مقالات

هل أنت فيلسوف بعد قراءتك هذا المنشور؟ بين الدين والفلسفة … رؤية موجزة (أ.د.حنا عيسى)

“إن قليلاً من الفلسفة يجنح بالعقل إلى الإلحاد،ولكنالتعمق في الفلسفة خليق بأن يعود بالمرء إلى الدين
الحياة رحلة بدأت بصرخة مدوية وتنتهي بصمت مطبق وبين الصرخة والصمت (الحصاد)
ني أسمع من كل مكان صوتاً ينادي لا تفكر .. رجل الدين يقول لا تفكر بل آمن ورجل الاقتصاد يقول لا تفكر بل ادفع ورجل السياسة يقول لا تفكر بل نفذ .. ولكن فكر بنفسك وقف على قدميك إني لا أعلمك فلسفة الفلاسفة ولكني أعلمك كيف تتفلسف)

( هل ُيتعارض إعمالُ العقلِ في أُمورِ الدِّينِ معَ حقيقةِ الإيمان؟ وهَل في التَّوفيقِ بَيْنَ الدِّينِ والفَلسفةِ مُغالطةٌ قد تُصيبُ صُلبَ العقيدة؟ قَضيةٌ شَغلَتِ الفلاسفةَ والمُفكِّرينَ لِعُقود، وعلى رَأسِهِمُ الفَيلسُوفُ «ابن رُشد»؛ فَلقَدْ جَعلَ هذا النِّزاعَ شُغلًا شاغلًا لَه، وأَفرَدَ لَهُ مِساحةً خاصَّةً في كِتاباتِه، فكَتَبَ «فَصْل المَقال»، و«الكشف عن مناهج الأدلة»، ثم «تهافُت التهافُت» الذي خصَّصهُ للردِّ على هجمةِ الإمامِ «الغزالي» الشَّرسةِ على الفلاسفة؛ فقد أَتَتْ فَلسفةُ «ابن رشد» لتُثبِتَ أنَّ ما بين الدِّينِ والفَلسفةِ ما هو إلَّا نِزاعٌ وَهْمي، وعلى الرَّغْمِ مِنَ التَّعارُضِ الظَّاهرِيِّ في بعضِ المسائل، فإن طَرَفَيِ النِّزاعِ يُعبِّرانِ عَن حقيقةٍ واحدة،كلٌّ على نحوٍ خاص. دراسةٌ وافيةٌ أَجْراها «محمد يوسُف موسى» عَن مَنهَجِ «ابن رشد» الفكري، مُفصِّلًا الأساسَ التاريخيَّ الذي بَنَى عليه فَلسفتَه، ومَنهَجَهُ العِلميَّ لإثباتها)

انه لمن الضروري أن نضع تحليلا لمفهوم الدين باعتباره احد مرجعيات الجدل الفكري الذي دار بين العقل والنقلفي الفكر الاسلامي قديمه وحديثه ، باعتبار كون التفاوت أو الاختلاف في النظر الى الدين كان مصدر ذلك الجدل ،فالدين يختلف باختلاف المتدينين الباحثين في تاريخ الاديان.
ومن نتائج هذا الاختلاف أنه يصعب تحديد مفهوم الدين بصيغة تقبلها جميع الاديان ، لان هذه الاخيرة متعددة ومتشبعة ، وإضافة الى ذلك فأن معظم المعتقدات الدينية هى من نتائج الوحدانية لدى البشر ، وقد ضلت مسألة الدين حتى عصرنا هذا تأخذ هذا الطابع من الصراع والاختلاف على المستوى الايدولوجيا وعلى المستوى الاجتماعي والسياسي.

تعريف الدين لغة واصطلاحا:

الدين أحد أهم مكونات شخصية الإنسان وتفكيره وسلوكهوتعامله مع نفسه ومع من حوله.

o الدين لغة : هو من الفعل دان أي اعتنق واعتقدبفكر ما أو مذهب ما وسار في ركابه وعلى هداه.

o الدين اصطلاحا : فهو جملة المبادئ التي تدينبها أمة من الأُمم اعتقادًا أو عملا.

الدين في الاصطلاح الشرعي الإسلامي:

هو الاستسلام والتسليم لله بالوحدانية وإفراده بالعبادةقولا، وفعلا، واعتقادا حسب ما جاء في شريعة النبيمحمد صلى الله عليه وسلم في العقائد والأحكام، والآداب،والتشريعات، والأوامر والنواهي، وكل أمور الحياة.

أما في الاصطلاح العلماني:

فالدين هو شيء قديم من الموروثات، كان في مرحلة زمنيةمن حياة الأُمم، والدول العلمانية قد تجاوزته بفضل العلمومعطيات العقل البشري ففصل عن مجالات التأثيرالاجتماعي والسياسي.

ويعرفه المفكر المغربي علال الفاسي:

مجرد جانب واحد من جوانب الحيات المتعددة، لأنه ليس هناك أمر يماثل الطبيعة في شمولها وسريانها، فلا يمكن لأي أمة ان تختار في حياتها الا احد الأمرين اما التدين والايمان والسلوك وفق العقيدة، واما الإلحاد، اي التخلي عن الايمان والدين.

أما المفكر الجزائري مالك بن نبي:

فقد حلل ظاهرة الدين في كتابة الظاهرة القرآنية وانتهى القول بأنالدين ظاهرة كونية تتحكم في فكر الانسان وفي حضارته، كما تتحكم الجاذبية في المادة، والدين بهذا السريان الشامل في كل أجزاء الكون وفي الوعي الانساني يبدو وكأنه مطبوع في النظام الكوني أو كأنه قانون للوعي.

ويعرفه ابن رشد : بأنه الشريعة وتعني القانون الالاهي


فيقول: بأن الشريعة أو هو في الاصل ما أنزله الله على رسله وكان اولهم آدم، ثم دخلت عليه شوائب عدة وخرافات وبدع، فاختلف الناس شيعا ومذاهب ، وكانوامن قبل أمة واحدة على دين الحق.

الدين عند الفلاسفة اليونان:

لم يكن مصطلح الدين موجودا في العالم اليوناني، فكانهناك مفهوم التقوى الذي مهد للفلسفة من خلال مقولة أنالآلهة هي المسؤولة عن الطبيعة والروح والمدينة، ومقولةالفصل القائم بين عالم الإنسان وعالم الآلهة.

أما أفلاطون استمد أدلته الأساسية على وجود الآلهة منحركة الأجرام السماوية بالقول: إنه لا بد لحركتها العاليةالدقة من آلهة تديرها“.

من جانبه، يطرح أرسطو سببين لوجود الإله: انتظام حركةالنجوم وقدرة الروح على التنبؤ بالمستقبل.

ويبقى الإله في الفكر الأرسطي، متعاليا، ومحركا رئيسا،هو السبب الأول الذي إليه ترجع جميع الموجودات. بعدذلك تأتي المدارس الفلسفية الهيلينية، ما بعد الأرسطية،التي أظهرت مزيدا من الاستيعاب للدين الذي أفضى، معالفلسفة، إلى شكل من أشكال السعادة. وقد اتخذت علاقةالدين مع الإله شكل علاقة شخصية تتبلور أكثر فأكثر.

الدين في الفكر الغربي الحديث:

يتحدث غروندان عن الدين عند مفكري الحداثة (ابتداء منالقرن الخامس عشر). فنقد الدين، في كتابات هؤلاء، يأتيفي إطار الصراع الذي دار بين الدين والعقل في القرونالوسطى. وتدريجياً، أخد هذا النقد حيزا كبيرا في كتاباتالمفكرين بفضل (أو بسبب) المعرفة التجريبية، حتى بلغ أنْعُدَّ الدين معرفة هزيلة بالمقارنة مع العلم. ثم يعرضغروندان بعد ذلك إلى عدة فلاسفة تعرضوا بالنقد للدين،بدءا من سبينوزا الذي يقول بوجود نوعين من معرفة الله:معرفة عقلانية (يمنحها العقل الطبيعي)، وأخرى مستمَدّةمن الوحي (وهي بالطبع تاريخية).

ثم يأتي بعد ذلك إيمانويل كانط الذي يميز الدينالتاريخي (وهو الدين الذي أتى به الأنبياء) والدينالعالمي (المستمد من القانون الأخلاقي). وقد أدى هذابكانط إلى إحداث تمييز آخر بين نوعين من الدين: الثقافيالذي يبحث معتنقه عن مكافآت من الله عن طريق فعلالخير، والأخلاقي: الذي لا يستند إلا إلى حسن السيرةوالسلوك من دون انتظار مقابل. وهذا النوع، الثاني، منالدين في نظر كانط هو الوحيد الذي يحبه الله.

كان إلحاق الدين بالأخلاق، من طرف كانط، محطّ انتقادوجّهه إليه عالم اللاهوت البروتستانتي الألماني شلايرماخالذي رأى أنّ الدين لا يمكن أن يخضع للأخلاق، بدعوى أنهذه المسألة ستضر بالاثنين (الدين والأخلاق). فالأخلاق،في نظر شلايرماخر، لا تحتاج إلى الدين من أجل البقاء. ثم إن جعْل الدين تابعا للأخلاق سيفضي إلى تجاهلخصوصيته. والدين، عند عالم اللاهوت البروتستانتيشلايرماخر، جزء من كل، إنه بتعريفه: الميتافيزيقيا التيتسعى لتفسير العالم، والأخلاق التي تريد كماله، والدينالذي يسعى إلى حدْسه.

بعد ذلك، ونظراً إلى أن الأخلاق والدين عند كانط مقولتانمجردتان، حاول هيغل وشيلنج التفكير في مفهوم المطلقوإظهاره كمفهوم حقيقي وفعال، بغية رفع الدين الذييظلّ، رغم ذلك، في مرتبة أدنى من مرتبة الفلسفة ليغدوالمثل الأعلى للإنسانية جمعاء، ويتحقق فعليا في العالمالذي يعيش فيه الإنسان.

وإذ ينتقل غروندان عقب ذلك إلى نقد الدين بعد هيغل نجدكيركيغارد يعترض على السيادة ـ التي أخدها المفهوموالفلسفة الهيغليان بإشكالية الوجود. هذه الإشكاليةالتي تبلورت بحدة (وتطرفٍ أحياناً) في القرن العشرين. هنا يشار، مثلاً، إلى كارل ماركس  الذي يرى في الدينأفيون الشعوب، وسيغموند فرويد الذي يرى فيه نوعامن العصاب الجماعي. زِدْ على ذلك التيارات الفلسفيةالمستوحاة من الفلسفة الوضعية والتي أسقطت الدين منحساباتها، كوجودية سارتر ، وتأويلية غادامر، وتفكيكيةديريدا

وينهي غروندان جولته الفلسفية هذه مع هايدغر الذيناقش إشكالية الوجود من خلال قراءته كتاب المقدسلصاحبه عالم اللاهوت اللوثري رودولف أوتو. والمقدسعند هايدغر يظل غير مرجح الحدوث. أما الدين فهو فيحد ذاته تخيل يقوم به العقل. ويختتم غروندان كتابهبجملة مثيرة للاهتمام، مفادها أن الدين يأتي ليعيدالفلسفة إلى فرضيتها الخاصة بها وهي الإحساس أوالإدراك أو المعنى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق