مكتبة الأدب العربي و العالمي

خطوات التجربة الثانية (اكتشاف الغرافيتون) إبراهيم أمين مؤمن -مصر

همسة نت

اجتمعَ جمْعٌ كبير من الأساتذة يتقدمهم فهمانلخوض تجربة التاريخ.

كلٌّ واحد منهم وقف في مكانه المنوط به.

بدءوا بطاقة ارتطام ضعف طاقة  FCC-1 الكائنبسرن؛ والخوف يعصر أوصالهم، إذ يرجون أنتنجح التجربة لعبور البوابة إلى تجربة التاريخ. والتجربة نجحت بالفعل.

تنفسوا الصعداء، ولما شرعوا في الإعداد لإجراء تلك التجربة نظر بعضهم إلى بعض تدور أعينهمفيما بينهم، يلوذون بعضهم ببعض للنجاة منالموت، إذ إن التجربة ستجرى بطاقة المصادمالقصوى ألا وهي خمسمائة تيرا إلكترون فولتالتي قد تتسبب في هلاكهم وهلاك الكون كله إذا ماتضخم الثقب وبات نسخة عن جهنم الآخرة.

وداهمتهم هواجس شتى، من بينها خوفهم من أنيلتهمهم الثقب ويرمي بهم في بوابة بُعدية قد تكونالنملة فيها بحجم الفيل.

وبعد أن دكتهم تلك الهواجس أماتت في قلوبهمطموحاتهم وأحلامهم فذهبت مع الريح خاطرةجائزة نوبل في الفيزياء، وكذلك خاطرة صنْع سلاحيكون له كلمة الحسم في الحرب المحتملة بينالكتلتين، حتى خاطرة القنبلة التي أثارها فهمانفي رسالة الماجستير بجنيف ذهبتْ أيضا مع الريح،لم يتبقَ لديهم إلّا خاطرة الكينونة، نكون أو لا نكون.

أمّا فهمان فلا يسيطر على نفسه إلّا أن يحيا العالمفي سلام وفضيلة، أمّا خاطرة الكينونة فلم تدبأقدامها على مسرح قلبه لأنّه متأكد أنّ الثقوبالمتولّدة نتيجة الاصطدام ستتلاشى بمجردتكوينها.

تمّ دفع البروتونات إلى داخل المصادم وحدثالارتطام بعد مرورها عبر مكونات المصادم.

سجلتْ المجسات البيانات، وحدثتْ بعضالاهتزازات عند منطقة التصادم المقصودة، تلكالاهتزازات أشبه بالاهتزازات الرعديّة العنيفة، ممّاتسبّب في هلع المراقبين فبعضهم فرّ هاربًا، ومنهمالذي انكفأ على بطنه إذ لم تستطع قدماه أنتحملاه، ومنهم من سقط مغشيًا عليه نتيجةالاختناق.

وتمتْ التجربة بنجاح منقطع النظير، فهلّل مَن هلّلوصاح مَن صاح، وهبَّ واقفًا من سقط منذ ثانية،هبّ مهللاً كالطفل.

إحصاء نتائج التجربة:

عند كاشف SciFi مُتعقّب الألياف الضوئيّة تمّ رصْدأعلى بيانات التجربة بعدها سجّل أطلس بياناتأقل.

إنّ الارتطام تمّ عند مِجس أطلس وكاشف SciFiمُتعقّب الألياف الضوئيّة.

والحقيقة أنّ الاهتزازات صاحبها سحب الهواء مماتسبّب في اختناق وغثيان بعض الباحثين.

ولقد فسّر فهمان أنّ التجربة أسفرت عن ثقبٍ أسودتلاشى بسرعة، وأنّ الثقب كان بداخله جسيماتحاملة لقوى الجاذبيّة وهو الجرافيتون، وهوالمسئول عن سحب الهواء الذي تسبب في اختناقوغثيان بعض الباحثين.

ترامتْ البيانات إلى كلِّ أنحاء العالم عبر شبكةالحوسبة الفائقة، وخلال أيام وامتدت بعد ذلك إلىشهور تقدّم مجموعةُ من العلماء بأكثر من مائة ألفورقة بحثيّة تحلل بيانات الكواشف.

وممّن حلل البيانات العالم اليابانيّ الفذّ ميتشوكاجيتا، وقد اكتشف الغرافيتون من خلال تحليله.

                       رد فعل العالم إزاء اكتشاف الغرافيتون

ميتشو كاجيتا:

في غرفة مغلقة لا تجمع إلّا اثنين من شياطين الأرضوهما ميتشو كاجيتا ورئيس وزراء اليابان.

