اقلام حرةالرئيسية

رسالة إلى محمد صلاح: لا تعتذر عما فعلت!حرب أصابع المغاربة والتوانسة في الساحة الحمراء والشوالي بطل العرب في المونديال! لينا أبو بكر

الآن، آن لك يا محمد صلاح أن ترى الوجه الآخر للإنكليز، وأن تكون أنت الضوء الوحيد، الذي كلما سطع، كلما عكس لجةَ الظلمات التي يغرق بها من حولك، ولكن، هل يحزن من يؤمن بأن (المجانين الذين يعتقدون أن في إمكانهم تغيير العالم، هم وحدهم القادرون فعلا على التغيير)؟
حين يصبح عقلك قبعة ملؤها السماء، لن تضيق الأرض أبدا بحذائك، فلا تقلق، الصورة الأجمل ليست تلك التي يلتقطها لك المصورون المحترفون، بل التي رسمها أطفال الشوارع على الجدران العمياء والشواطئ العطشى والأسقف العارية والقلوب المتكسرة، والشباك المخزوقة، فهل يفرح إذن، من يرى أن الذين استحوا هم فقط الذين ماتوا!؟

الزفة بين مشهدين… يا دي الكسوف!

تأمل حضورك بين مشهدين لا ثالث لهما إلا السياسة… فصورتك، منتشيا بالنجاح، في ملاعب الغرباء، تسدد، فتنهمر صلوات الغزاة من حبات عرقك، وتتصبب هتافات الجماهير من ابتسامة شاربيك، ليست هي ذات الصورة التي تظهر فيها مذهولا ومسائلا الغيب: ( لماذا نصرت بي عدوك، وهزمت قومك بنصري؟ لماذا لم يكن الله مع العرب في كأس العالم؟ ولماذا كانت صلواتي في بلاد الغرباء أقرب إلى السماء منها بين أبناء بلادي؟) ثم قارن بين زفتين، زفة الإنكليز لبطل البريميرليج، وبين زفة المنتخب المصري الجنائزية لفريق بلا بطل… وبين جمهور إنكليزي يَعِدْ محمد صلاح باتباع دينه كلما استجاب الغيب لصلواته، وجمهور عربي يقرأ الفاتحة مغمض العينين كلما اقترب الدعاء من الشباك، فما أن يخرج «آوت» أو تسلل، حتى يبدأ بِسَبّ دين اللاعبين!
وحياة أمك أيها المشاهد، أين البلاء: فينا أم في ماذا! كل ده كوم، وما جرى بعد قاديروف أفندي، كوم! فجأة تغير المشهد، فالجماهير العربية، تخشى على محمد صلاح من عروبته، ترجوه أن يبتعد عن العرب لأنهم سيطيحون بمجده، ويسممون دمه، ويشوهون صورته، جماهير ساذجة ولكنها صادقة، توحدت بنجاحك، ومزقتك بإخفاقاتها، أصبحت عندها أكبر من العروبة، وأجدر بأمانتها من العرب… أرادتك أن تبتعد لتحتفظ بك، خافت خسرانك، كلما تمسكت بها، ففضلت أن تكسبك، متنازلة عنك لعدوها… ويلاه ما أفظع العجز!
المشكلة ليست في أننا «هرمنا»، إنما في امتلاكنا طاقة مهولة على تجديد الهرم أو إعادة تصنيعه، يا دي الكسوف!

الغضب بين ثقافتين: المماحكة والمحاكمة!

لازم تلعبها صح يا أبو صلاح، ولا تنس أنك غيرت صورة اللاعب الرقم، والرصيد، والصفقة، إلى اللاعب الرمز والقيمة والنموذج، وهذا لا يرضي تُجّار الصورة في سوق الرياضة، لأن المال في لغتهم، وحده الذي يتكلم، وأما الأخلاق، فمجرد برستيج دعائي غير مسموح التعامل معه بعد انتهاء التصوير!
الميديا الإنكليزية تحاملت على صورة محمد صلاح إلى جانب قاتل المثليين، الذي فعل ما لم يفعله لوط، فما يجري هنا عكس ما يجري في عالمك العربي، الذي يتناول الحدث ضمن مُقَبّلاتْ إعلامية، أو فَكّة «فراطة» تواصل اجتماعي سرعان ما تتبدد، ويستفيق الرّبع أو الشلّة على ثرثرات صباحية على «الواتس آب»… هنا أيها المشاهد، حيث تصبح الصورة حكاية، ثم قضية ثم ثورة، ثم لوحا محفوظا، يتحدد به مصير أمم بأكملها، لأن الإنكليز مصابون بحساسية مفرطة ضد الخطأ، والدليل: «قالولو»!
لو أنك تابعت واحدا من عدة فيديوهات منتشرة على اليوتيوب، توثق لمسيرة صلاح بعيون الغرب، لرأيت كيف يحكم هؤلاء على المشهد ويحاكمونه، فلقد أجمعوا على حب صلاح، لأنه ملتزم بالصلاة في مواعيدها وفي المسجد، لا يشرب الكحول، لا يرتاد الملاهي الليلية، يغتسل قبل المباراة وبعدها… وكلها خصال سماوية تجعل منه إنسانا مثاليا، ولكن ما الذي تغير بعد واقعة قديروف؟
فك الحزام أيها المشاهد، فمحمد صلاح أصبح بنظرهم مسلما.. كأنه لم يكن كذلك أصلا!! كيف؟ لقد خرج صلاح من المسجد ليدخل بلاط الحاكم المسلم، فيتحول إلى مسلم سياسي، يا للطامة!

سخرية أم مسخرة؟!

انظر ماذا تنشر صحيفة «التلغراف» هذا الأسبوع: «تلقى اللاعب النقد بعد القبض على صورته مع حاكم الشيشان، الذي اتهم باختراقات فظيعة لحقوق الإنسان، وهو ما لم يستحق من صلاح أكثر من الشعور بالخيبة وعدم الرضا)! ثم تنشر الصحيفة نبذة بشعة عن قديروف، معتبرة الجنسية الفخرية التي منحها المجرم للاعب ليفربول شرفا مشكوكا فيه! خاصة وأن تغريداته على تويتر تبشر بمباراة ودية بين منتخبه ومنتخب مصر، ثم تختم الصحيفة: من غير المقبول أن يتحدث لاعب كرة قدم عن المساواة ثم يقبل جائزة من رجل يضطهد المثليين، فيسمح له باستغلاله مقتحما غرفته، ثم يسحبه من سريره ليصطحبه في جولة كاميراتية! علما بأن الصحيفة اعترضت ضمنيا على غموض تغريدة رجل أعمال صلاح: «نحترم الجميع»!
صحيفة «الإندبندنت» اعتبرت أن صلاح يقدم على مخاطرة جديدة، مستنكرة: صلاح مواطن فخري في جمهويرية الشيشان؟ نعم هذا الخبر صحيح! الصحيفة تسترسل بالتفاصيل المملة، مراوحة بين جرائم قديرف وبين مظاهر احتفائه بصلاح، فأين الكارثة؟ بصراحة هي فجيعة، عندما تعلم أن قديروف في اتصاله هذا الأسبوع مع «بي بي سي» البريطانية – ضحك ساخرا من تهمة تسخير صلاح لبروباغندا سياسية، مؤكدا أنه لم يَدْع المنتخب المصري ولا صلاح، بل هم الذين اختاروه (ركضوا وراءه)! فماذا فعلتْ بك الصورة يا أبو صلاح؟
أما «الغارديان»، فحاولت بهدلة المشهد، حيث سخرت من تصفيق اللاعب المصري بأدب جم، والحرص على الظهور كضيف مهذب، بابتساماته اللطيفة، وقلة حديثه، متسائلة عما كان يدور في خلده أثناء كل هذا؟ فكيف انقلب الدلال إلى نقمة، والتقديس إلى تهكم، والاحتفاء إلى نقد، بسبب صورة! ثم ما المطلوب تحديدا من صلاح؟
هل يعتذر صلاح لليفربول؟ ولماذا يعتذر؟ إن كان ملزما قانونيا بمرافقة منتخبه حسب الأوامر الإدارية؟ وهو ما لا يخل بانتمائه لناديه، أوْلى لهم ثم أولى أن يعاقبوا «الفيفا»، التي وافقت على التدريبات على أرض قديروف، ثم إن كان المصريون يعتبرون لاعبهم بطلا دوليا، فعلى الدولة أن تحاكم مدير المنتخب الوطني، وأن تؤازر لاعبها في أزمته هذه، وقد احترم قوانين الفيفا وذهب إلى اسرائيل، وصافح الإسرائيليين بالبوكسات الناعمة، والخدائع التي لا تخترق البروتوكولات، وأغاظهم إلى الحد الذي كادوا فيه إليه، فمن أقسى عليه: خبث أعدائه أم حمق أشقائه؟

أبطال المونديال العرب

الحق الوحيد لليفربول في الاعتراض، حين يسمح صلاح للحاكم الشيشاني أن يعلق الميداليةعلى قميص المنتخب الإنكليزي، أو حين يستغل صلاح الكرة لخطاب سياسي يخدم أعداء إنكلترا، أو يناهضها، ما عدا ذلك، فلا تعتذر عما فعلت يا محمد صلاح، بل ليعتذروا كلهم لك، وقد ظلمك الجميع حين عدلت معهم جميعا… ولم تزل كشجرة الحطاب، التي تظلله وهو يهوي بفأسه على جذعها ليجتثها!
في الفيفا – دولة الرياضة، لم يتبق عليك سوى أن تخوض حرب الرماية على طريقة الإنكليز، الذين عاقب الفرنسيون أسراهم بقطع الأصابع التي تتحكم في ريش السهام، فما كان منهم بعد أن انتصروا سوى رفع الأصابع الوسطى كعلامة للتحدي، وهو ما فعله المغاربة والتوانسة في الساحة الحمراء وهم يناكفون الصهاينة برفع علم فلسطين، وعلامة الشرف، أما إن سألت عن بطل العرب في المونديال الأحمر، فهو عصام الشوالي، الذي انتصر على الصورة بالصوت، وبدّع بتعليقات ولا أروع، خصوصا وهو يشهد على شطارة العرب على بعضهم بعضا فقط، أما حين يتعلق الأمر بالآخرين، فنحن وحيدون، يا إلهي، في حروبنا وألعابنا وسمواتنا، وقبورنا، وعروشنا حتى في غرف نومنا، نحن وحيدون جدا… فهل أوصيك بنا أيها التاريخ؟… ويلاه!
كاتبة فلسطينية تقيم في لندن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق