كتبت: كفاح مناصرة
مختصة في علم الجريمة – محاضرة في جامعة الاستقلال
تأتي دراسة نفسية المتهمين أثناء مراحل الدعوى الجنائية ضمن سياق دراسة نفسية كل من له علاقة بالدعوى الجنائية أثناء سير إجراءاتها والمحكمة الفلسطينية جعلت جلسات محاكمة قضية مقتل اسراء غريب مفتوحة أمام الرأي العام مما أتاح لي متابعة سير عملية التقاضي خلال جلستين من اصل أربعة جلسات لتشكل فرصة لتقديم قراءة لنفسية المشتبه بهم في قتل اسراء اغريب رحمها الله من محافظة بيت لحم بتاريخ .22/8/2019 .
من المتعارف عليه ونتيجة الخبرات المتراكمة في هذا المجال لدى مختصين بالعالم وفي اطار فهم شخصية المتهمين اثناء مراحل الدعوى الجنائية ان المتهمين سواء كانوا أبرياء او مذنبين تعتريهم بعض الخصائص والاعراض النفسية أثناء مراحل الدعوى الجنائية وهما ضغط وضيق الصدر وظاهرة التوتر الشعوري، وتتوقف مدى شدة الظاهرتين على الطباع الذاتية للمتهم ومقدار صبره واتزانه، والمتهم المذنب والبريء كلاهما يتريثوا في الإجابة وعدم التسرع والتأني في الإجابة حتى لا يدين نفسه، أين نحن من هذه المعطيات العلمية المبنية على خبرات متراكمة في هذا المجال من السلوكيات وردود الفعل التي ابداها المتهمين م .ص والمتهم ب.أ والمتهم أ. غ في قضية مقتل اسراء غريب أثناء جلسات التقاضي وسماع الادعاء العام ومحامي الدفاع وسماع الشهود وهل تنطبق عليهم هذه الخصائص او لا ومن لا تنطبق عليه ولماذا.؟
جلسة المحكمة كونها علنية اتاحت للعديد من المعنين اعلامين وهيئات حقوق انسان ومراقبين/ات على سير العدالة فرصة الاطلاع على سير جلسات المحكمة واتاحت لي كمختصة عمل قراءة سيكولوجية بالقدر المتاح لمختلف مكونات العملية وأهمها مراقبة ومتابعة اللغة المحكية وغير المحكية للمتهمين تزامناً مع أسئلة القاضي وسماع الشهود وتدخلات النيابة العامة، وكيف تفاعل المتهمين مع اقوال الشهود، متى اخفضوا رأسهم للأسفل، وكيف تفاعلوا مع أسئلة القاضي، بناءً على ذلك ابدا المتهمين اثناء سير عملية التقاضي سلوكيات وردود أفعال مختلفة ملفتة ومنها ردود متوقعة من البعض وخاصة المتهمين من عائلة اسراء وردود أفعال مغايرة جداً من المتهم الذي هو ليس من عائلة المقتولة اسراء والدعو م.ص.
مع العلم أنني لا اقدم هذه القراءات السلوكية الانفعالية للمتهمين من اجل الإدانة او تأكيد او نفي الاتهام وانما قراءة نفسية جنائية مساندة في هذا الحقل في قضية قتل ليست اعتيادية تعبر عن انعكاسات وتداخلات ثقافية اجتماعية وسياسات شكلت تحد كبير ولا زالت امام منظومة العدالة الجنائية الفلسطينية في سبيل الوصول للعدالة للمغدوره ولجميع الأطراف ذو العلاقة بالجناية .
