الرئيسيةمقالات

زمن الثرثرة وفرجة الصمت

بقلم / فاطمة كمون - تونس

لا يمكن لأحد ان ينكر فضل التطور التكنولوجي وسرعة بلوغ ووصول المعلومة،
كثر المتحدثون ممن يحملون قضايا الناس بين الغث والسمين وبين البين، فضاءات ملونة مفتوحة على مصراعيها للجميع ،دون حسيب او رقيب وهذا شيء ايجابي في اطار تكريس الحريات ، لكن لهذه الأبواب عدة مفاتيح فمنها ما يفتح على نشر الفكرة للتوعية وتوسيع المفاهيم والمدارك ويتحول الفضاء الى منتدى نقاش وجدل ،أحيانا نادي للشعر في إطار سجالات شعرية ،..واحيانا جلسة فكاهة ونكت تحلو فيها الامسيات والسمر، ..ومنها ما يُنشر للناس دون أهمية او بث سخافة وأكاذيب، وللأسف لهم متابعين ولهم من يصدق ما يقولونه خاصة حين تسرد أمرا واقعا ،واستشروا كالوباء، يقدمون أفكار وأخبار مغلوطة وبلغة دون قواميس، ساقطة هزيلة هذا اذا استثنينا سيول السب والشتائم والعهر وهتك الأعراض والتشهير…حتى أصبحت أسلوب تعامل عام .
دون الخوض في جدل اخلاقي حول دوافع الكذب والتضليل ومبرراته ،..فقد اصبح الكذب عبر هذه الفضاءات حرفة تُأصل لحقيقة وهمية تخدع المتلقي حدّ التصديق ، يجيدون الكذب ويتحرون فيه لدرجة الإبداع، بل احيانا تتحول كذبتهم لسند حواري او نقاش سياسي وتغزو حتى البرلمان والمنابر الحوارية في وسائل اعلامية اخرى .
اصبحت هذه الفضاء تخوض حروب متنوعة لم يقتصر ضررها على فرد واحد بل على جماعة تستفيد من هذه الاكاذيب والشائعات ،لتحقيق غايات واحيانا حملات دعائية سياسية غالبا ،…وكذلك حروب نفسية تؤثر على مدى طويل.
معلومات لا تتوقف سياسية اجتماعية منوعة نتلقاها على مدار الساعة.
عقولنا لم تعد تبدع توقفت أصبحت فقط تتلقى مع تضليل ما نتلقاه من كتابات وفيديوهات بعضها “مُفبرك” مواقع تنشر البلاهة والأفكار والأخبر الغبية وبالتالي اتسعت رقعة المعرفة المبطنة بالجهالة.على أنها مسلمات، أجواء موبوءة مفعمة بالشكوك وسوء الظن، تقتات بعض الصفحات على تسويق الكذب والبهتان وبث السموم من خلال إشاعة زيف الأخبار على أنّها حقيقة مطلقة ، واختلاق الشبهات والاتهامات لفئات الناس التي ربما تزعجهم مواقفها.
سفه كبير في التعاطي مع القضايا العامة غاب العقل والمنطق وأصبحت الحماقة سيدة الموقف والعامة تصدق وتردد.
جيوش الإلكترونية في مواقع التواصل لصناعة الكذب والتضليل، يكررون الأكاذيب حتى تغدو مألوفة أمام العامة، واستطاعت بذلك النفاذ الى عقول الناس وتوجيه الرأي العام نحو ما يرسمه لهم الساسة ومستفيدي مواقيت الإلهاء من خلال تلك المواقع والأعداد الكبيرة التي تم توظيفها حتى أولئك الذين يشاركون بشكل غير مباشر دون ترتيب منهم أساسا،اجواؤنا اصبحت مغيمة سوداء ، طروحات عرجاء وتحليلات مخيفة بل مرعبة توحي أننا في زمن الوحوش يطبق علينا قانون الغاب، امتلأ عالمنا بمهرجين يمتطون الحديث عن قضايا الناس. واحتلوا مواقع متقدمة خاضعين لسوق المزايدات بيعا وشراء.
غابت كثيرا المعلومات الإيجابية والأفكار الإبداعية الا من رحم ربك حتى ان الناس لم تعد تأبه كثيرا بما يفيد بل تجري وراء من يضحكها او تتجه لصندوق الألعاب والحظ…
بعد بعض النكسات وما يجري في محيطنا الداخلي والإقليمي ،نحن في أمس الحاجة لأقلام صادقة وعقول منفتحة وبعض الضمير لكسر حصار عالم الزيف واعتلاء الرويبضة للمنابر، واستفحال الجهل حتى لا نغادر هذه العوالم السريعة يائسين ونعيش في شأن أمتنا
طامعين دون حلم الغفوة في امكانية التغيير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق