شعر وشعراء
عسل الغربة – بقلم جواد يونس

لا تهاجر، يا ابنَ أمّي، لا تهاجِرْ *** عسلُ الغُربةِ مغشوشٌ وضائرْ
دسَّت الغربةُ سُمًّا وسْطَ ما *** قدَّمتهُ لحِصاني من سكاكِرْ
هكذا حظّيَ دَومًا: عاثرٌ *** كيفَ ينجو من رمالِ الحُزنِ عاثِرْ؟!
إن أنا شرَّقتُ يومًا غرَّبت *** فرحَتي مثلَ فتًى طِفلًا (يُجاكِرْ)!
لن ترى في غُربةٍ ما قد روى *** سائحٌ مرَّ كغيمٍ أو مغامِرْ
إنَّ عينًا حُرِمَت أحبابَها *** كَالفَيافي سترى أبهى المناظِرْ
إنَّما الغُربةُ فخٌّ مُحكَمٌ *** تُسقِطُ الأحلامُ فيهِ كلَّ طائِرْ
واسألَ الأصحابَ ممَّن هاجَروا *** واجتنبْ من لم يزل جهلًا يُكابِرْ
سيقولون: هدرنا عُمرَنا *** وسْطَ تيهٍ لم نزل فيهِ نُسافِرْ
إن وجدنا المنَّ والسَّلوى فكم *** أمَّهاتٍ خبزت أشهى الفطائِرْ!
إن للزَّيت مع الزعترِ ما *** ليسَ يُنسيهِ طعامٌ جِدُّ فاخِرْ
والفلافِلُ الشَّآميَّةُ لا ** (بُرغَرٌ) يعلو عليها في الشطائِرْ
نشتري الزيتَ ومن زيتونِنا *** يأكل الكلُّ وما في الكلِّ شاكِرْ!
نشتهي التينَ وأعنابًا كما *** عسلٌ يجري نُهورًا في الحناجِرْ
كم بكينا ليلةَ الفِطرِ فلم *** نسمعِ التكبيرَ من أعلى المنائِرْ
ومُنِعنا يومَ عيد النَّحرِ مِن *** سُنَّةِ الهادي وتعظيمِ الشعائِرْ!
كم تغيَّبنا عن الأفراحِ في *** عُرسِ أختٍ، أو أخٍ بكرًا يُطاهِرْ!
لم تُرِح آذانَنا زغرودةٌ *** أو (هَهاوي) خالةٍ تجبرُ خاطِرْ
كم وأدنا دمعةً في القلبِ إذ *** جاءنا نعيُ قَريبٍ أو مُجاوِرْ
فاستحالت جمرةً من حزَنٍ *** في فؤادٍ بزَّ في الصبرِ المجامرْ!
لا يشمُّ الصَّحبُ إلّا صبرَهُ *** إنَّ ريحَ الصبرِ يومَ الكَربِ عاطِرْ
كم جلدتُ النفسَ، لكن قال لي العقلُ: من يقنَعْ بلَومِ النفسِ خاسِرْ!
إنَّما الرابحُ مَن يجعلُ ما *** فاتَ درسًا نافعًا في صنعِ حاضِرْ
ليسَ يُنجي من قضاءٍ حذَرٌ *** فارحمِ النفسَ من اللَّومِ وصابِرْ
كم أصابت طلقةٌ شِنّارةً *** بينَ عينَينِ أذى الفخِّ تُحاذِرْ!
جواد يونس