هضبة الجولان .. جنة الله في أرضه (أ.د.حنا عيسى)
الجَوْلان : التراب الذي تجول به الريح على وجه الأرض.
إذ أبـدع الرب في تكوين جـنتـه .. فزاد جنتنا على التكوين تكوينا
يا جـنة الخـلد لا أُخفيكِ طارئـةً .. ففي الجولان لنا ما عنك يغنينا(ابن زاهدي)
أرض سورية تُعرف بهضبة الجولان، أو المرتفعات السورية أيضاً،تقع في جنوب غربي سورية، تتمتع بموقع جغرافي استراتيجي مهم، جعلها بؤرة صراع ونزاع بين القوى التي حكمت المشرق العربي في عصور التاريخ المختلفة، وهي اليوم واحدة من بقاع النزاع الساخن في العالم، تشغل 68.6% من مساحة محافظة القنيطرة اذ انها تابعة إدارياً لمحافظة القنيطرة (كلياً في ما مضى وجزئياً في الوقت الحاضر).
وهي هضبة تقع في بلاد الشام بين نهر اليرموك من الجنوب وجبل الشيخ من الشمال،. وقعت الهضبة بكاملها ضمن حدود سورية،ولكن في حرب 1967 احتل الجيش الإسرائيلي ثلثين من مساحتها، حيث تسيطر إسرائيل على هذا الجزء من الهضبة في ظل مطالبة سوريا بإعادته إليها. ويسمى الجولان أحيانًا باسم الهضبة السورية، فقبل 1967 كان اسم “الهضبة السورية”أكثر شيوعًا مما هو عليه اليوم، خاصة في اللغة العبرية واللغات الأوروبية. وفي بيان صدر عن الجيش الإسرائيلي في 10 يونيو 1967 يقال: “الهضبة السورية في أيادينا“.
أما اليوم فلا يستخدم هذا الاسم باللغة العبرية وفي اللغة الإنكليزية يستخدمه الساعون إلى إعادة الجولان لسوريا. وقد شهدت الجولان عدة حروب بين إسرائيل وسوريا.
من الغرب تطل هضبة الجولان على بحيرة طبرية ومرج الحولة في الجليل، أما شرقًا فيشكل وادي الرقاد الممتد من الشمال بالقرب من طرنجة، باتجاه الجنوب حتى مصبه في نهر اليرموك حداً عرف بأنه يفصل بين الجولان وبين سهول حوران وريف دمشق. من جهة الشمال يشكل مجرى وادي سعار ــ عند سفوح جبل الشيخ ــ الحدود الشمالية للجولان، حيث تمتد بين بانياس ــ منابع نهر الأردن ــ حتى أعالي وادي الرقاد جهة الشرق. الحدود الجنوبية يشكلها المجرى المتعرج لنهر اليرموك والفاصل بين هضبة الجولان وهضبة عجلون في الأردن.
تبعد هضبة الجولان 60 كم إلى الغرب من مدينة دمشق. وتقدر المساحة الإجمالية لها بـ 1860 كم2، وتمتد على مسافة 74 كم من الشمال إلى الجنوب دون أن يتجاوز أقصى عرض لها 27 كم.
السكان:
عدد قرى الجولان قبل الاحتلال بلغ 164 قرية و146 مزرعة. اما عدد القرى التي وقعت تحت الاحتلال فبلغ 137 قرية و112 مزرعة إضافة إلى القنيطرة. وبلغ عدد القرى التي بقيت بسكانها 6 قرى: مجدل شمس ومسعدة وبقعاتا وعين قنية والغجر وسحيتا(رحّل سكان سحيتا في ما بعد إلى قرية مسعدة لتبقى 5 قرى).ودمر الاحتلال الإسرائيلي 131 قرية و112 مزرعة ومدينتين. كان عدد سكان الجولان قبل حرب حزيران 1967 نحو 154 ألف نسمة عاش 138 ألفاً منهم في المناطق الواقعة حالياً تحت الاحتلال، هجر أكثر من 131 ألف نسمة ا ودمرت قراهم ويبلغ عددهم حالياً قرابة 800 ألف نسمة ويعيشون في دمشق وضواحيها، وبقي 8 آلاف مواطن في القرى الخمسة الباقية، ويبلغ عددهم حالياً20000نسمة.
