مقالات
قراءة في كتاب: القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم، دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة (50)
بقلم: د. محمد طلال بدران - مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى. وبعد:
نبدأ مقالتنا هذه بروايات الآلام كما جاءت في الصفحة: (122) من الكتاب، وبالمناسبة روايات الآلام متعددة ومختلفة في الأناجيل وهي تتحدث عن الفترة الأخيرة من حياة المسيح -عليه السلام- على الأرض وجاءت هذه الفترة بعد قصة العشاء الأخير للمسيح -عليه السلام- مع حواريّيه، وتُحيي الطوائف المسيحية كل عام هذه الذكرى فيما يُسمّى عندهم: (بعيد الفصح)، ويلاحظ الأب روجي نفسه أن عيد الفصح معيّن بشكلٍ مختلفٍ زمنيًا بالنسبة للعشاء الأخير للمسيح مع الحواريين في الأتاجيل الثلاثة المتوافقة “متّى ولوقا ومُرقس” أما الإنجيل الرابع (يوحنّا) فيقول بوقوع هذا العشاء قبل عيد الفصح، أما الأناجيل الأخرى فتقول أنه حدث في أثناء عيد الفصح نفسه، ويؤدي هذا التضارب فضلًا عن ذلك إلى أمورٍ واضحة في عدم معقوليتها، حيث يستحيل تصوّر هذا الحدث أو ذاك بسبب موقع عيد الفصح الذي تحدد بهذا الشكل، وبالنسبة إلى هذا الحدث، وعندما ندرك أهمية عيد الفصح في الطقوس اليهودية والأهمية التي اكتسبها هذا العشاء الذي ودّع فيه المسيح حوارييه، فكيف يمكن تصوّر أن التراث الذي نقله المبشرون فيما بعد قد نسي هذا العشاء بالنسبة إلى عيد الفصح؟.
– إن روايات الآلام تختلف بحسب الأناجيل وهي أكثر عمومية، ويظهر الاختلاف فيها في الأناجيل الثلاثة الأولى وبين إنجيل يوحنا، فالعشاء الأخير للمسيح والآلام يحتلان في إنجيل يوحنا مساحة كبيرة تبلغ ضعف المساحة عند كلٍ من مرقس ولوقا، ويزيد يوحنا بمقدار مرة ونصف مرة على نصِّ متّى، ويسرد يوحنا خطبة طويلة للمسيح نحو تلامتذته، ويحتل سرد هذه الخطبة أربع إصحاحات (من 14 إلى 17) في إنجيله، وعبر هذا الحديث الأعظم يعطي المسيح آخر إرشاداته لتلاميذه الذين سوف يتركهم، كما يسلمهم وصيته الروحية، وليس هناك أي أثر من هذا في الأناجيل الأخرى، وعلى العكس يسرد متّى ولوقا ومرقس صلاة المسيح لجيتسماني ولا يشير إليها يوحنا؛ -لجيتسماني أو “جثسيماني” (Gethsemane) هو اسم حديقة تقع عند سفح جبل الزيتون في القدس، وتشتهر هذه الحديقة بكونها المكان الذي صلى فيه يسوع المسيح في الليلة التي سبقت صلبه، حسب الأناجيل الأربعة في العهد الجديد (متى 26:36-46، مرقس 14:32-42، لوقا 22:39-46، ويوحنا 18:1-2) وجثسيماني تعني “معصرة الزيتون” بالعبرية، وكانت تُستخدم كمكان للاسترخاء والتأم، وتعتبر الحديقة واحدة من أقدس الأماكن المسيحية، وتحظى بأهمية كبيرة لديهم حيث يزورونها بهدف اقامة طقوس خاصة فيها-.
– عنوان جديد:
(غياب رواية تأسيس القربان المقدس من إنجيل يوحنا)
إن أهم ما يلفت قارئ الآلام في إنجيل يوحنا هو أنه لا يشير أيّة إشارةٍ إلى تأسيس القربان المقدّس أثناء عشاء المسيح الأخير مع الحواريين، وليس هناك مسيحي لا يعرف أيقونة العشاء الأخير، حيث يجلس المسيح بين حوارييه للمرة الأخيرة، لقد صوّر أعظم المصورين هذا الاجتماع الأخير، وفيه يجلس يوحنا إلى جانب المسيح، يوحنا! هذا الذي اعتدنا اعتباره مؤلف الإنجيل الذي يحمل اسمه، وقد الفه بعد مئة عام من ميلاد المسيح وأثبتنا سابقًا أنه لم يعاصر المسيح ولم يكن من تلامذته ولا من حوارييه..! فمن أين جاؤوا بهذا الاختراع؟؟
عنوان: (كيف يمكن تفسير هذه الثغرة في إنجيل يوحنًا؟)
هذا عنوان مقالتنا القادمة بمشيئة الله تعالى فكونوا على موعدنا المتجدد بارك الله فيكم.
– مقالة رقم: (1642)
18. ذو الحجة. 1445 هـ
د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب).