اخبار العالم العربي
رسالة مفتوحة إلى سيادة رئيس الجمهورية
تونس في 18/11/2022
رسالة مفتوحة إلى سيادة رئيس الجمهورية
السيد قيس سعيد
لرد الاعتبار للغة العربية
سيادة الرئيس.
بمناسبة انعقاد القمة الفرنكوفونية ببلادنا، نخاطبكم -نحن الممضين على هذه الرسالة- بخصوص حال اللغة العربية في بلادنا وحاجتها إلى عناية خاصة من سيادتكم ومن حكومتكم ومن كل مؤسسات الدولة ومسؤوليها ومختلف نخبها، بما يعيد إليها اعتبارها الكامل ويغرس الاعتزاز بها في نفوس المواطنين جميعا وخاصة الشباب منهم، ويفعّل دورها التنموي والحضاري، ويجعلها -لسانا وثقافة وفكرا وتعبيرا علميا ورابطة اجتماعية وعامل وحدة وطنية- ركيزة أساسية من ركائز الأمن القومي في تونس والوطن العربي.
سيادة الرئيس.
نخاطبكم من منطلق واجبكم في الحفاظ على وحدة الدولة ومصالحها واحترام دستورها الذي يؤكد على وجوب أن “تعمل الدولة على تأصيل الناشئة في هويتها العربية الإسلامية وانتمائها الوطني وعلى ترسيخ اللغة العربية ودعمها وتعميم استخدامها” دون الانقطاع، بطبيعة الحال، عن اللغات الأجنبية والحضارات الإنسانية. ونحن متأكدون من اقتناعكم التام بأن اللغة مسألة سيادة وطنية، وأن أي تهميش لوظائفها و أدوارها، أو تشويه يصيب ألفاظها وعباراتها وأساليبها، أو وهن يحل بها في الإعلام أو التعليم أو الإدارة أو غيرها ويحط من قيمتها ومكانتها في وجدان أهلها؛ لهي كلها أعراض و مؤشرات على اختلال الهوية الوطنية وخطر يهدّد الأمن القومي.
سيادة الرئيس.
إن الأمن اللغوي والثقافي ركن من أركان الأمن القومي الشامل. واسمحوا لنا بالقول إن الأمن اللغوي في بلادنا ليس قائما بالقدر الكافي وعلى الوجه المطلوب. فتعريب الإدارة لا يزال منقوصا على الرغم من أن الحقوق اللغوية للمواطن -طبقا للدستور ول “الإعلان العالمي للحقوق اللغوية” (برشلونة1996) – تفرض التعامل معه بلغته الوطنية؛ وتدريس العلوم في التعليم العالي بل حتى في التعليم الثانوي والتكوين المهني لا يزال يتم باللغة الأجنبية على الرغم مما تأكد خلال العقود الأخيرة من ضعف كبير في اكتسابها مع ما يترتب على ذلك من عجز في تحصيل العلوم ذاتها وبالتالي من إخفاق مدرسي ما كان ليحصل بهذه الدرجة لو تعلم تلامذتنا وطلبتنا بلغتهم العربية. لكن لعلّ أخطر ما تعيشه اللغة العربية- بمستوييها الفصيح المشترك والدارج المحلي-ببلادنا في العقود الأخيرة هو الخلط المتعمد غالبا بين العربية واللغات الأجنبية في الإعلام المسموع والمرئي وفِي القنوات الخاصة وحتى العمومية، دون أن تتحرك السلطات المختصة لترشيد الاستخدامات اللغوية الضارة بمتن اللغة وبمكانتها في المجتمع وبالتالي بالثقافة الوطنية وسلامتها من الاختراق والتشويه والتبعية والابتلاع.
سيادة الرئيس.
نهيب بكم أن تأذنوا باتخاذ الإجراءات الكفيلة بترشيد وتنظيم حال اللغة العربية بتونس لتبقى اللغة الوطنية والرسمية نصا وفعلا. ولتكون في خدمة الأهداف الوطنية ومصالح المجتمع والمواطنين المادية والأدبية. ونقترح على سيادتكم الإيعاز باتخاذ ما يلزم لتأكيد رسمية اللغة العربية ووجوب تعميم استخدامها في كل المجالات وعلى مراحل طبقا لمخطط مدروس. ونرى أنه من الضروري والعاجل وضع حد للخلط اللغوي في خطاب كل المسؤولين وفِي الإعلام السمعي والبصري في القطاعين العمومي والخاص؛ بالنظر إلى ما للإعلام من تأثير فعال في تشكيل النمط اللغوي والمرجعية الثقافية والسلوكية للمواطنين. ونرى أنه من المتأكد أيضا التوجيه بوضع حد للغزو اللغوي الأجنبي في الإعلانات التجارية وترويج المنتجات الاستهلاكية بما يعيد إلى العربية مكانتها واعتبارها في الشارع والفضاء العام. ونحن نرى أن هذه الإجراءات -وما يشبهها- يمكن أن تتم بإشراف هيكل وطني دستوري نقترح أن يكون “الهيئة العليا للغة العربية”.
سيادة الرئيس.
تحتضن بلادنا، هذه الأيام، القمة الفرنكوفونية التي سيكون من نتائجها دعم اللغة الفرنسية وثقافتها.
ونحن نرجو أيضا أن تحظى اللغة العربية -لغتنا الوطنية والقومية – بأكثر مما يمكن أن تحظى به أية لغة من اللغات الأخرى التي نحترمها جميعا ونسعى إلى أن تكون لنا روافد تثري لغتنا وتدعمها وتشجع على تعميم استخدامها بدل أن تجتاحها وتهيمن عليها.
وتقبلوا يا سيادة الرئيس وافر تقديرنا.