بعد ان عجزت بريطانيا عن القضاء على *الثورة الفلسطينية* عام 1936 والتي إستطاعت ان تحاصر القوات البريطانية داخل ثكناتها في *فلسطين* المحتلة، تم تكليف عبدالعزيز بن سعود للقيام بهذه المهمة!.. فإتصل إبن سعود بوجهاء فلسطين واعدا اياهم بتحقيق مطالب الثورة الفلسطينية باقامة دولتهم على كامل التراب الفلسطيني, وحينما إستجاب وجهاء فلسطين إلى عرض الوساطة السعودية.. وجه حكام الكيانات العربية النداء التالي:
“إلى أبنائنا العرب في فلسطين, لقد تألمنا للحالة السائدة في فلسطين. فنحن بالاتفاق مع إخواننا ملوك العرب والأمير عبد الله بن الحسين ندعوكم للسّكينة, حقنا للدماء معتمدين على حسن نوايا صديقتنا الحكومة البريطانية. ورغبتها المعلنة لتحقيق العدل”..
وعن هذا الدور الوظيفي الذي لعبه عبد العزيز بن سعود في إخماد ثورة عام 1936, ذكر جون فيلبي في محاضرة ألقاها في الظهران, الآتي:
“لقد سرّت القيادة البريطانية أعظم سرور, ونلنا على أثرها ثلاثة أوسمة تقديرية الأولى لي, والثاني لعبد العزيز, والثالث لفيصل (بن عبدالعزيز ال سعود) لهذا الدور. بل لهذا الفصل التاريخي الذي قام به صديقها الحميم عبد العزيز آل سعود, ووجهت إليه رسالة شكر تفيض بالعواطف لعمله الذي عجز عن فعله الجميع. كما سرّ قادة اليهود في فلسطين لهذا الجهد السعودي الجبار”..
وكان قد تحدث جون فيلبي عن هذه المهمة في مذكراته, حيث قال:
“… بعد شهرين من وصولي إلى امارة شرق الأردن قمت بجولة في أنحاء فلسطين وكانت الثورة الفلسطينية في بدايتها, ويعيش الإنكليز في قلق منها, فحاول بعضهم توسيط الأمير عبد الله بن الحسين لدى الثوار الفلسطينيين لإيقاف الثورة, فلم أحبذ هذه الفكرة لعلمي أن عبد الله سيفشل في وساطته, لعدم وجود نفوذ للأمير عبد الله بين الفلسطينيين, وبالتالي سيكون الجو مهيئاً لصديقنا العزيز عبد العزيز فتنجح وساطته, فترتفع أسهمه لدى الإنكليز أكثر فأكثر, وهذا ما تمّ فعلاً, بل إنه بمجرد أن عرض عبد العزيز آل سعود وساطته لدى وجهاء فلسطين, حتى قبلوا وساطته بإيقاف الثورة.. واثقين مما تعهد لهم عبد العزيز به وأقسم لهم أغلظ الأيمان قائلاً: ” إن أصدقائنا الإنكليز تعهدوا لي على حل قضية فلسطين لصالح الفلسطينيين, وإنني أتحمّل مسؤولية هذا العهد والوعد”!..
وليتأكد عبد العزيز من نجاح مهمته بشكل كامل, أرسل إبنه فيصل بن عبد العزيز (الذي أصبح ملكا فيما بعد) إلى القدس ليتأكد من مساعي والده في إيقاف الثورة الفلسطينية.. حيث إجتمع فيصل بقيادة الثورة في القدس الشريف, وفي ذلك الاجتماع قال فيصل:
“حينما أرسلني والدي عبد العزيز في مهمتي هذه إليكم فرحت فرحتين, الفرحة الأولى كانت من أجل زيارة المسجد الأقصى والصلاة في بيت المقدس, أما الفرحة الثانية فكانت فرحتي بلقاء هؤلاء الثوار, لأبشّرهم أن جهودهم لم تذهب سدى, وأن ثورتهم قد أثمرت بإثارة إهتمام صديقتنا بريطانيا العظمى, التي أكدت لوالدي حينما رأت إهتمامه بفلسطين إنها لن تخيب آمال الفلسطينيين.