ما هي ردود الأفعال والانفعالات التي بدت على المتهمين؟ الاشقاء أولاً عند مشاهدة المتهمين الاشقاء للمغدورة اسراء وكيف بدت ردود افعالهم غير المحكية تراها طبيعية ضمن السياق الاجتماعي الإنساني المتعارف عليه فهم اشقاء متهمين بقتل شقيقتهم وتفاصيل سماع الشهود وكل عملية التقاضي تجعل ردود فعلهم ضمن سياقها المتوقع . سألهم القاضي عن اسمهم ومهنتهم يكاد صوتهم لا يسمع صوت خجول ، غالب الأوقات مطأطئين روسهم وطأطأة الرأس ارتبطت بالخجل عندما يفعل الانسان شي معيب ويبعث على الشعور بالعار، وأن رفعوا ابصارهم تكون فقط تجاه هيئة القضاء وليس للحضور ، يجلسون على كراسي ظهورهم في حالة انحناء دائم، يمسحون وجوههم بين الحين والأخر، علامات توتر على أيديهم يعبثون في أصابع يدهم ، لم يحاولوا الوقوف ابداُ أثناء عملية سماع الشهود او الادعاء العام وأشك ان احدهم قد بكى في أحد المرات هذا ما سمحت لي عيناي مشاهدتة ، لم يقوموا بردود فعل محكية ملتزمين الصمت مع العلم انهم ظهروا بهذه الردود على مدار جلستين التي قمت بحضورها فكيف هي ردود فعل المتهم غير الشقيق م.ص ؟
هل ما تقدمت سالفا من اعراض نفسية وانفعالية وسلوكية المتعارف عليها والتي تصيب الأبرياء والمتهمين اثناء مراحل الدعوى الجنائية واثناء عملية التقاضي هل انطبقت على المتهم م.ص ويمكن ملاحظتها علية ؟ أم ظهرت ردود فعل مغايرة لما هو سائد ؟
وما الشخصية التي تختفي خلف هذه الردود الخاصة والتي تختلف سماتها عن المتهمين والأبرياء؟
يسأله القاضي عن اسمه ومستواه التعليمي وطبيعة عمله يجيب بصوت عال يخترق قواعد المحكمة واثق ويقول انا مستواي دراسات عليا ومقاول يوزع ابتسامات، يستوقف القاضي ويقول له ليس عندي اعتراض على ان تأخذ صور من قبل الاعلامين لنا كمتهمين وكأنه يقود ويوزع الأدوار حتى داخل جلسة المحكمة وتحدث باسم المتهمين ويسيرهم ويهيمن عليهم كما كان يسيرهم ويهيمن عليهم خارج المحكمة ومن تابع تواصلة على وسائل الاعلام قبل اعتقال يتاكد من هذا المشهد، على خلاف اشقائها لا يلازم الكرسي يقف حيناً ويجلس حيناً اخر ، لا يطأطأ رأسه ولم ينحني بظهره، ولم يمسح بكلتا يديه وجهه اطلاقاً، في كلتا الجلستين كان يقف فجأة ويقاطع القاضي يضحك بسخرية معظم الوقت في حالة واجواء معبأة بالألم أجواء تكشف تفاصيل مؤلمة عن ما تعرضت له الضحية اسراء وبدا وكأنه شخص اجتماعي في حالة انفصال وكأنه شخص في اجتماع عام ويريد ان يأخذ دوره ويتحدث ولا يرى بنفسه انه خلف قضبان الاشتباه ، وكلا الجلستين سأله القاضي عن سبب ضحكاته وان المحكة لها حرمتها .
يعطي إشارات وتعليمات حتى لهيئة الدفاع الخاصة به يبدي حركات بيديه يصدر إشارات فيها عدم ارتياح من هيئة الدفاع الخاصة به قدر ما يتاح له من خلف الشباك، و بالرغم من ان هيئة المحكمة وجهت له نقد سابق على تدخلاته وضحكات السخرية الا انه كررها كأنه لا يتعلم من تجاربه السابقة وعدم القدرة على التحكم بانفعالاته. احد الشهود من داخل اسرة الضحية اسراء واثناء سرد شهادته قال ان المتهم م.ص هو الأقرب لفهم حاجات وشعور اسراء قبل مقتلها، وكانت اكثر استجابة له من أي افراد الاسرة.
ان فهم العمليات النفسية للمشتبه فيهم في كافة مراحل الدعوى الجنائية والتي تسبق الوقوف أمام هيئة المحكمة يشكل دعامة أساسية في حصر الأدلة التي تدور حول الشخصيات المشتبه بها ، اننا نقف أمام شخصية اجتمعت فيها عدد من الخصائص وبعض الاعراض التي تلتصق ببعض الشخصيات والتي لا تعتريها الاعراض النفسية الاعتيادية كما ظهرت على المتهمين اشقائها .، ولا بد من الإشارة الى ان هيئة القضاء من وجهة كمختصة النفس الجنائي أظهرت قدرات خاصة حين وجهت بعض الأسئلة في اطار فهم العمليات النفسية للضحية وفي اطار فهم ابعاد الجريمة وعملية التضحية قبل أن تغادر اسراء الحياة.
نشر في وطن