ثمة عامل مشترك يجمع بين كاجيتا ورئيس وزراءاليابان ألَا وهو التخلص من الولايات المتحدةالأمريكيّة.

فكاجيتا من فرط كُرهه لأمريكا كره الإنسان، وفيالمقابل يحبّ وطنه بولعٍ شديد، وسبب كراهيتهلأمريكا أنّ نسبه منحدر من عائلة كانت تقطنهيروشيما، ماتت كلّها إثر إلقاء القنبلة الأمريكيّةعليها سنة 1945.

عائلته كانت ذات نسب عريق جدًا تقدّس التقاليد،ومن تقاليدها أنّ الثأر لا يموت ولو مضى عليهعشرات العقود.

وإمعانًا في حبْك التقاليد وإضفاء الشرعيّة عليهااعتنقوا قولا بمثابة عقيدة راسخة وهو: إنّ الأحفادكما يرثون الأجداد في أموالهم وحضاراتهم يرثونكذلك إجرامهم.

أمّا رئيس وزراء اليابان فقد كان يكره أمريكا أيضًاوالسبب أن عراقة حضارتها وكبريائها صرعتكبرياءه المتوغل في روحه. فهو الآخر ينحدر منأصل كبار الأباطرة اليابانيين الذين زالتإمبراطوريتهم وذابت على أعتاب الولايات المتحدةالأمريكية في ماضيها وحاضرها.

قال كاجيتا له: «إنّ الغرافيتون قد يستطيع اختراعقنبلة جديدة أشبه بالثقب الأسود.»  

صُعق الرئيس من هول الكلمة ونظر في وجههمذهولا ولم ينبس بكلمة.

تابع كلامه: «إن ما منعني من اختراع هذه القنبلةإلّا عدم تمكّني من رصد الغرافيتون، أمّا الآن وبفضلمصادم الوادي الجديد فيمكن رصده والإمساك بهوصنْع قنابل الثقب السوداء

وأكّد له كاجيتا أنّ مصادم الوادي الجديد أنتجثقوباً سوداء أطلقت فوتونات ضوئيّة وجرافيتوناتالجاذبيّة وقد أدّوا عملهما وهو حالة الاختناقوسحب الهواء.

قال الرئيس: «علام تنتظر؟ يجب أن تكون هناك فيغضون أيام.»  

سكت هنيهة وعيناه تنظران في زاوية أحد الجدرانالعلوية ثم قال: «أيّ قنابل ملعونة هذه يا ملعوناليابان

أجابه: «القنبلة الذريّة تعتمد على الانشطار،والهيدروجينيّة تعتمد على الاندماج، لكن قنابلالثقوب السوداء لها شأن آخر؛ فهي تجذب ماحولهامن مادة آخذة إيّاها إلى المجهول. نضعها أمامجيوش أمريكا لعام 1945 التي دمّرت اليابانيقصد الجيوش الحاليةفتجذبهم وتنهيهم.»  مسح كاجيتا يده اليسرى باليمنى إشارة إلىتنظيف يده من قاذرواتها وهو يستطرد: «وأنّه حانالآن تنظيفها بعد إلقاء أمريكا في المجاري

ثمّ نظرَ إلى خريطة العالم وأشار إلى موقع الولاياتالمتحدة الأمريكيّة فيها وردّد قائلا: «وتُطهّر الخرائطالجغرافيّة من الخطيئة بمسح هذه المنطقة المتّسخةمنذ اكتشافها

ردّ الرئيس: «هذا ما أروم إليه، لكن علينا بتوخيالحذر والعمل في السرِّ حتى نتيقن من نجاح هذهالقنابل الملعونة، عندها نقيم سُرادقات العزاء الذيتأخّر قرونًا، ونستعيد إمبراطوريتنا من جديد

ثمّ قال بحزم بعد أن زفر زفرة طويلة: «كاجيتاالخزانة كلّها تحت أمرك، اخترْ من خبراء اليابان مايصلح معك لتلك المهمة، واعملْ على إحضارها هنا،وحاذرْ حاذرْ أن يعلم أحدٌ بهذا الشأن غيرنا،أنتَوأنا، أنا وأنت

ردّ كاجيتا: «هذا ما انتويتُ فعله بالضبط، سأعكففي معملي أدرس خطوات صنعها وإيجادمعادلتها، وهذا الأمر قد يستغرق وقتًا.

وسأعقد مؤتمرا صحفيا في الحال لأقول فيه أنّيسأنزل بالوادي الجديد خلال بضعة أشهر، وسأقولإنّي نزلت من أجل اكتمال النموذج القياسيّللجسيمات حتى لا يشكُّ أحد فينا

وتمّ عقد المؤتمر وقد قال ذلك بالفعل .

فهمان:

وشأن فهمان متباين عن شأن كاجيتا؛ فخطة كاجيتاهو صنْع القنبلة للتدمير والفناء، أمّا فهمان فكلّخطته من صنْعها هو البناء والبقاء.

خطة كاجيتا إزالة الناس من على خريطة العالمبالحرب، أمّا خطة فهمان فهو بقاء العالم كلّه علىخريطتهم بنشر السلام.

جاك:

وفور أن عرف جاك بأمر اكتشاف الجرافيتونات إلّاوتبلّورت لديه فكرة القنبلة التي ذكرها فهمان فيرسالة الماجستير بجنيف والتي كادتْ تودي بحياتهبعد هجوم وحدة الكيدون عليه.

كلّ خطوات عمل القنبلة تبلّورت في ذهنه وهوصامت، ثمّ همس لنفسه: قنابل الثقوب السوداءتطرق أبواب الكون.

فانقبض قلبه على الفور.

حاول أن يروّح عن نفسه بعد معرفته بأمرالجرافيتون الذي أجرى الخوف في أوصاله، كما لميرحمه ذاك الخوف وفتك به أيضًا بسبب خشيته منتحوّل النجم إلى ثقب أسود قبل أن يبتعد عنالمجموعة الشمسية.

وفي قصره الكائن في واشنطن توسّط حديقتهالغنّاء لينعم بالطبيعة الساحرة محاولة منهللترويح عن نفسه كما قلتُ، فيسمع تغاريد العنادلالعذبة، ويشم روائح الياسمين والأزاهير.

لكنّ نفسه المفعمة بالهموم والخوف على العالم لمتفارقه أبدًا، فألقتْ بظلالها فيما حوله، فما وجد فيصوت العنادل إلّا أصواتًا تنتحب وتقطر ثغورهادمًا، بينما الأزاهيرُ ما عاد ينبثق الأريج منبراعمها.

فتقزّز وشعر بأنّ أنفه امتلأ بالإشعاع النوويّ، وأنّدويّ القنابل اخترقتْ أذنيه.

أمسك بصحيفة اليوم التي على الطاولة بجانبكرسيّه وفي الصفحة الأولى شاهد صورًا وقرأمقالات عن مؤتمر لكاجيتا والذي قام بتغطيتهعشرات الصحفيين.

كلها تتكلم عن رغبته في اكتمال النموذج القياسيللجسيمات من خلال التجارب التي سيقوم بهابوساطة FCC-2.

شعر جاك أن كاجيتا مخادع وأنّه ما أراد من مصادمالوادي الجديد إلّا ابتكار قنابل الثقوب السوداء،فأراد أن يستوثق من خداع هذا المكير عن طريقمشاهدة ملامح وجهه والتفرس فيها.

بيدين مرتعشتين فتح اللاب توب فشاهد علىاليوتيوب المؤتمر الصحفيّ الذي عقده كاجيتا،يسأله فيه خبراء الفيزياء عن سبب نزوله أرضالوادي الجديد فأجابهم بأنّه يأمل بعد اكتشافالجرافيتون بالطاقة الجديدة أن يكتمل النموذجالقياسيّ للجسيمات، وأن ..إلخ.

ظلّ يتكلم عن معضلات وألغاز لم يهتدِ إليها العالمعلى مرّ تاريخهم ، حتى قال: «واعتقد أنّه حانالوقت لحلّ الكثير من الألغاز الكونيّة التي لميتوصّل إليها أحدٌ بفضل مصادم فهمان فطينالمصريّ

وبعد أن تفحص جاك ملامح وجهه وهو يتكلّم تبيّنأنّه يخادع ويراوغ، وأنّه يضمر شرًا مستطيرًا، وجاكيعلم بالضبط ماذا يريد كاجيتا من FCC-2.

ظلّ يغمغم مرتعشًا: كذّاب، كذّاب….. كذاب.

وصرختْ كلُّ جوارحه، وعاش لحظات بين الوعيواللاوعي فرأى الأزاهير تنحني وتتساقط واحدةتلو الأخرى أمام عينيه وكأنّها تعلن عن موتها،والبلابل تخرّ ساقطة بعد أن هوت أزاهيرها.

أفاق وانتبه من الحالة الوسطية التي اعترته،بعدها أمسك باللاب توب ورماه في السماء قائلاً: إذن نهاية العالم على أيدي مصادم  FCC-2، بلعلى يديك يا فهمان.

وما أن انتهى من قوله أمسك بالهاتف واتصلبفهمان.

قال له جاك: «العالم على حافية الهاوية بسببمصادمك، قلْ لرئيسك يغلق المصادم

سأله دهشا: «لِمَ ؟»

أجابه: «أغلقْه، ميتشو كاجيتا وفريقه في الطريقإليك من أجل الجرافيتون

– «تقصد أنّه أتى وفريقه لصنْع قنابل الثقوبالسوداء؟»

– «طبعًا، وإن نجح سيركعُ العالم كلّه لليابان،وخاصة أنّي أعلم عن رئيس وزرائهم أنّه مجنونبداء العظمة، لكنّه يداري ويضمر حتى لا تلجمهأمريكا وتقتل ما بداخله من عفن

– «أنتَ تعلم أنّ صنْعها صعب، ومع ذلك سأسعىجاهدا للحيلولة دون ذلك

– «وهل لديك بروتوكولا من بروتوكلات المصادملتمنعه عن ممارسة التجارب؟»

لا

– «إذن أغلق المصادم بحجة ترميمه أو اجعلْ رئيسكيطرده هو ووفده

– «لن أغلقه قبل الوصول إلى إبليس لقتله فتحياالبشريّة بلا حروب

– «لن تعبر، العالم سينتهي قبل أن تعبر، العالمالذي تُضحّي من أجله سيضيع بسبب مصادمك يافهمان

– «صديقي، ليس لدي صلاحية لإغلاقه، وليس منصلاحياتي طرده كذلك، لكن سأشرح الأمر للرئيسمهدي

– «فهمان، صديقي، لو قامتْ الحربُ بين آسياوأوروبا بقيادة أمريكية فكلٌّ منهما لن يستخدمالنووي إلّا بحذر شديد لأنهما خاسران في حالةتبادل الضرب به، لكن عندما تمتلك دولة قنابلالثقوب السوداء وهو سلاح أشبه ببوق إسرافيلفلن تصدّه قنابل نوويّة ولا قنابل هيدروجينيّة،فهمان لو حصل عليها أحدهما سيعمل علىالخلاص من الآخر بها

– «صديقي، لن أسعى لإغلاقه قبل العبور، فأنتتعلم ما أريد، وأكرّر لك، أريد طرق بوابة إبليس، أريدقتْل إبليس، أريد الهداية للناس

– «وأنا أكرر لك لا جدوى من الوصول إليه، فكلّالطرق المؤدية إليه محفوفة بالمخاطر

ثم قال مستدركا: «صديقي إن نجحتَ في العبورفسيقبضون عليك ويقتلونك

سكت هنيهة، وزفر زفرة طويلة ثمّ قال راجيًا: «دعكمن هذا الوتر المهتز الذي سيبلغك بُعد الشياطين،دعك منه، لو أدرك كاجيتا قنابل الثقوب السوداء فلنيرحم منا أحدا ولو رضعائنا

– «لن أدعه ولو كانت نفسي فداء لذلك، وسأقفحجرة عثرة حتى لا يحقق مخططه الشيطاني

– «إذن فأنا أحملك ما سيحدث للعالم من جراءحمقك

وأغلق الهاتف ثم رماه فارتطم بالحائط وهو يزفرغيظا وغضبا.

العالم:

أمّا شأن الدول إزاء اكتشاف الجرافيتونات فهو أمرمؤسف أيضًا.

تهيّأت قوى التحالف لإرسال المزيد من خبرائهاوعلمائها فضلاً عن الموجودين أساسًا من قبل إلىFCC-2 بعد ان تأكدوا من وجود الجرافيتون.

ولقد حثّ الرئيس الأمريكيّ الأمم المتحدة بكافةأقسامها بجعْل مصادم الوادي الجديد تحت مراقبةلجنة متخصصة من أفضل العلماء الأمريكيينمتذرعا بأنه قد يهلك الكون، ولقد سعى إلى ذلكسعيًا حثيثًا، وغرضه الحقيقي هو إطلاق حريّةالحركة للخبراء الأمريكيين دون غيرهم من الروسوحلفائها بعمل ما يحلو لهم على المصادم.

اكتشاف الجرافيتون فتح آفاقًا جديدة للدول المتوقعخوضها الحرب النوويّة، تلك الآفاق المتمثلة فيعمل بحوث حول إمكانيّة تطويعه لصنع سلاح أفتكمن الأسلحة النوويّة.

ولقد منّوهم خبراؤهم بأنّ المصادم FCC-2 قد يكونالوسيلة لصنع سلاح دفاعيّ ضد الرءوس النوويّةوبالتالي يعصف بأخطار القنابل الذريّة من قبلالمهاجم.

وبدأتْ الدول ترسل دعمها بمليارات الدولارات مماكان له أثر بالغ في تحسين الاقتصاد المصري شيئافشيئا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق