اقلام حرة
⚓جديد معهد دراما بلا حدود الدولي ، محاورة قصصية على شاطيء الاسكندرية ⚓ الدكتورة دلال مقاري باوش
على حافة المتوسط :
صديقي الدكتور حسام ، اترك روحك تتجول في الممرات المظلمة للموج ! تستقرآن الطريق مثلي إلى حقائق جديدة ومرة ! وتجارب طحنتها رحى الذاكرة .
أرهف الاصغاء مثلي لحكايا الرمال ، وزبد الموج ( تلوذ الى الفائض من الوجع ، واللوعة ، والخيبة ) .
في مقهى القلعة على شاطيء الاسكندرية عروس المتوسط ، بحرنا الذي صرت ( اخشاه ! ) أفرغت مؤنتي من الوجع ، والخوف والذاكرة المحروثة ، وصرّحت له ( كم صرت اكره البحر وأخشاه ! )
صديقي الناقد والاعلامي والكاتب الدكتور ( حسام عبد القادر ) أدهشته نافورة ألم إنفتحت فجأة في روحي على شاطيء البحر .
فكلما إنهالت خواطرهم على البال ، تتلبسني زخة من الأسى والذكريات ( أصدقاءي ، أحبتي ، المهاجرين من كل بقاع الارض ، الذين حملتهم مراكب : الموت الامل ! ) عبر البحر المتوسط .
فمنذ تورطت بحب وايمان وواجب ، لعلاج المهاجرين عن طريق البحر من صدمات الموت وعنف التجربة ، وأنا أشقى بتجارب مراكب الهجرة ، تطوق عنقي حتى الاختناق .
اعترف ان علاقتي بالبحر صارت معطوبة ، مشوشة ، لانه تحول في وجداني المخدوش الى ( قبر من الخزف الأزرق ) ابتلع مراكب الموت الامل !
أبجديتي المختلفة وفيض آلامي ، أوقف الزمن ، وحرر الصورة المحتضرة من الإطار . مما اوحى للكاتب الناقد والاعلامي الدكتور ( حسام عبد القادر ) بكتابة ومضة قصصية او خاطرة انطباعية او مقال رشيق حمل عنوان : البحر الحزين ، هذا العمل الذي نشره الدكتور حسام على صفحته الخاصة في الفيس بوك ، واعدا خيبتي وخوفي وكرهي للمتوسط بأن يتعافى .
:البحر الحزين
بقلم/ حسام عبد القادر
فاجئتني عندما قالت أنها لا تحب البحر، ولا تحب أن تنظر إليه كثيرا، خاصة هذا المتوسط، قالت لي أنها عندما تنظر إلى المياه تتوقع أن تخرج منها حذاء لجثة تاهت من جثث الشباب المهاجرين الذين يلقون بأنفسهم للهجرة عبر مراكب الصيد في رحلة تنتهي دائما بالموت.
صدمتني مشاعرها الحقيقية، وتخيلت معها هذا الحذاء التائه وهل يمكن أن يصل إلينا؟
لم يثنيني كلامها عن حبي وعشقي للبحر وطلبت منها عقد جلسة مصالحة لها مع البحر، فليس الذنب ذنب البحر، متوسطا كان أم غير متوسط، لكن الذنب ذنب ضمائر غائبة وأنظمة فاشلة، ذنب فساد متحكم ومستشري بيننا.
قد يكون أصحاب الجثث الآن في حال أفضل من حالنا، في راحة أبدية بعيدا عن كل هذا الهراء، وتركونا نتألم ونتلوع ونتحسر، بينما هناك آخرون ينعمون لا يعبأون وينعمون بالسعادة، وبالراحة دون أي مشاعر أو إحساس بالمسؤولية.
لا تحزني عزيزتي، فالبحر إن كان أحتوى جثثا لم تقترف ذنبا أو جريمة، فما زالت هناك جثثا تسير بيننا تدق فيها الحياة ولكنها لا تشعر ولا تحس.
وهناك من يقبع خلف جدران وأسوار لا يمكنه التحكم في جسده ليلقيه في هذا البحر ليقرر مصيره، فإذا كنا سنحزن ونكره البحر فيجب أن نكره الهواء الذي نتنفسه لأنه غير متاح للجميع بعدالة، ونكره الماء الذي نشربه فهو غير آمن لكل من يشربه، سنكره أنفسنا في النهاية لأننا نتحمل مسؤولية مباشرة أو غير مباشرة تجاه كل غيرنا من البشر، وتجاه كل كائن حي.
إن مصائرنا في النهاية لن يحددها بحر أو يابس.. نحن نسير لنلقى مصائرنا بدون أي مشاعر ولا حواجز.. صدقيني سنلقي مصائرنا دون أن نلقي العيب على البحر أو الأرض أو الهواء.