خطاب التطرف المُغلف بالدين هو الحاضنة للجريمة والإرهاب

الخطورة التي تكمن وراء هذا النوع من التطرف والجرائم في إنهما يتسللا إلى عقل المجتمع بفئاته المختلفة بسهولة لا تحتاج من الإنسان الى إطلاق استشعارات الحذر المعتادة التي عادةً ما يلجأ اليها الإنسان لحماية نفسه حين تعرضه للخطر، او لما يخالف إطاره المرجعي أفكاره وقيمه التي تنشأ عليها، ولا حين تعرضه للخوف، فهذه ميكانزمات نفسية وحالة فسيولوجية إنسانية يطلقها الإنسان حينما يتعرض للتهديد سواء مادي على حياته أو تهديد فكري.لكن الخطورة التي تتسم بها في حالة الفكر المتطرف والمُغلف بالدين والشريعة، والتطرف المغلف بالحرص على قيم المجتمع وأعراضه أنها لا تدفع الإنسان في حالتنا لاستخدام تلك الميكانزمات “الآليات” وبالتالي تخترقه وتصبح جزءً من كيانه يعتاد عليها وتصبح جزء من منظومته الفكرية والقيمية ، وبهذه الطريقة تسلل لعقولنا أفكار التطرف دون أن نشعر بان هناك ما يغزونا ويحرفنا عن الميزان الذي نحتكم إليه ونقوم بعملية فلتره لما نسمع ببساطة لأنها غُلفت بالدين للدرجة ان كل من يريد بالمجتمع باطلاً سواء كان فرداً او جماعة أو حزباً أو دولة ان يفوز يستخدم معول الدين. والحالة النفسية الأخرى هي أن الجريمة حالة التجلي وهي الابن الشرعي للتطرف والأداة المعبرة عنه ،ان التطرف في ادعائه دور الحريص على قيم وأخلاق وأعراض المجتمع ، يكون مدفوعاً أو معبراً عن أشياء اخرى غير الشكل الظاهر بسبب ان الشخص مر بمعاناة وتجارب قاسية نفسية ومادية واجتماعية او سياسية ،ونتيجة فشله لتحقيق ما يريد على المستوى الشخصي ولذلك يحول قضيته الشخصية الى قضية عامة يسعى لتوريط أكبر عدد ممكن من المجتمع او المحيطين به خلف هذا الصراع الذي نشأ لديه بسبب عدم إشباع احتياجاته او تكون وصلت لديه مرحلة الاضطراب لمستويات خطرة ، وهذا ما يسميه علم النفس عملية التحويل فيعطي المتطرف لمعاناته ومحاولاته معنى اكبر للتخفيف من الآلام وحالة الإحباط الشخصي التي يشعر بها نتيجة عدم إشباع غرائزه أو دوافعه ، وهو بهذه الطريقة لا يشعر بأنه وحيداً في هذه الأزمة ، وقد تكون غرائزه الجنسية التي تمت إعاقتها بتشدده نحو الذات ، تتحول الى تشدد نحو المجتمع ، بصورة الحريص عليه والأقرب الى الله وعليه تنفيذ أمره . وهناك أمثلة وخطابات كثير تفضح صاحبها أمامنا كمختصين كالذي يعتبر نفسه حامي المجتمع وبناته ويبدأ ببث تطرفه وسمومه وإجرامه بالتحريض الموجه نحو الرجل والأسرة واتهامهم بالتخلي عن أدوارهم كرجال خطاب فيه مساس بكينونتهم ،وبعضهم يتهمهم بأنهم ديوثون لانهم يسمحون لنسائهم واخواتهم بارتياد المواصلات العامة والأسواق ويبدأ بالإمعان في وصف اللباس ومدى شفافيته والتصاقه بالجسد وعرض تفاصيل لا يعرفها او يتقن وصفها الا لمن أمعن وتمنى ولم يحقق مبتغاه ويعيش حالة الصراع الذاتي وينقلها لكل رجال المجتمع عله يرتاح من ذاك الصراع بحجة الحرص على التقرب لله وحماية قيم وامن المجتمع .ولعل حالة الإعلامي الأردني التي اثيرت مؤخراً “محمد راكان القداح” لهي اكبر مثال على ذلك مستغلاً المنبر الإعلامي والتطور التكنولوجي لذلك محرضاً علناً على استباحة دماء النساء وارتكاب الجرائم بمختلف إشكالها معبراً عن حرصه بكل حرية ودون أي تلعثم والذي كله إساءة وإثارة العنف المجتمعي داخل المجتمع الأردني رسائله معبأة بالتطرف ونشر الكراهية وامنيات غير محققة جميعها مغلفة بغلاف الدين والحرص على قيم المجتمع، وكذلك خطابات بعض المرتادين للمنابر الدينية التي تدعو جهاراً لارتكاب الجريمة وتهديد السلم والأمن الاجتماعين فهم يكرسوا تلك المنابر للوعظ من فتنة النساء ،ووضع الرجل بمكان عليه أن يثأر لرجولته المهددة من قبل نسائه ويحمي ذاته . هذا الخطاب وهذه المنابر لا تقلق صانعي القرارات ولا المؤسسة الرسمية او الأمنية فهم لا زالوا نمطين جداً في ردود أفعالهم ومواقفهم تجاه هذا النوع من التطرف المغُلف بالدين مقارنة مع ردود الفعل حول التطرف السياسي الذي يمس بعض الشخصيات او الأحزاب ، ولا يزال المسئولون لا يعلمون ان الجريمة والإرهاب هما أدوات التطرف والمتطرف في حالة بحث دائم عن أدواته لتنفيذ تطرفه . وفي بلادنا في المجتمع الفلسطيني و المجتمعات العربية الدين والجنس هما المدخل والغطاء لكل الذين يهندسون التطرف في العالم وفي مجتمعنا الفلسطيني أيضاً . المطلوب تسليط الضوء على هذا النوع من التطرف كمشكلة اجتماعية مهددة كل جهود تجذير وتعزيز الأمن الذي تبذله المؤسسة الأمنية في المجتمع الفلسطيني والمطلوب الوقوف بحزم امام أي خطاب تطرفي ودحضه .والمطلوب من الأسرة الفلسطينية بالدرجة الاولى ان تعيد النظر في كل مفاهيم التنشئة التي في غالبها تحض على التطرف بين الأخوة أنفسهم وبين العائلات وابناء الوطن الواحد ونحو الإنسانية جمعاء .مهما تعاظمت جهود المؤسسة الأمنية في إرساء قواعد الأمن في المجتمع الفلسطيني سيكونون كمن يعمل بالمثل القائل ” مثل حراث الجمال ” إذا لم تقف بحزم أمام هذا هذه الأشكال من التطرف وتكون جريئة في مواجهته وعدم التساوق معه لأنه يشبع الشخصية الذكورية لدى المتطرفين ، وعلينا ان نقوم بمراجعة الذات وفحص مدى الشفاء من تسلل الأفكار المتطرفة وخصوصاً القائمين على تنفيذ القوانين ، وهم مطالبين بالوقوف بجدية وحزم بوجه خطاب التطرف مهما كان لأنه هو الحاضنة للجريمة والإرهاب .

مختصة في علم الجريمة – محاضر في جامعة الاستقلال – كلية القانون