مقالات

رهاناتٌ خاسرة

بقلم : رياض الصالح

صباح جميل يا عزيزتي تزورني نسائمه هذه اللحظة.. فلا يخطر على بالي من أمنيات سوى لحظةٍ أطول أغتنم بها إطلالة وجهك المشرق .. ليفتِنَني خلال هذا الصباح الجميل ..
لطالما عاتَبَتني نفسي على انشغالات ذهبت آثارها أدراج الرياح كنت قد آثرتُها على مجلسِ سَمَرٍ تحيط به المشاعر الدافئة وتملؤه رزانة الكلمات .. مع أسفي المستمرُّ على التفريط بصناعةِ أكبرِ قدر من شاكلة تلك الذكريات والتي كانت ستضيف سعادة أكبر للروح كلما لاح نورها في نفق الحياة المظلم ..
صعبةٌ هي الحياة يا عزيزتي .. ثقيلةٌ بمقدار تلك التعقيدات التي أضافها الإنسان حرصاً على التحضر ومجاراة ثقافة التقدم والإنجاز .. مع أن أرواحنا خُلِقت خفيفةً قادرةً على التحليقِ عالياً نحو راحة البال كلما اتكأت على بساط البساطة ولزمت صحبة الثقات ..
ثقتي بك يا عزيزتي تفوق ما أمنح نفسي من ثقة وأنا أمتطي صهوة خيباتِ الأزمنة .. والتي تنبئني دوماً بأن ما تعاني منه قلوب البشر ناتج من صعوبة تحصيل ما يضاهي تلك الثقة التي تجمع ما بيننا .. فلا أظن أن هنالك خيبةً توازي خيبة اكتشافكَ بعد أن صارعت المستحيل أنك كنت ضحية رهانٍ على حصانٍ كان قد قرر قطع الطريق من البداية وأنت تخوض خِضَمّ صراعاتٍ من أجله..
شعور تلك الخيبة صعبٌ جداً يا عزيزتي .. صعبٌ كفكّ شيفرة لغزِ أحلامنا الضائعة في هذا العصرِ المُعَقّد .. فليس فينا من يمتلك رؤيةً واضحةً لمكنونات النفوس .. ولا معرفةَ مدى رغائبها الأنانية المتفردة .. شعور يدفعك للتوقف عن الرهانات على الغير .. وتعلُّم الوقوف دون الاتكاءِ على أحد.. فلا ضامن لقدرة غيرك على المواصلة وعدم التفلت مما يتوجَّبُ عليه فعله .. فهل لنا الحقّ لمطالبة النوايا بتَصَبُّرٍ وثباتٍ نعلم أنه سيزداد صعوبةً على جسدٍ ضعيفٍ ترهقُهُ الأحمالُ الخفيفة .. فما حالهُ إذن سيكون عبرَ مسيرةٍ طويلة .. وطريقٍ وعِرَة .. ورغبةٍ عارمةٍ بالاستسلام أو التفلّت والهروب مع أول فرصة ! ..
يعقب ذلك الشعور الخائب .. شعورٌ آخر أكثرُ صرامةً وأشدُّ بأساً.. لعلّه مزيج من مشاعر التعرض للكذب والخديعة مع خذلان دافعية الروح وهي في حمأة الوطيس .. لعلها المشاعر التي كانت تدفعُ الفارسَ لعقرِ جوادِه في وسطِ المعركة.. كما كنا نقرأ .. فلا يحتملُ الشجاعُ ذو الكرامةِ صحبةَ الندمِ لاحقاً، ولا تقبّلِ الهزيمة التي لم يكن سببها إلا الرهانُ على حصانٍ خاسر ..
كنتِ أنتِ حصانيَ الرابح حتماً في حياتي يا عزيزتي .. لولاكِ .. لتوقفتُ عن رهنِ قدرةِ نفسي أو الرهانِ لأحدٍ أو على أحد .. نظراتك المتكررة بالإعجاب والثقة لا زالت تشحن همتي للمواصلة .. ولولا تلك النظرة لانتكست وتكسرت أطرافي .. فليس هنالك أصعب على النفس السويّة التي نشأَت على حبّ التضحية من إثباتِ صلاحِها أنها أهل للثقة أمام من يتنكر لها ويرميها بالتهم جزافاً من غير دليل .. وهي لا تقنَعُ بالمقدّمَة فضلاً على تُهمتها بكَونها مثلَ الآخرين .. تهمةٌ تمرِّغُ القلبَ الصادق بترابِ الحضيض .. و تحطّمُ فيه أعمدةَ الأساس لحبّ مواصلةِ الحياة ..
قلوب البسطاء الصادقين رقيقة يا عزيزتي .. تكسرها مطارقُ المصالحِ الأنانية العمياء .. فالبسطاء لا يعرفون لغة الحداثة ولا يريدون .. حياتهم ليست فيلماً أمريكياً يحرص على مشاعر البطل ويتنكر لمشاعر ضحاياه .. حياتهم تفهم الثقة بل تعتمد عليها ولا تقتنع باعتبار من حولها مجرد رجال أعمال يرهنون دافعيتهم لمن يدفع أكثر.. الحب عُملَتُنا ونكتفي بها يا عزيزتي .. فدعيني دوماً أدفعُ الحساب..

# بقلمي
# رياض الصالح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق