الرئيسيةبارعات العالم العربيبارعات العالم الغربيمقالاتمنظمة همسة سماء
ماذا قدّمنا؟ قراءة في محاسبة النفس مع نهاية العام 2025

مع اقتراب نهاية هذا العام، يقف الإنسان أمام نفسه وقفة صدق نادرة، يسأل فيها قلبه قبل عقله: ماذا فعلت؟ ماذا قدّمت؟
فنحن اعتدنا أن نقيس أعمارنا بعدد السنين التي مرّت، لكن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير؛ العمر الحقيقي لا يُقاس بالزمن، بل بما نملؤه به من عمل، وبما نتركه خلفنا من أثر.
تمر الأيام سريعًا، تتشابه في ظاهرها، وقد تضيع في تفاصيل الحياة الصغيرة، في الانشغالات اليومية، في سباق لا ينتهي مع الوقت. ومع ذلك، ليست كل الأيام سواء؛ فبعضها يمرّ بنا مرور العابر، وبعضها يترك فينا أثرًا لا يُنسى، لأننا صنعنا فيه فرقًا، أو أنقذنا فيه قلبًا، أو طوّرنا فيه أنفسنا خطوة إلى الأمام.
نهاية العام ليست احتفالًا بالزمن الذي مضى، بل هي فرصة للمراجعة، للمحاسبة الهادئة الصادقة، بعيدًا عن جلد الذات وبعيدًا عن تبرير التقصير. إنها لحظة نسأل فيها: هل كنت حيث يجب أن أكون؟ هل بذلت ما أستطيع؟ هل كان عملي انعكاسًا لقيمي، أم مجرد أداء واجب؟
فالعمل ليس فقط ما ننجزه بأيدينا، بل ما نزرعه بقلوبنا، ما نضيفه إلى هذا العالم ولو كان صغيرًا. كلمة صادقة، موقف نبيل، جهد متقن، نية خالصة — كل ذلك يصنع معنى العمر الحقيقي.
لنسأل أنفسنا بصدق:
هل تركنا في حياة الآخرين أثرًا طيبًا؟
هل كنّا سببًا في تخفيف ألم، أو زرع أمل، أو فتح باب كان موصدًا؟
هل نمونا نحن داخليًا كما كنا نتمنى، أم بقينا في المكان نفسه نكرر الدائرة ذاتها؟
هذه الأسئلة ليست لإدانتنا، بل لإنقاذنا من الغفلة. فالمحاسبة الصادقة ليست قسوة على النفس، بل رحمة بها، لأنها تمنحنا فرصة التغيير قبل أن يتراكم الفقد.
إن الإنسان الذي يقيس عمره بما قدّمه، لا بما امتلكه، يعيش حياة أكثر امتلاءً، أكثر صدقًا، وأكثر قابلية للفخر. فالعمر ليس عددًا في شهادة الميلاد، بل رصيدًا من الأعمال والمعاني، إما أن نملأه بالنور، أو نتركه فارغًا.
ومع استقبال عام جديد، لسنا بحاجة إلى وعود كبيرة بقدر حاجتنا إلى التزام صغير صادق:
أن نكون أفضل قليلًا مما كنّا.
أن نعمل بإخلاص أكبر.
أن نترك أثرًا أعمق، ولو في قلب واحد.
أن نحسن حيث نستطيع، وأن نصلح حيث أخطأنا، وأن نبدأ من جديد حيث توقّفنا.
أن نجعل كل يوم فرصة، لا عادة، وكل عمل رسالة، لا وظيفة، وكل علاقة مساحة للخير لا عبئًا جديدًا.
وفي هذا المعنى، نُهنئ أنفسنا والعالم بعام جديد، لا بوصفه رقمًا جديدًا في التقويم، بل بوصفه فرصة جديدة للحياة، وللعمل، وللمعنى.
عامًا يحمل لنا القدرة على أن نكون أصدق، أرحم، وأنفع… وأن نزرع في أيامه ما يجعلنا، حين نصل إلى نهايته، نستطيع أن نقول بطمأنينة: لقد قدّمنا شيئًا يستحق أن يُذكر

