شعر وشعراء

أمّي وَلَدَتْني حُرًّا / حسين جبارة

كُنْ مِن أهلِ الكهْفِ، وغِطَّ بنومٍ
أَغْمِضْ عينيكَ، ولا تُبْصرْ
صُمَّ الأُذُنينِ، ولا تسمعْ
ألغِ الشمَّ كما الذوقِ كما اللمْسِ

ألغِ الوعيَ، ومارسْ غيبوبةَ جهلٍ وضميرٍ
لا تطرحْ أسئلةً
لا تبحثْ عن أجوبةٍ
ردِّدْ ما قالَ القيصرُ بالأمسِ

قد قالَ أنا السيّدُ والأقوى
وأنا الأعلمُ والأرقى
وأنا الأنبلُ والأسمى
أصْغِ لتوجيهاتي وندائي
إرهابيٌّ مَن يَعصي الإيحاءاتِ بهمسي

لا تكتبْ شعرًا يتحدّى
أو نثرًا يأبى ما أُمْلي
اُكتبْ قصصًا تمدحُ تُطري
ومقالاتٍ تَحْبُكُ عالمَ شُكرٍ
باسمِ الديمقراطيَّاتِ الغربيَّةِ والتَّقوى
باسمِ الأمنِ وباسمِ المُثُلِ العليا
أطلبُ منكَ ركوعًا وخضوعًا
اِرضَ العيشَ بدارةِ بؤسِ

أنا عِرْقٌ سامٍ، أبيضُ لونٍ، أزرقُ عينٍ
أملكُ تكنولوجيَّةَ عصري
أُعْلي قِيَمًا في بيتي
أَحْكمُ ضعفاءَ الكونِ بغسلِ دماغٍ
وبوعدٍ ووعيدٍ
بشباكي أسقطُ موعودًا، للوهمِ يُغنّي
أُوقعُ مرعوبًا بالبأسِ

كُلْ خبزًا واشربْ ماءً،
أَسكِتْ جوعًا، أَطفئْ ظَمَأً
لا تحلمْ بهُويَّةِ شعبٍ وبدولةِ حُرٍّ
لا تطمحْ لفضاءٍ ولِميناءٍ
أو عاصمةٍ واستقلالٍ
أحلامُكَ أضغاثٌ
أَحْرِمُها طلَّةَ بدرٍ طلعةَ شمسِ

لستَ فلسطينيًّا أو عربيًّا
بل إنسانًا مجهولًا، مطلوبًا في الغابِ لصيدٍ
منقوصَ سماتِ كيانٍ أو جمعٍ
معدومَ كرامةِ فردٍ
يرزحُ تحتَ النّيرِ، يَئِنُّ بزنزانةِ حشرٍ
في عتمةِ حبسِ

عشْ حَمَلًا يَنْشُدُ سِلْمًا
اِرضَ هوانًا، “شرعنَ” غَرْبٌ وغُرابٌ
عِش جَسَدًا يخلو من روحٍ من معنى
مِن نَخوةِ حسٍّ أو عزَّةِ نفسِ

أُمّي وَلَدَتْني حُرًّا وكَريمًا
حقّي أن أُبْدعَ موّالًا وعتابا
وأمارسَ عِشقًا وطنيًّا
يرفضُ درسًا ومواعظَ ذُلٍّ
أنظُمُ ملحمةً بمَشارفِ يافا بمداخلِ قُدسي

أحضُنُ أمَي أعهدُها
آتيها سُحُبًا، باركَ ربٌّ
تحملُ خَيْرًا،
تهمي غيثًا يتدفّقُ سيْلًا في الوادي
توفي حُبًّا، يُسْقي غوْرًا يُرْوي نَقَبًا
يُؤتي أُكُلًا
للنبتِ وللطّيرِ وللإنْسِ
حسين جبارة تشرين أول 2023

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق