اخبار اقليميهالرئيسية
السعودية والحوثي… محاولة لاستغلال صواريخ الرياض لتحصيل المكاسب
ليلة مرعبة عاشتها السعودية، أول من أمس الأحد، بعد أن أطلقت مليشيات الحوثي 7 صواريخ باليستية على 4 مدن سعودية، هي العاصمة الرياض ونجران وجازان وخميس مشيط، حيث تمكنت قوات الدفاع الجوي التابعة للتحالف بقيادة السعودية من اعتراضها وتدميرها في الجو.
وبعد انقشاع الغمة العسكرية عن مدينة الرياض، والتي تسببت بمقتل مقيم مصري وإصابة 3 آخرين، بالإضافة إلى أضرار مادية بسيطة نتيجة سقوط شظية من أحد الصواريخ التي تم تدميرها، سيحاول كلا الطرفين، السعودي والحوثي، استغلال هذه الهجمة للحصول على مكاسب إضافية تسرّع بحسم المعركة لصالح كل منهما.
ولم يتأخر الحوثيون في توظيف الهجمة الصاروخية التي جاءت بعد يوم واحد فقط من إعلان زعيم ميلشيات الحوثي عبدالملك الحوثي عن “تطورات عسكرية كبيرة تخترق أنظمة الحماية الأميركية التي يستخدمها التحالف على اليمن”. وفي السياق، ألقى رئيس ما يُسمى بـ”المجلس السياسي الأعلى”، والذي يمثل واجهة السلطة في مناطق الحوثيين، صالح الصماد، كلمة مطولة أمام المشاركين في التظاهرات الحاشدة التي نظمتها جماعته في الذكرى الثالثة لبدء التدخل العسكري للتحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، تعهد خلالها بالاستمرار بتطوير القدرات العسكرية في مختلف المجالات وفي مقدمتها “القوة الصاروخية”.
وعلى الرغم من مضي 3 سنوات على الحرب الدموية التي تخوضها السعودية في اليمن ضد مليشيات الحوثيين، والتصريحات المتكررة من مهندس الحرب، ولي العهد والحاكم الفعلي للبلاد محمد بن سلمان، “بأن حسم المعركة سيكون قريباً، وأن الحوثي في رمقه الأخير”، لا يزال الحوثيون يطلقون بشكل دوري الصواريخ باتجاه الرياض وبعض المدن الغربية، مثل مكة المكرمة، والمدن الحدودية، وعلى رأسها نجران وخميس مشيط وجازان.
“حالة الذعر وخيبة الأمل التي انتابت المواطنين السعوديين جرّاء إطلاق هذه الصواريخ، لم تكن هي نفسها بالنسبة للنظام السعودي”
ومرت السعودية بتجربة مشابهة عام 1991 حينما أطلق نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عدداً من الصواريخ على المدن السعودية، إبان دخول قوات التحالف الدولي لتحرير الكويت، لكن المعركة مختلفة هذه المرة، إذ لا تحظى السعودية بدعم دولي مباشر كما حدث مع الكويت، بالإضافة إلى أن الحرب دخلت عامها الرابع، فيما يقول عبدالملك الحوثي إنه يملك منظومة عسكرية جديدة، يرجح أن الخبراء الإيرانيين المقيمين في اليمن ساعدوه في بنائها.
لكن حالة الذعر وخيبة الأمل التي انتابت المواطنين السعوديين جرّاء إطلاق هذه الصواريخ، لم تكن هي نفسها بالنسبة للنظام السعودي، الذي بدا هادئاً ومستعداً لتوظيف هذه العملية في مسارين مختلفين. الأول داخلي ويتمثل في الشحن من جديد للحرب على اليمن بين أوساط الشعب السعودي الذي بدا منهكاً من طول المعركة وغير مقتنع بجدواها، خصوصاً مع تزايد أعداد القتلى من طرفه على الحد الجنوبي للبلاد جراء التمركز الحوثي في الجبال الوعرة. أما المسار الثاني فهو الضغط بشكل أكبر على المجتمع الدولي وعلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتوجيه ضربة لإيران، وذلك بعد إثبات تدخلها الواضح في دعم مليشيات الحوثي وذلك عبر مدّه بالصواريخ الإيرانية الصنع بالإضافة إلى الخبراء العسكرين الإيرانيين والتابعين لحزب الله المقيمين في مناطق المعارك الحدودية شمال اليمن.
وكانت الأمم المتحدة قد خلصت في تقرير مطلع شهر ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، إلى أن الصواريخ التي تطلقها مليشيات الحوثيين على الأراضي السعودية “تبدو إيرانية الصنع”. كما خلص التقرير إلى أن زيارة المراقبين التابعين للأمم المتحدة لأماكن سقوط الصواريخ في الرياض ومكة المكرمة بيّنت أنها “مطابقة لصواريخ قيام 1 التي تصنعها إيران”.
ويبلغ مدى الصواريخ التي تطلقها مليشيات الحوثي من الأراضي اليمنية 500 ميل ويقولون إنها من المخزون الذي كان موجوداً عند الرئيس السابق علي عبدالله صالح بالإضافة إلى تطويرها من قبل خبراء يمنيين، وهو أمر توافقهم إيران عليه، وتنفي صلتها بهذه الصواريخ. وسبق أن عرضت السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هالي بقايا صاروخ أطلقه الحوثيون على الرياض، وقالت إن “غياب زعانف التثبيت وسلسلة من الصمامات على الجانب، تشير إلى أن الصواريخ صناعة إيرانية”.
“ستحاول السعودية استغلال عداء الرئيس الأميركي والمحيطين به لإيران، للدفع باتجاه توجيه ضربة عسكرية لها”
وستحاول السعودية استغلال عداء الرئيس الأميركي دونالد ترامب “وصقور الحرب” المحيطين به، وعلى رأسهم وزير الخارجية الجديد الذي ينتظر المصادقة على تعيينه مايك بومبيو، الشديد لإيران، للدفع باتجاه توجيه ضربة لإيران، مقدمةً لهم حجة جاهزة أمام المجتمع الدولي، خصوصاً أن التحقيقات الخاصة بالأمم المتحدة أشارت بشكل واضح إلى منشأ هذه الصواريخ ومن يقف خلفها.
وفي حالة عدم وجود ضربة عسكرية للمنشآت الإيرانية، تأمل السعودية بأن تشارك الولايات المتحدة الأميركية بشكل أكبر في الحرب على اليمن، وذلك عبر إرسال جنود لحماية الحدود الجبلية الوعرة التي تعرضت لاختراقات متكررة من قبل الجنود الموالين للحوثي، أو إمدادهم بمعلومات استخباراتية أكبر بما يخص المنظمات الإغاثية التي يعتقد السعوديون أن الحوثي يستغلها لتهريب أجزاء من الصواريخ وقطع من الأسلحة.
ويفرض التحالف الدولي بقيادة السعودية حصاراً مشدداً على اليمن، وذلك لمنع وصول الأسلحة إلى مليشيات الحوثيين، لكن هذا الحصار امتد أثره إلى المنظمات الإغاثية التي تحاول إمداد المناطق التي تسيطر عليها مليشيات الحوثي وعلى رأسها صنعاء بالغذاء، حيث تفرض السلطات السعودية قيوداً مشددة على ميناء الحديدة المطل على البحر الأحمر والذي يمثل شريان التغذية إلى شمال اليمن، ومن المرجح أن تشدد السعودية الحصار بعد الهجمة الصاروخية.
لكن الحوثيين أيضاً يملكون المكاسب الخاصة بهم جرّاء إطلاق هذه الصواريخ، حيث ستمكنهم من الحصول على نقاط إضافية في المفاوضات مع النظام السعودي حال إنهاء الحرب، فضلاً عن تخفيف الضغط الشعبي الداخلي عليهم في المناطق التي يسيطرون عليها، نتيجة انقطاع الرواتب وانتشار المجاعة والأمراض، وتوالي أزمات الوقود التي ينظر إليها بشكل واسع على أنها مفتعلة من قبل من باتت تطلق عليهم الأمم المتحدة تجار الحروب الذي يعملون على إدامة الحرب من أجل استمرار تحقيق مكاسب مالية.
العربي الجديد