إن انفتاح الجولان من جهة الغرب، وقربه من البحر المتوسط ساعدا على وصول المؤثرات البحرية الملطفة لأوضاع عناصر المناخ السائدة في بلاد الشام، ومنها منطقة الجولان، ذات الصيف الجاف والمعتدل في المرتفعات، والحار في الغرب الواطئ، والشتاء البارد المطير في الشرق والشمال، والمعتدل المطير في الغرب والجنوب، وتراوح المتوسطات السنوية للحرارة بين 14-19 درجة، ومتوسطات الصيف بين 22-26 درجة، ومتوسطات الشتاء بين 6-11 درجة، وتكون درجات حرارة البطيحة وشواطئ طبرية والحمة عالية عموماً، أما الحرارة القصوى فتزيد على 40 درجة، والدنيا تقل عن 7 درجات،ويتشكل الصقيع والثلج في الشمال والشرق، بينما ينعم السكان في الشتاء بالدفء في الجنوب. وتحمل الرياح الغربية السائدة نسبة عالية من الرطوبة التي تراوح معدلاتها السنوية بين 50-83%،لكنها قد تنخفض إلى 30% في الجنوب، الذي لا يتأثر بالرياح الشرقية والجنوبية الشرقية القارية-الجافة. ومع تصاعد الهواء بازدياد الارتفاعات شرقاً، يتبرد وترتفع رطوبته النسبة، ويصبح الطقس لطيفاً في الصيف والربيع. أما في الشتاء، فتنعقد السحب وتهطل الأمطار. ويعد الجولان من المناطق المطيرة في سورية،وتراوح أمطارها بين 400-1000مم سنوياً، تزداد فلي الشمال والشمال الشرقي، وتتناقص في الجنوب، وتقدر كمية مياه الأمطار والثلوج الذائبة بنحو 1.2 مليار م3 سنوياً، أما في الصيف فيتشكل الندى الكثيف الذي يبلل الأرض والنباتات، ويقلل من قسوة الجفاف وانقطاع الأمطار
مياه الجولان كثيرة، ومع ذلك فقير إلى الجريان السطحي، إذ يظهر الجريان الدائم بهوامش المنطقة، مثل نهر بانياس ونهر الأردن ورافده اليرموك، ووادي الرقاد الأدنى، واستفادته من مياهها محدودة جداً في الأراضي السورية، ويفقد الجولان قسماً كبيراً من مياهه السطحية نتيجة انسياح مياه الأمطار على الصخور البازلتية، وطبيعة التربة المتكونة عليها والمعوّقة لتسرب المياه المطرية فيها، مما يقلل غزارة الينابيع والعيون، وكذلك مخزون الجيوب المائية والحوامل المائية الجوفية، باستثناء هوامش الجولان الغربية والجنوبية التي تتفجر عند أقدامها الدنيا ينابيع مهمة، مثل نبع بانياس وتصريفه السنوي الوسطي 180 مليون م3، وينابيع الحمة ومياهها معدنية حارة، ومعدل تصريفها السنوي 63 مليون م3، أما ينابيع الداخل الجولاني فكثيرة نحو 80 ينبوعاً لكن غزارتها متدنية،ويقدر تصريفها مع تصريف السيول بنحو 23-24 مليون م3 سنوياً،ويضاف إلى هذه المصادر المائية السطحية قرابة 120 مليون م3 من المياه الباطنية المتجددة. وفي الجولان الكثير من البرك، أكبرها بركة أو بحيرة مسعدة التي تحوي نحو 3 ملايين م3من المياه العذبة. وتعد الثروة المائية هذه واحدة من الموضوعات الحساسة في النزاع العربي-الصهيوني، غذ يسيطر الكيان الصهيوني على معظمها منذ عام 1967.
تربة الجولان موضعية ومنقولة، أصولها الصخور البازلتية-الاندفاعية، تنتمي إلى زمرة ترب شرق البحر المتوسط البنية اللون،وهي رقيقة غنية بالأحجار ومبعثرة، معرضة للانجراف في الشمال والشمال الشرقي، وثخينة شبه متصلة في الجنوب والجنوب الغربي. أما نبات المنطقة، فهو من الأنواع النباتية المتقهقرة وبقايا الغابة الشجرية، والأعشاب التي كانت تغطي معظم أنحاء الجولان، ولم يبق منها سوى 15% من مساحته اليوم، مغطاة بمساحات غابيةمبعثرة من البلوط والسنديان والملول والزعرور وخلافه، في حين تغطي الأعشاب الجولان بنسبة عالية، مما جعل منه مرعى جيداً. كذلك تراجعت الثروة الحيوانية بفعل الإنسان فلم يبق من أنواع الحيوان سوى القليل من الثدييات واللواحم والطيور المستوطنة،وكذلك الزواحف والكثير من الحشرات.