اخبار العالم العربي
الحكومه الفلسطينيه تقدم درسًا دكتاتوريًا للمعلمين
رام الله -وكالات -همسة سماء ألثقافه
في مناطق السلطة الفلسطينية وخلال الأيام الماضية، تتصاعد أزمة المعلمين، إضرابات ومظاهرة ضخمة أمام رئاسة الوزراء. المطالب تتعلق بوعودات السلطة المتكررة دون تنفيذ لصرف بدلات غلاء معيشة وغيرها، وتتعلق بقيادة اتحاد المعلمين والتغييرات التي يجب أن تجري فيه، وبعيدا عن المطالب، نرصد هنا سلوك السلطة.
العلاقة مع أي نقابات أو اتحادات نقابية معقدة، هنالك ثقل فتح في النقابات، حزب السلطة، أو فلنقل ثقل الجزء السلطوي من فتح، وثقل الانقسام الذي يطال كل شيء منذ سنوات، وهنالك حالة “اللاشرعية” التي يسبح فيها الجميع، فآخر انتخابات كانت قبل 10 سنوات. وحين يصبح الجميع “لا شرعي” لا الرئيس ولا التشريعي ولا الحكومة ولا النقابات، تظهر “شرعية اللاشرعية”، فما دام الجميع غير شرعي فلا يملك أي كان اتهام الآخرين، هكذا أصبح للاشرعية شرعية، شرعية الأمر الواقع.
ثمة اعتقالات وتضييق على معلمين ناشطين بعينهم من قبل السلطة الفلسطينية، في الغالب ينتمون للمعارضة أو يسهل إلصاق هذه التهمة بهم
تبدأ السلطة أولا بتحويل المطالب النقابية التي يجمع عليها الجميع، إلى مطالب سياسية، في خطابها وحديثها عن الأزمة، تبدأ هي بالتسييس، خاصة إن كان جزء من قيادات النقابات منقادا للسلطة أكثر من الجسم النقابي الذي يفترض أنه ينتمي له. وأهم ما يقدمه هذا الجزء هو مغازلة السلطة أو الرضوخ لضغطها والموافقة على تصريحاتها المسيِّسة للحراك النقابي، كأن يقول إن من يحرك المعلمين من حماس إن كان الحراك في الضفة، وأن يقول إن من يحرك المتظاهرين من فتح إن كان الحراك في غزة.
ثمة اعتقالات وتضييق على معلمين ناشطين بعينهم، في الغالب ينتمون للمعارضة أو يسهل إلصاق هذه التهمة بهم. هكذا يرسّخ القمع التهمة، بدل أن يفضح السلطة، ألا نسمع تلك النغمة كثيرا في المنطقة العربية: “بالتأكيد هم متورطون في شيء ما، وإلا فلماذا تعتقلهم السلطات؟”، تخيلوا قلب المنطق العجيب!
بعد ذلك يبدأ توتير الرأي العام، بإشاعات وربما قرارات حول تأجيل العام الدراسي أو تمديده وتأجيل امتحانات الثانوية العامة، وتأليب الأهالي، من يريدون لأبنائهم انتظام العام الدراسي والتواجد على مقاعد الدرس. وكلما طالت الأزمة يزداد التأليب على أمل أن ينحاز الرأي العام للسلطة لا المعلمين والنقابات.
ثم تأتي ماكينة التحشيد الديني الشعبي، عبر وزارة الأوقاف وأوامر توحيد خطب الجمعة للحض على أهمية التعليم. طبعا مع قائمة أحاديث وآيات، تحض على التعليم، مع إسقاط تلك التي تدعو لتكريم المعلم وتقديره. والخطب المكتوبة ستشيطن المعلمين، ففي عهد أوقاف السلطات، خطب الجمعة ليست إلا لشيطنة المعارضين وتمجيد السلطة. ولَيّ النصوص والآيات والأحاديث، لعبة مشايخ السلطة، أي سلطة.
كل ما سبق حصل حتى الآن ويحصل حاليا، أما المتوقع للفترة المقبلة، بالإضافة إلى توسيع الإجراءات السابقة وتضخيمها، فهو ربما، مبادرة من السلطة أو مواليها لحل الأزمة، وهذا الحل جزئي وغير مرض، ولكنه سيظهر منصفا كريما، بمباركة الأبواق الإعلامية وما أكثرها.
من يعارض المبادرة، سيتهم بأنه يريد توتير الأجواء لغايات سياسية، وسيحرض الرأي العام لمجابهته، وهنا تتفرج السلطة أكثر مما تفعل.
لا تتغابى السلطة وتقمع مظاهرة أولى للمعلمين في وضح النهار، ولكنها بعد التوسع في الإجراءات الماضية، قد تقدم على القمع، بقوات مكافحة الشغب وغيرها.
المظاهرات أخطر من الإضرابات بأضعاف عديدة، فالإضراب يحرض الرأي العام ولا يوصل رسالة المعلمين الواضحة، خاصة مع ارتهان جزء من قيادات النقابات للسلطة، فالمساحات الإعلامية محجوزة لهؤلاء، والأغلبية المحتجة لا صوت لها ولا منافذ للتعبير، وللأسف لا قيادة واضحة. ولذلك فالتظاهر أخطر في نظر السلطة.
ولأجل ذلك، قد تكتمل “دراما السلطة” بتحريك مظاهرات معلمين متوحدين خلف الجزء المرتهن للسلطة في قيادة النقابات، تبايع السلطة وتقبل بها خصما وحكما في الأزمة.
السلطة تتعلم أسرع من الشعب، فهي جهاز بيروقراطي منظم وفيه آليات لصناعة القرار والتنفيذ مع القدرة على الفعل بكل أيديها وأدواتها، وهي قادرة على تحويل أوضح الاحتجاجات النقابية والحقوقية إلى قضايا خلافية مزعجة للرأي العام، ولكن كل ما شاهدناه في السنوات الماضية عربيا، وفّرَ أمام الشعوب الكثير من الدروس لنتعلمها، وربما أهمها، أن السلطة تعمل جاهدة لتبدو أقوى من أي حراك شعبي، لأنها تدرك أن الشعب أقوى منها.