاستثمارية سترتفع !
إني أرى أن من واجب الحكومة الترفع عن عمليات الإغلاق !
وأنت حينما تقول إغلاق ، فيخيل إليك كتلة من الطين المنشأ على جانب طريق مهجور ..فهل تلك المنشأة عبارة عن سقائف من التنك وبعض كتل التراب المعجون ببقايا ذات شتوة داهية ؟
وهل هي في اعتبار الحكومة لا ضرورة لاعتبارها في حكم الاقتصاد ، ولا هي ضمن لهفة صرخات النماء المالي ، ولا هي في قائمة الهم الخدماتي، ولا هي تحت فيء الجهد والبذل والأمل بالنمو ، ولا هي أصلا صرخة بلاد تنشب أظافرها في صدرها للقمة عيش حلال ، ولا هي مظلة برد ومقعد وكوب ماء وحلم قلوب نزفت لتعميرها .
ولا هي فرحة طموح لمستثمر فدائي نزل ساحة التنشئة لمؤسسته لتسمى منشأة ، مغرقا ذراعيه بالوحل والجلطات لدى افتتاح بوابة تلك المنشأة ، ولا هي موئلا لسقي بارد لعمالة اليد المجروحة بحلال الذبح المقبول عند فدائي المنشأة المغامر ، ولا هي رفيف نسيم وطن يمثل على مسرحه حيوية النشاط ، ويعلم صابرا أن مغامرته المحاطة بالفواتير المخيفة والضرائب الخطيفة والمعاملات الرسمية وارتفاع منسوب الكساد ،؟؟ما هي إلا حرب ضروس بين جبهتين غير متكافئتين !
إني أتساءل أيضا : ما الذي يعود على حكومة الحكمة والعقلانية الصاحية حينما تعلي راية إغلاق ثلاثين منشأة على قيد الحياة بين الفينة والفينة ؟
ما الذي تتكسبه الحكومة من خلال فرق تفتيشها ورقابتها عندما تشمع بوابات تفتح وتغلق على دموع الانتظار لليسر واليسار ؟
هل تتكسب كثيرا لسمعتها وتزداد قوتها في الوطن حينما تسد أبواب رزق وعمل مؤسسات ؟ وبالله …هل هذا دواء لمعالجة أخطاء منشآت يجب تعليمها وتصويبها بالبناء وإعطاء الدواء .؟
هل تزداد منعة وظيفة الحكومة حينما تطمس سمعة مطعم أو متنزه أو شركة سياحية أو مكتب سياحي او فندق أو شركات استثمارية معمارية وإنشائية ، أو يتم إغلاق مستشفى تضعه تحت خطوط الخسارة التي تصيب الخزينة والسمعة الوطنية والاقتصاد وثورة الأمل بالاستثمار الطبي والعلاجي المفتوح عالميا. وربما غدا ستغلق جامعات ومدارس وبنوك !
يا للهول…من يدري
هناك عشرات الأساليب التي تتطلب الانتباه إليها ، وخاصة في فضاء ممحوق النجوم وتتساقط من عل كواكب الرزق مهشمة فوق البشر .
الصحيح أنه لم يعد قانون العقوبات والمخالفات في الاقتصاد والاستثمار في الأيام الخوالي السابقة صالحا بأسلوب الضغط والخنق والشد على الخناق .
لو قيض لي وضع مسنون ومشروع قفزة وتغيير لنهج الاستثمار لجعلت من كل مستثمر وصاحب منشأة سيد الثقة والطمأنينة ، مدعوما وليس ملخوما ، وطوقت عنق الوطن بحبات من مسبحة الإيجاب والثواب بجانب المخالفة والضبط والعقاب .وتتنازل الحكومة عن موقفها العدائي والمتربص بالاستثمار كأنه عدو لدود ملاحق !
كيف لنا أن نعمل جاهدين لربط صداقة بحبل ثقة متبادلة متين بين الحكومة والمستثمر ونحوله من مشروع مشكوك فيه لأمين ؟
علينا العمل في ظل ظروف الهزيمة والقهر والفقدان والخسران ، أن ننتفض من بين ريش الهمود والتخوين إلى فتح بوابات الثقة واليقين بأن هذا المستثمر المخالف المتهرب هو أقرب للتقوى في وطنه واتقاء الله في كسبه ؟
الصحيح أنه لن يتحقق ذلك الرابط إلا بتغيير نهج الراعي تجاه المنتجين لثروة البلاد والعباد .
نحتاج لإبداع واختلاق أشكال من التعاملات الحلوة الضابطة الرابطة والداخلة في بند عقوبات ومخالفات قابلة للتطبيق بليونة الحرص والارتقاء وتكون بديلة للخوف والكراهية والانتقام والنزاع والتفكير بالهروب من الوطن والشقاق ، وتكون سريعا بديلة للتمويت والإغلاق ….! أعطها يا أبو العطا …أعطها وقفة طيبة في الحق والقانون ، فلكل رياح هبوب في الكون اجتهاد للإنسان والبلاد !
أعطها يا ابو العطا !