وبناءاً على ما عرفته من صدق نوايا بريطانيا أستطيع أن *أقسم لكم بالله* , أن بريطانيا صادقة فيما وعدتنا به. وأن بريطانيا تعهدت لوالدي أنها عازمة على حل القضية الفلسطينية “!…
يومها وقف الشاعر الفلسطيني المشهور *عبد الرحيم محمود* (الذي استشهد في معركة الشجرة عام 1948), وبعفوية ومصداقية وفراسة المؤمن الصادق والمرابط, مرتجلا قصيدته المسماة (نجم السعود) أمام فيصل, وكأنه كان يعلم مدى تورط *حكام كيانات سايكس بيكو* بالمشروع الصهيوني وما يجري اليوم *بورشة البحرين وصفقة القرن!* .. ليخاطب فيها فيصل ووالده عبد العزيز, ويقول:”
يا ذا الأمير أمام عينيك شاعر
ضمّت على الشكوى المريرة أَضلعٌه
المسجد الأقصى أجئت تزوره …. أم جئت من قبل الضياع تودّعه
حرم تباع لكل أوكع آبقٍ …. ولكلّ أفاق شريد أربعه
وغدا وما أدناه لا يبقى سوى …. دَمع لنا يهمي وسنّ نقرعه
وإعترافا بالدور السعودي في إخماد ثورة الشعب الفلسطيني مَنَّ الرئيس الأمريكي روزفلت على عبد العزيز بن سعود بلقب زعيم العرب الأكبر, وكان ذلك بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في لقاء سري جرى على ظهر السفينة الحربية الامريكية (كوينسي) في البحيرات المرة بقناة السويس عام 1945… حيث قال روزفلت:
“إنني معجب بك يا عبد العزيز, لا لأننا نعتبرك زعيم العرب الأكبر وكبير المسلمين الأوحد فحسب, وإنما لإخلاصك لنا فأنت لن تتغير مهما كبرت وعظم شأنك, لأنك جوهر ثمين لا يقدر بثمن بالنسبة لنا. وإنني أطمئنك بأن الروابط التجارية والإقتصادية والعسكرية والأخوية ستزداد بيننا وثوقاً لما يبذله كل منا في سبيل مصالحنا المشتركة.
ولا بد من إيجاد حل لقضية فلسطين *يطمئن الشعب اليهودي المشرد* . تكونون عونا لنا فيه والدين الإسلامي الذي *إعتنقتموه* , وأصبحتم قادته دين محبة وإخاء يحترم كل الأديان السماوية. ويؤمن بكل الأنبياء والرسل وما جاءوا به.
*واليهود هم أقرب لكم منا,* ولا بد من مضاعفة جهودكم لدى العرب والفلسطينيين خاصة لقبولهم بهم وإقناعهم أن الجميع أبناء سام”.
*وتعهد عبد العزيز لروزفلت, قائلا:*
“أنه في حال تشريد عدد كبير من الفلسطينيين بعد إعلان إسرائيل في فلسطين. سيتم تشغيل قسم كبير من اللاجئين في شركة آرامكو, وبعض الأعمال الأخرى, وحفر آبار جوفية في صحراء قرية, الواقعة بين الكويت والسعودية لمن يريد الاستيطان.
بالرغم من أنني لا أخفيكم مخاوفي من أن ينقل الفلسطينيون بذور الفتنة لرعايانا فيثيروا الرعية. *لكنه ما عندي لهم إلا السيف وأنا معكم في كل شيء إلى يوم القيامة”.*
(عبد المجيد حمدان- إطلالة على القضية الفلسطينية- ص- 136-137)…