ثقافه وفكر حر
لا تؤجل الربيع – اسماء إلياس
كان الجو عاصفاً شديد البرودة والمطر يتساقط بغزارة… والرياح مجنونة تعصف كأنها تريد أن تأخذ بطريقها كل شيء تصادفه.. حتى قطتي الصغيرة كانت مختبئة خائفة ترتجف… كلما سمعت عويل الرياح وصوت الرعد… كنت أتدثر باللحاف وافكر بكل المهجرين الذين تركوا بلادهم مرغمين… لأن الحرب أجبرتهم على النزوج وترك بيت ووطن ولدوا ونشأوا على ترابه… ماذا يفعلون في مثل هذا اليوم؟… أي مكان يا ترى احتضنهم؟… وبينما كانت أفكاري تأخذني بصراع انساني بحت… سمعت طرق خفيف على الباب… توجست من هذا الأمر الفجائي… ودائما بساعات الليل المتأخرة إن جاءك اتصال أو احد ما قرع عليك الباب تفكر فقط بالأشياء السلبية… نهضت من فراشي الدافئ… وانا بين حيص وبيص من يا ترى آتٍ بهذه الساعة… أشعلت الضوء اقتربت من الباب… نظرت من العين السحرية… وجدت هناك امرأة تقف بمدخل الباب ترتجف… وبين يداها طفلاً لم يتعدى عمره اربع سنوات نائماً بين يداها… وكان المطر قد بلل ثيابها…. وكان الطفل ما زال يغط في نوم عميق رغم البرد… ورغم البرق واصوات الرعد المزمجر بالخارج…. تناولت الطفل من بين يداها… ووضعته على سرير صغير… بإحدى زوايا غرفتي… فقد احتفظت به أمي فقد كان لأخي التوأم الذي توفى وهي لم يتعدى السنة من عمره… (الموت الذي يقال عنه موت سريري)… أما المرأة فكانت بحالة يرثى لها… أول شيء فعلته أزلت عن الطفل كل ثيابه والبسته ثياب أخي الذي توفى… فقد احتفظت أمي بكل ثيابه… بصندوق خشبي… وناولت المرأة قميص نوم شتوي حتى تبدل ثيابها المليئة بالماء… بعد أن شعرت بالدفء وأحست بالأمان…. سألتها ماذا تفعل بمثل هذه الساعة خارج البيت…. كانت دموعها تسبق حديثها… قالت لي باختصار لقد هربت من بيت زوجي… قلت لها وأنا بنين الشك واليقين… ماذا لماذا وما الذي جرى لك…
عندها بدأت تروي مأساتها… دعوني أطلق عليها اسم مريم… كانت مريم تروي لي حكايتها بينما… كنت أنظر للطفل النائم بسلام… وهو لا يعلم ما الذي حل به…
بدأت بسرد قصتها وقالت: لقد زوجوها ابن عمها غصب عنها… لأن تلك العادات الغبية تلزم بأخذ ابن عمها… حتى لا تذهب الثروة لغريب….
وابن العم هذا لم يحدث يوماً ان نظرت له نظرة مختلفة غير أنها كانت ترى فيه قريب ومثل أخاها…. ولم تتخيل يوم من الأيام أن تربطهم شراكة زواج… لذلك حاولت بكل استطاعتها أن تقنع والدها بعدم رغبتها بالزواج من ابن عمها… لكن أباها لم يكن من الاباء الذين يتعاملون مع أبنائهم بكل تفهم… كان عنيد متسلط… لا يفهم لغة الحوار… ولم يكن لديه ذرة من الحنية… لذلك اعتبرت زواجها هو حكم بالإعدام دون أن تسأل أو اعطائها فرصة للدفاع…
واتمت قصتها التي جعلتني أشفق على حالها… وبدأت أقارن حياتها بحياتي… وعائلتها بعائلتي المحبة المتفهمة… أتمت روايتها وكان قلبي ينتفض بكل كلمة كانت تقولها…
ووصل بنا الأمر لمشاحنات لا تنتهي… وكان كل خلاف حتى لو كان صغيراً كان يصل لحد الضرب والاهانة… وأنا لم أعد أستطيع الاحتمال… ولكل انسان قدرة احتمال وبعد ذلك يصبح الأمر خارج عن السيطرة… حملت طفلي وخرجت دون ان أخذ أي شيء من ثيابي… ولا حتى ثياب طفلي… تركت البيت وحتى لم ألتفت ورائي… كأني خرجت من السجن حرة ولا أريد العودة إليه… كانت مريم بحالة من الانهيار النفسي والجسدي… تركتها حتى تكمل حديثها وتفرغ كل تلك الشحنات السلبية ربما ترتاح….
وبينما هي بتلك الدائرة المشحونة بالغضب والأسى تململ الطفل في سريره… نهضت مسرعة وحملته بين ذراعيها تهدهد له…. وتغني له أغنيته…. يلا تنام يلا تنام لأذبح لك طير الحمام… كانت تبكي وتغني بنفس الوقت…. نهضت من مكاني… وشرعت أهدئ من روعها… حتى استكانت وأكملت قصتها المرعبة… قالت يوم أمس طلبت منه بأني سوف أذهب لزيارة اختي… وهي مريضة فقد كانت حالتها خطرة… وكما يقال قامت من بين الأموات… رفض وصرخ وبدأت يشتم أهلي وأبي وكل عائلتي… هنا أصابني شيء لم أستطيع تفسيره… صرخت بوجه وقلت له عائلتك اجرمت بحقي وحقك… أباك أصر على هذا الزواج… كنت كمن فقد السيطرة وبدأت بكشف الماضي والحاضر… عندها قال تلك الكلمة أنت طالق…. لم أبكي ولم افرح لم أصدم… لكن أصابتني تلك الحالة من التشويش… لم اصدق هل هذا الذي أسمعه هو اعلان البراءة بعد سجن طويل…. لم اكمل حديثي ولا مناقشتي معه… حملت ابني وتركت له كل شيء…. هذه قصتي….. هناك قول دائماً أردده عندما أجد نفسي بضائقة…. وهو لا تؤجل الربيع…. قلت لها الآن قد ازهر ربيعك…. انسي الماضي وانا سوف أساعدك على تخطي ازمتك… ابتسمت وكانت ابتسامتها جميلة لأنها اخترقت دموعها…. وكشفت عن جمال وجهها المختبئ بين تجاعيد الحزن…. ربما كانت قصتها تشبه قصة الكثيرات من نساء هذا العالم الذي به المرأة ما زالت تعاني…. اكتب قصتي هذه لكل مرأة مستضعفة…. أقول لها كوني قوية…. لأنك تستحقين الحياة…. اهداء لكل نساء العالم……