مكتبة الأدب العربي و العالمي
أونامير_والحورية ملكة الثعابين (حلقة 4 والأخيرة )
قال الحصان :هذا أغرب شيئ سمعته !!! كان بودي مساعدتك ،لكن هناك وادي مليئ بالثعابين، وهي تأكل كل من يقع بين أيديها ،وأنصحك أن تحذر أين تضع قدميك ،شيئ آخر إذا أمسكوا بك فاطلب رؤية ملكتهم ،وقد يكون جمال وجهك سببا في نجاتك من الموت .شكره أونامير ،وواصل طريقه و،لمّا وصل إلى الوادي هالته كثرة الثعابين ،وكان منها ما هو معلق على الأغصان، وما يزحف على الأرض ،فمشى حتى تعبت قدماه ،ورأى جذعا مرميّا فقال: سأجلس عليه ،وأرتاح ،لكنّه ما كاد يقترب حتى رآه يتحرّك فقد كان ثعبانا ولضخامته إعتقد أنه جذع شجرة ،فالتفّ حوله ليبتلعه ،لكنّه قال له: إحملني إلى مولاتك، وإلا نلت عقابها !!! لم يجد الثعبان بدّا من الإمتثال لطلبه ،فقد كان يعرف شدة بطشها .
أذنت له الملكة بالدّخول ،وفي نيّتها قتله ،لكن لمّا شاهدته ،سكن غضبها ،وطلبت منه الإقتراب من سريرها ،ثم أمرت بآنية الشّراب وبفاكهة ،وأومأت له أن يأكل معها ،ويروي لها حكايته، فقصّ عليها ما حصل مع الحورية ،وصعوده للجبل للبحث عنها .سمعت الملكة بانتباه ،ثم قالت له :لقد راق لي جمالك، وستبقى معي في القصر ،فترجّاها أن تطلقه فهو لا يحبّ إلا تلك الحورية ،فأمرت بحبسه ،وبقي أونامير يبكي، ويتحسّر على حاله ،فالآن لن يرى زوجته، ولا أمّه .بقي أيّاما محبوسا ،وكلّما جاءت ملكة الثّعابين لرؤيته وجدته مصرّا على رأيه ،فقالت له: خسارة أن تموت !!! أجابها: لقد متّ في اللحظة التي تركتني فيها الحورية . وفي الليل سمع أونامير حفيفا ،ثم صوت الباب يفتح فانكمش على نفسه من الخوف، لكنّه بعد ذلك صاح من الفرح، فلقد كان الحصان ذو القرن ،فقال له: هيّا أخرج،وسأقودك لحبيبتك ،وما أن ركب أونامير على ظهره حتى أخذ في العدو بسرعة، وداس على كلّ من إعترض طريقه من الثّعابين .
وفي الصّباح وصلا لأرض الحوريات ،وفقال أونامير للحصان :لم أكن أتوقّع قدومك، فما الذي جعلك تغيّر رأيك، وتعرّض نفسك للمخاطر ؟ أجابه: لو متّ فلن يكون هناك أمل، فيوما ما سيجد الإنس وسيلة للصعود إلى هذا الجبل ويقضون على كل ما فيه من جمال وحياة ،لكن أنت والحورية بإمكانكما جعل كلّ المخلوقات تعيش بسلام ،وتتعاون ،هل فهمت الآن يا صديقي لماذا فعلت ذلك ؟ قال أونامير: ليس كلّ البشر سيّئون ،وسأعمل أن يكون هذا ممكنا ،بعد قليل لاحت لهما قرية الحوريات ،وكانت محفورة في نباتات فطر ضخمة، وسأل عن بيت بدرة ،وقبل أن يطرق الباب، فتحت له ،وقالت: لقد عرف أنّك ستأتي ،تعال لأريك عجائب هذه الأرض ،وأخذا يتجوّلان ،وأونامير مندهش من الثّمار وأصناف الحيوانات التي لم يرها قبل ذلك ،ثمّ قالت له : سنعيش هنا ،ولن ترجع إلى حارتك !!! أجابها: وأمّي ؟ ردّت عليه :لقد إخترت المجيئ إليّ، ولم يجبرك أحد عن ذلك ،قال لها: ملكة الثعابين حكت نفس الشيئ ،ردّت الحورية :ألم تدرك بعد أن من يدخل إلى هنا لا يخرج حيّا ،حتى أن أردت الرّجوع معك ،فلن تحيا بعد أن تنفّست هواءنا، وشربت من مائنا ،لقد صرت نقيّا مثنا هل فهمت يا أونامير ؟ ونحن لنا مرآة سحرية نرى بها الأرض في الأسفل ،بإمكانك أن تشاهد أمّك ،لكن لا تطل البقاء ،فلو أمطرت السماء لجرفتك المياه ،وتسقط من الجبل . .
أمضى الفتى مع حبيبته أشهرا، لكن لم ينس قطيعه، وأمّه ،وفي أحد الأيّام نظر في المرآة ،فرأى أنّ خرفانه قد تفرّقت، وأكلت أكثرها الذئاب ،أمّا أمّه فصارت عمياء من كثرة البكاء عليه ،وكان في يدها سكّين وقربها خروف العيد وهي تقول: يا ليت إبني كان قربي ،ونحر هذه الأضحية !!! لمّا رأى أونامير ما حلّ بأمّه وماشيته، بدأ يبكي ويشهق ،بعد قليل بدأ المطر ينهمر ، لكنّه من شدّة حزنه نسي وصيّة الحوريّة، فسقط من أعلى الجبل ،وطارت نقطة من دمه، فوقعت في عيني المرأة، فعاد لها بصرها ،ونقطة أخرى على رقبة الخروف، فنحرته، أمّا الحورية فلمّا علمت ما حلّ بأونامير ،نزلت لتراه ،وبدأت تبكي عليه، لكن جائها النّسر العجوز ،وقال لها :في جيبه نبتة الحياة، وهي الأخيرة التي ما زالت موجودة في الدنيا ،ولقد أكلت منها نصفا ،ومازال النصف الآخر ،وسيحيا من جديد .
فسحقتها في الماء ،وصبّته في فمه ،وبقيت تحملق فيه. وبعد قليل بدأت الجروح تندمل، وعظامه تلتئم، ثم فتح عينيه، فقبّلته الحورية ،وضمّته إلى صدرها ،وقالت :لقد أخفيت نصف الزّهرة لتنقذ بها النّاس الذين تحبّهم ،وهذا الحبّ الذي في قلبك هو الذي جعلك تعيش !!! وسمع أهل القرية بالحكاية فكفّوا عن قطع الأشجار ،واصطياد الحيوانات ،فكثرت الطيور والفراشات، وأصبح الماء صافيا والهواء نقيّا ،وصار بإمكان الانس الصّعود إلى الجبل والنّزول، فقد تحوّلت تلك القرية في النّهاية إلى جزء منه ،ولفّتها الأشجار ،ولم يعد يعرف أحد مكانها ..
…
مننقصص حكايا العالم الاخر