اعتبر المخرج العراقي، محمد الدراجي، أنّ فيلم “الرحلة”، الذي أخرجه، “أعاد الحياة” لسينما بلاده، إثر عقود من الركود جرّاء الحصار والحروب المتتالية.
العالم – منوعات
وفي 2008، أسس الدراجي بمعية مجموعة من المخرجين الشبان ببلاده، “المركز العراقي للفيلم المستقل”؛ سعيًا نحو إعادة الحياة للسينما التي وأدتها الحروب والأزمات.
الواقع العراقي في فيلم
تحدّث الدراجي عن فكرة فيلمه “الرحلة” الذي تناول فيه شخصية شابة انتحارية، في طرح يستبطن تعقيدًا كبيرًا على مستوى بناء الشخصية، وتوضيح تركيبتها على مختلف الأصعدة.
وعن ذلك، يقول: “وقع نظري، في أحد الأيام، على صحيفة فيها صورة تظهر انتحارية وبالقرب منها عنصر أمني يحاول فك حزامها الناسف، ومن هناك، بدأت الفكرة بالتشكّل في ذهني”.
وأضاف الدراجي، على هامش عرض فيلمه: “حين كنت أرسم الشخصية في مخيلتي، كنت حاقدًا على كل الانتحاريين بسبب ما حدث في بلدي بسببهم”.
ومستدركًا: “لكن في 2012، زرت سجن النساء، والتقيت بإحداهن، وأخبرتني بقصتها بالكامل، فاكتشفت أن هؤلاء ضحايا أيضًا، ويحتجن المساعدة، وأن بداخلهن يوجد إنسان”.
وبدأ عرض فيلم ‘الرحلة”، مطلع آذار/مارس الجاري، في بغداد ومحافظات دهوك والسليمانية وأربيل (شمال)، ومحافظتي بابل والبصرة (جنوب).
وتتمحور أحداثه في عام 2006، حول شابة غامضة تستعد للقيام بعملية انتحارية، لكنها تواجه في طريقها أحداثًا وطبقات اجتماعية مختلفة، على نحو يعكس بعض ما عاشه العراقيون بعد 2003.
وفي 2003، أطاحت قوات دولية قادتها الولايات المتحدة الأمريكية بالنظام العراقي السابق، ليُفتح الباب أمام أعمال عنف واسعة النطاق أودت بحياة مئات الآلاف من العراقيين.
الفيلم، بحسب الدراجي، بلغت ميزانيته مليون دولار، بإنتاج مشترك بين شركات من بريطانيا وهولندا وفرنسا، فضلاً عن شبكة الإعلام العراقي التابعة للحكومة العراقية.
ويسعى صناعه، من خلال حملة أطلقوها بعنوان “رحلة المليون مشاهد”، لحث المهتمين بالسينما على مشاهدة فيلم عراقي في 6 من محافظات البلاد.
لكن الدراجي يطمح أن يذهب قريبًا بفيلمه إلى المحافظات الشمالية والغربية التي تحررت، في السنوات الثلاث الماضية من تنظيم “داعش”، كما يأمل تسويقه في العديد من البلدان العربية.
أفلام وجوائز
وفي معرض حديثه عن إنتاج المركز، قال الدراجي إن الأخير “أنجز أكثر من 15 فيلمًا قصيرًا، وأكثر من 8 أفلام طويلة، بينها فيلم ‘تحت رمال بابل’، و’أحلام’، و’في أحضان أمي وغيرها”.
إنتاج وفير أضاف أنه منحه ورفاقه تأشيرة المشاركة بالعديد من المهرجانات.
وتوضيحًا للجزئية الأخيرة، تابع: “شاركنا في أكثر من 500 مهرجان، وحصدنا 100 جائزة مهمة، أبرزها جوائز من مهرجان برلين السينمائي”.
وتابع: “نسعى لأن يكون المركز أهم مدارس الشرق الأوسط في مجال السينما، ولأن يكون ملتقى للمهتمين بالسينما”.
ويرى الدراجي أن الخطوة الأولى باتجاه تحقيق حلمه، بدأت بالفعل من خلال فيلم “الرحلة”، باعتبار أن الأخير “أوّل فيلم يسوّق محليًا بعد 27 عامًا، وبعد هذا الركود في السينما العراقية، سيشاهد المواطن فيلمًا عراقيًا يتحدث عنه وعن جزء من واقعه ولهجته وتفاصيله”.
واعتبر أن “ثقافة مشاهدة الأفلام المحلية غابت عنا منذ زمن، وفيها تحريك لقطاع السينما، وهذه الخطوة الأولى، والأهم من هذا، بدأ الكثيرون بإعادة النظر في هذا القطاع، سواء أكان اقتصاديًا أم فنيًا أم اجتماعيًا”.
والدراجي مخرج عراقي من مواليد عام 1978 في بغداد التي درس فيها الإخراج المسرحي، قبل أن يسافر إلى هولندا.
وفي البلد الأوروبي، حصل على شهادة الماجستير في السينما من جامعة “ليذر”، وأخرج العديد من الأفلام القصيرة، منها “البلدوزر”، “نحيف”، “الحرب”، ومن أفلامه الطويلة: “ابن بابل” و”أحلام”.
وتركز أفلام الدراجي على معاناة الشرائح الضعيفة في المجتمع العراقي خلال الفوضى الأمنية وأعمال العنف في البلاد.
حقل ألغام وصولًا لشباك التذاكر
لم تكن رحلة الدراجي إلى شباك التذاكر يسيرة إطلاقًا، بل تشبه إلى حد كبير السير في حقل ألغام، فقد تعرّض للاختطاف ثلاث مرات على يد جماعات مسلحة مجهولة، أثناء تصويره أفلامه في العراق.
إلا أن الحظ حالفه بإطلاق سراحه بتدخل من الحكومة الهولندية التي يحمل جنسيتها، ومن القوات الأمريكية إبان احتلالها للعراق بين عامي 2003 و2011.
ووفق الدراجي، فإن بلاده تفتقر للبنية التحتية اللازمة لصناعة الأفلام، علاوة عن سوء الخدمات العامة من قبيل الانقطاع المتكرر للكهرباء والماء وما إلى ذلك.
أجندة مستقبلية مزدحمة
يعي الدراجي أن في بلد مثل العراق، هناك آلاف القصص التي تنتظر تسليط الضوء عليها؛ ما جعل جدوله المستقبلي مزدحمًا بـ 7 أفلام تتحدث عن حقبة سيطرة تنظيم “داعش” على ثلث مساحة العراق من 2014 و2017.
وبخصوص ذلك، يقول الدراجي: “نعمل في المركز العراقي للفيلم المستقل على إنجاز 7 أفلام، بينها فيلم ‘أسد الموصل’، و’العودة إلى آمرلي”.
وأردف: “سننتهي -أيضًا- من إنجاز فيلم ‘طيور الجنة’ قريبًا، والذي يتناول أطفال الشوارع الضحايا ممن يتم استغلالهم في أعمال عنف طائفي، وتجنيدهم ليكونوا انتحاريين”.
وختم مازحًا: “بعد فيلم ‘طيور الجنة’، أعتقد أن الجمهور سينتهي به المطاف لأحد الأمرين؛ إما أن يكرهني جدًا أو يحبني جدًا”.
المصدر : العالم