ثقافه وفكر حر

روايةٌ لها في كلِّ بيتٍ متحفٌ لا تموت ؛ إنها فلسطين الجزء الأول:

بقلم : عزت ابو الرب

إلى عشِّ النسورِ “ياصيدَ”؛ شدَدْنا الرِّحالَ في الحادي عشر من تموز من العام ألفيْنِ وأربعةٍ وعشرين من يوم الخميس، فَحَطَطْنا بين نابُلسَ وجنينَ وطوباسَ، على ارتفاعِ سبعِمِئةٍ وخمسينَ مترًا (750م) فوقَ سَطْحِ بحرِعكا وحَيْفا ويافا وغَزَةَ في بيْتِ عاشق الموروث التاريخي والثقافي الفلسطيني؛ الأستاذِ عوني عارف ظاهر “أبي عارف”.


تطلُّ ياصيدُ على “عصيرةَ الشماليةَ” جنوبًا، و “سيريس وميثلون” شمالًا. وتستشرفُ غربًا “جبع وبيت امرين”، و شرقًا “الفارعة ومخيم الفارعة”، و تمتدُ إلى “طلوزةَ” في الجنوب الشرقي، ويحجبُ جبلُ عيبالَ نابُلسَ عن أعينِنا على بُعْدِ خمسةَ عشرَ كيلو مترًا (15)جنوبًا. ومن شاهقٍ تكشفُ الأردنَّ شرقًا، وجبلَ الشيْخِ والجليلِ والجولانِ شمالا، والبحرِ الأبيض المتوسطِ الفلسطينيِ غربًا؛ من الخضيرة حتى أسدود.

بصحبة الأديبَيْنِ عبد السلام عابد وعمر عبد الرحمن وابنه خالد كانت تلك الزيارة لبلدةٍ أدخلُها لأول مرةٍ، وقد أخذ مكانها الجغرافي المتعالِ نصيبًا من اسمها. ووفقًا لإحصائية عام 2022م يسكن القريةَ ألفانِ وسبعُمئةِ ( (2700نسمة. ويُعتبرُ المسجدُ العُمَرِيُّ من أهم معالمِ ياصيد التراثية، وكذلك المسجدُ الغربيُّ القديمُ الذي تمَّ تجديدُهُ في فترةِ حُكْمِ شَيْخِ جبلِ نابلسَ محمدٍ بنِ سلمانَ المشَّاقي كما يقولُ حجرٌ في واجهته، وإلى جانبِهِ القلعةُ التي بُنِيَت زمَنَ صلاح الدين، وسكنها المشَّاقي وأحفادُه، واستخدمَ بعضَها سجنًا. وحين آلَ أمرُ القلعةِ إلى أحفادِ ظاهرِ العُمَر الزيداني من “شفا عمرو”/عكا، بَنَوْا فوقها العلالي(جمع علية) وعرفت بعلالي دار الظاهر.


كان في استقبالنا عوني عارف ظاهر أبو عارف التربوي المتقاعد الذي درس الثانوية في عصيرة الشمالية، ودرس الكيمياء في الجامعة الأردنية، ونال دبلوم التأهيل التربوي من جامعة النجاح الوطنية. عمِلَ إحدى عشرةَ ( (11سنة معلمًا في بلدةِ “بيتَ امرين”، وشَغَلَ مثلَها رئيسًا لِقِسْمِ التقنيات التربوية في تربية نابلس، و ثمانيَ (8) سنواتٍ أُخرى في طوباس.
وجدْنا أنفسَنا في بيتٍ أقربَ ما يكونُ إلى المتحف؛ تَحُفُّ بنا الوثائقُ والمقتنياتُ من كلِّ اتجاه، وتملأُ المكانَ رائحةُ التاريخِ وأنفاسُ الزمن. وكما يقال: “ليس الخبرُ كالعيان” فما تشاهدُه من مخبوءاتٍ مضى على بعضِها مئةُ عامٍ يَقِلُّ أوْ يزيد، تُنبيكَ عن حقيقةِ هذا الجُهدِ وقيمتهِ الوطنية.


لم يُتِحْ لنا الوقتُ أن نطَّلعَ على كاملِ ذاك الأرشيفِ الغنيِّ الثريِّ، فغادرْنا وسطَ اندهاشٍ وإعجابٍ بتلك المِهَنِيَّةِ العاليةِ والعنايةِ الفائقةِ في حِفْظِ الوثيقةِ بالتصنيفِ والتجليدِ والتغليفِ.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق