الرئيسيةمقالات

مشاركتي في ملف الأسير الحرّ كريم يونس “حياتنا كلّها ميّ وملح” (2) / بقلم حسن عبادي

بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يقبعون خلف القضبان ويكتبون رغم عتمة السجون؛ زرت أحمد وأحمد، باسم، حسام، سامر، سائد، شادي، طيون، عاصم، كريم، كميل، مروان، ناصر، هيثم، وائل ووائل، وليد ومعتز وغيرهم ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة؛

أوصى جميع من التقيتهم بلقاء كريم، وفي طريقي خارجًا من غرفة المحامين يوم 12 يونيو بعد لقائي بالمبدع باسم خندقجي لمحته يتحدّث مع محاميه، استوقفني وتبادلنا أطراف الحديث؛ تقدّمت لإدارة السجون بطلب لقاء سجّلتُ فيه الاسم الرباعيّ ورقم بطاقة هويتّه وفوجئت بإجابة لاكونيّة بأنّه لا يوجد في سجون الاحتلال أسير يحمل هذا الاسم، رغم أنّه رهينة سجونهم منذ 6 كانون الثاني 1983، وبعد مراجعة الداخليّة تبيّن أنّ اسمه “الرسميّ” محمد – هو كريم يونس فضل يونس!! عميد الأسرى وأقدم أسير فلسطيني في سجون الاحتلال وفي العالم.

سافرت صباح 10 يوليو 2019 من حيفا جنوبًا طريق الساحل، والويز دليلي، وإذ به يغيّر المسار مقابل شاطئ قرية الحوارث المهجّرة ويوجّهني شرقًا عبر البيّارات التي تنتظر أصحابها منذ النكبة، فأصابتني غصّة رغم عشقي للخَضار وللطبيعة. وصلت سجن “هداريم”، وبعد طول انتظار، استمر ساعات، التقيت كريم الحرّ يواجهني بابتسامة قاتلة لا مبرّر لها لمن يقبع في زنازين الاحتلال منذ عام 1983 (الأسير كريم يونس -عميد الأسرى الفلسطينيّين- من مواليد 1956، أُعتقل يوم 6 كانون الثاني 1983 حكم بالسجن المؤبد الذي حُدّد فيما بعد بأربعين عامًا).

التقيته جالسًا خلف الحاجز الزجاجيّ الباهت المقيت، وحين رآني بادر قائلًا: “شُفِت إنّو معي حق؟” وأعادني عشرات السنين حين كنت في البدايات، التقيته في سجن النقب الصحراوي للتوقيع على أوراق صفقة التبادل وابتسم حينها وقال: “سأوقّع ولكن لن تشمل الصفقة كريم، إسرائيل تفضّل إبطالها كليًّا إذا أصرّ الجانب الفلسطينيّ على ذلك” … وصدق!!

تحدثنا مطوّلًا عن كتاباته؛ عن كتابه “الواقع الآخر للأحزاب الاسرائيليّة”، و”الصراع الأيديولوجي والتسوية”، مواجهته اليوميّة مع سجّانه، معاناة الأسرى ومحاولات التضييق اليوميّة، الإضرابات داخل السجون الاسرائيلية لنيل الحقوق الأساسيّة وتحسين ظروف اعتقالهم غير الإنسانية، وكان كريم أولّ من خاض الإضراب وشكّل واحدًا من قادته، يرافقه ملحه وكأس مائه، متسلّحًا بعزيمة وإرادة.

يحرص كريم على تدريس الأسرى وتثقيفهم، عبّر عن سعادته بتخريج العشرات منهم هذا العام، ويهمّه تحديد محكوميّة و”مؤبديّة” أسرى لم تُحدّد بعد!

رغم عشرات السنين خلف القضبان، تحدّث كريم بأريحيّة ووجهه يبثُّ إرادةً ويشعّ أملًا…وحياة!!

فجأة أطلّ وليد دقّة من باب الغرفة ففهمت أنّ الساعتان مرّت وتوجّب عليّ أن أودّعه ليعود إلى بُرشِه!

لك عزيزي كريم/محمد أحلى التحيّات، الحريّة لك ولجميع أسرى الحريّة، على أمل أن نلتقي في حيفانا.
حسن عبادي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق