الرئيسيةمقالات

العربية بين القداسة والإبداع: قراءة نقدية في مقالة ‘اللغة العربية أداة تفكير أم أداة تنميط’ لعلي نسر

بقلم: الدكتورة فاطمة أبوواصل إغبارية- جميع الحقوق الفكرية والأدبية محفوظة.الكاتبة


مدخل عام

تُعدّ اللغة العربية من أبرز القضايا الثقافية التي شغلت المفكرين العرب المعاصرين، إذ تقع في قلب العلاقة المعقدة بين الفكر والتراث، وبين الهوية والحداثة.
في هذا السياق، يقدّم الأستاذ علي نسر في مقالته “اللغة العربية أداة تفكير أم أداة تنميط” قراءة نقدية جريئة، تحاول أن تضع الإصبع على الجرح الحضاري الذي أصاب العقل العربي حين حوّل لغته من وسيلة تفكير إلى أداة تنميط وتكرار.
المقالة تستفزّ القارئ بجرأتها وعمقها، وتفتح نقاشًا فلسفيًا ولغويًا حول سؤالٍ طالما غاب عن الخطاب العربي المعاصر: هل العربية فضاءٌ مولّد للفكر، أم إطارٌ يقيّده ويحدّه؟

اللغة والقداسة: بين اللسان والكتاب

يبدأ الكاتب من بيت المتنبي «تخالف الناس حتى لا اتفاق لهم…» ليؤسس عبره فرضية أولى تقول إن العرب لم يتفقوا إلا على اللغة، ومع ذلك، ظلّ اتفاقهم عليها محاطًا بالاختلاف حول معناها وقدسيتها.
فهو يميّز بين اللغة ككيان إنساني والقرآن كتجلٍّ لغوي إعجازي، مؤكدًا أن القرآن رفع من شأن العربية، لكنه لم يجعلها هي في ذاتها مقدسة.
هنا يفتح الكاتب بابًا فكريًا عميقًا: فالخلط بين قداسة النص وجمود اللغة هو ما حوّل العربية إلى بنية مغلقة يصعب مساءلتها أو تطويرها، وجعل من نقدها نوعًا من المساس بالمقدّس.

اللغة والفكر: علاقة تبادلية أم دائرة مغلقة؟

يذهب علي نسر إلى أن اللغة العربية كانت عبر التاريخ المركّب الأبرز للعقل العربي، إذ غذّت الفكر وأسهمت في تكوين الوعي الجمعي، لكنها في المقابل أرهقت هذا الفكر بزخمها اللفظي وتضخّمها البلاغي، حتى تحوّل التفاعل بينهما إلى علاقة تشبه «المستنقع» لا «النهر الجاري».
ويطرح الكاتب سؤالًا جوهريًا: «ما المجال الذي ظهرت فيه اللغة العربية توليدية وخلّاقة تجعلها مواكبة للحياة؟»
ويخلص إلى أن العربية ولّادة في إطارها الجمالي الشعري، لكنها فقيرة في مجالات المعرفة العلمية والفكرية المرجعية، إذ اقتصرت على التزيين والوصف بدل الاكتشاف والإبداع.

من الإبداع إلى التنميط: اللغة كمرآة للسلطة

في محور المقالة الأهم، يُبرز الكاتب البعد السياسي–الثقافي للّغة، معتبرًا أن التنميط اللغوي انعكاس مباشر لطبيعة السلطة العربية نفسها؛
فاللغة، مثل الحاكم، تمتلك سلطة نهائية تستمد مشروعيتها من السماء، وأي مساس بها يُعدّ تمرّدًا.
بهذا المعنى، تصبح اللغة نظامًا للهيمنة أكثر من كونها أداة للتفكير الحر، ويتحوّل الدفاع الأعمى عنها إلى شكل من أشكال المحافظة الأيديولوجية التي تمنع التطور وتجرّم السؤال.

المحاولات التجديدية وحدودها

لا ينكر الكاتب وجود محاولات تحديث وتجديد، لكنه يرى أنها ظلّت محصورة في إطار الشعر والأدب دون أن تمسّ البنية الفكرية العميقة للّغة أو آلياتها المعرفية.
فالمجددون – في نظره – مارسوا ثورتهم داخل القوالب القديمة، ولم يستطيعوا كسرها بالكامل.
وهذا ما جعله يطلق حكمًا قاسيًا مفاده أن «القديم يستحيل منتِجًا لما بعده»، وكأن اللغة العربية لا تملك قابلية التطور من داخلها.

تعقيب نقدي: اللغة ليست قيدًا بل مرآة

رغم عمق التحليل وجرأة الطرح، يمكن تسجيل بعض الملاحظات الجوهرية على رؤية الكاتب:
1. التعميم التاريخي: المقالة تُسقط حالة الجمود المعاصر على التاريخ بأكمله، متجاهلة فترات الازدهار اللغوي والفكري التي شهدتها العربية.
2. إغفال التطور الراهن: لم يتطرق الكاتب إلى محاولات الرقمنة والتعريب المعاصر.
3. اللغة ككائن حيّ: اللغة لا تُنتج ولا تُقيّد بمفردها؛ هي مرآة تعكس حركة الفكر والمجتمع.
4. تجاوز الثنائية: لا يمكن اختزال اللغة بين قطبين (تفكير/تنميط)؛ فهي دائمًا بينهما، تُنتج وتُقيَّد، تُحرّر وتُحتوى.

نحو تحرير الذهنية اللغوية

التحرر لا يكون من اللغة، بل من طريقة التفكير بها.
فالعربية تمتلك من الطاقات الصرفية والاشتقاقية ما يجعلها أداة توليد لا نظير لها، لكنها تعطّلت حين حُبست في الماضي.
إن المطلوب اليوم هو تحرير الذهنية اللغوية من الخوف، وإعادة الاعتبار للّغة ككائن حيّ قادر على النموّ والتجدّد، شرط أن نمنحها فضاء الحرية والإبداع، وأن نعيد وصلها بالعلم والفكر والابتكار.
اللغة ليست حجابًا على الفكر، بل نافذة عليه؛ لكنها قد تغدو حجابًا حين نغلقها على الماضي ونمنع عنها هواء السؤال.

لقراءة مقال الدكتور على نسر اضغط على الرابط 👇👇

اللّغة العربية أداة تفكير أم أداة تنميط

إغلاق