الرئيسية

إسرائيل في المركز الأول في البحث العلمي ومصر رقم‏129‏ من بين‏148‏ دولة

البحث العلمي‏..‏ إنفاق هزيل وثروة بشرية مهدرة‏!‏ خالد مبارك لم تكن مفاجأة تلك التي ظهرت بالقائمة العالمية لجودة البحث العلمي لدول العالم التي تقهقر ترتيب مصر فيها للمركز‏129‏ من بين‏148‏ دولة واحتلت اسرائيل المرتبة الأولي‏,‏ الأمر الذي يحتاج إلي وقفة جادة في ظل وجود عدد كبير من الجامعات المصرية العريقة ومراكز البحوث العلمية المتخصصة تحتضن عشرات الآلاف من الباحثين‏,‏ وكذلك هجرة الآلاف من مشاهير الباحثين المصريين إلي جامعات أوروبا وأمريكا والدول العربية‏,‏ ونطرح من خلال تلك السطور أراءالباحثين المصريينيقول الدكتور أحمد حجازي- استاذ علوم البيئة بجامعة القاهرة والمعار للسعودية والذي صنف بحثين له ضمن أفضل عشرين بحثا لإحدي الدوريات العالمية في تخصصه, كما تضمن أحد المراجع البحثية العالمية فصلا كاملا عن أبحاثه والذي يقول:- يجب أن نعترف أن هناك دولا تعي تماما أهمية الإنفاق علي البحث العلمي, واسرائيل ليست هي الدولة الوحيدة التي تسعي لذلك فكل دول العالم المتقدمة تسعي له لأنها تقدر قيمة البحث العلمي وتعي تماما أن تقدمها ورفاهيتها تبدأ به, والتخلف عن ركب البحث العلمي الحقيقي تخلف في كل شئ, واسرائيل لم تبلغ تلك المرتبة إلا بعد أن رصدت أكثر من3.5% من دخلها القومي للبحث العلمي الحقيقي, ولكي ينجح البحث العلمي في مصر يجب أن تتوافر له عناصر رئيسية ثلاثة وهي الكوادر البشرية المتخصصة ولن أكون مبالغا إذا قلت إن60% علي الأقل من الباحثين المصريين العاملين في البحث العلمي كوادر غير مؤهلة ولاتصلح للعمل في هذا المجال, والعامل الثاني هو الدعم المالي وهو بطبيعة الحالي غير كاف لتوفير أدني مستوي للبنية التحتية للبحث العلمي, والعنصر الثالث وهو الخاص بأسلوب إدارة البحث العلمي المصري فهي إدارة إما غير مؤهلة أصلا لهذا العمل الذي يحتاج لأعلي الكفاءات, وإما مؤهلة وتمتلك قدرات هائلة للقيام بمهامها إلا أنها مكبلة بالروتين وتصطدم دائما بمعوقات لاحدود لها تحول دون تحقيق الأهداف المنشودة من البحث العلمي خاصة في دفع عجلة النمو الاقتصادي بزيادة الإنتاجين الزراعي والصناعي والرقي البيئي وغير ذلك, وليس لدينا منظومة بحث علمي تضعنا في مرتبة المنافسة والرقي بالخطط التنموية للدولة, ولإيضاح الصورة مثلا حوالي80% من ميزانية البحث العلمي في مصر يصرف علي مرتبات العاملين والباقي15% تصرف علي الإنشاءات والباقي لايتعدي5% في أحسن الأحوال يذهب للبحث العلمي, ولو فرضنا توفير ميزانية له كما هو الحال في صندوق العلوم والتنمية التكنولوجية بأكاديمية البحث العلمي والذي لديه حسب معلوماتي150 مليون جنيه أو يزيد, ولكن المشكلة أنه لايوجد مشروعات علمية جادة يتم التقدم بها للحصول علي دعم الصندوق, وحتي المشروعات التي تم تمويلها من قبل هذا الصندوق عادة ما تنتهي إلي تقارير ورقية توضع في المكتبات ولايستفيد منها أحد, ولاتتم منها أبحاث علمية ذات قيمة, وبالنسبة للأبحاث التي تجري في الجامعات ومراكز البحوث فالهدف منها ترقية أعضاء هيئة التدريس وهيئة البحوث وليس خدمة مشروعات التنمية, ومن هنا فنحن في حاجة إلي ثقافة علمية يجب أن تتحلي بها الكوادر العاملة في مجال البحث العلمي ويتم دمجهم في منظومة متكاملة من خلال استراتيجية وطنية للبحث العلمي علي مستوي الدولة ولاتوجد تلك الإستراتيجية,والموجود حاليا عبارة عن خطط وبرامج معدة بطريقة عشوائية, وللأسف يعتبرها البعض استراتيجيات, فمفهوم الاستراتيجية أن تكون طويلة المدي ومعدة بناءاعلي أولويات ومتطلبات التنمية في الدولة, ويتم تنفيذها تحت إشراف الإدارات المتعاقبة مهما اختلفت توجهاتها, أما الخطط والبرامج فتوضع لتنفيذ الإستراتيجية, وقد تختلف آلية التنفيذ حسب أولويات كل مرحلة ولكن المهم أن تكون مرتبطة بالاستراتيجية الوطنية, فأين نحن من كل هذا ؟
وفي إجابة علي سؤال هل تري أن البحث العلمي المصري لايرقي لدرجة التسويق والحصول منه علي عائد مادي؟.
ويجيب دكتور حجازي:- نحن نضحك علي أنفسنا ونروج لمايسمي تسويق البحوث العلمية, وهذا إن دل علي شئ إنما يدل علي عدم فهمنا لما يدور حولنا في العالم من تطور في هذا المجال الحيوي, ويجب أن يعلم المسئولون في مصر أنه إذا كان الإنفاق علي البحث العلمي أقل من1% من الناتج القومي لن يكون هناك عائد من البحث العلمي, وإذا كان الإنفاق يتراوح بين1%-3% فإنه من الممكن أن يكون هناك عائد من البحث العلمي يغطي تكلفة الإنفاق عليه دون تحمل الدولة أي دعم, أما إذاكان مايصرف علي البحث العلمي أكثر من3% من الناتج القومي يكون ذا جدوي و يكون هناك عائد منه, وهنا يمكننا الحديث عن تسويق البحوث العلمية, وهناك دول تنفق أكثر من10% من ناتجها القومي علي البحث العلمي لإدراكها أنه استثمار حقيقي, أما نحن فننفق أقل من نصف في المائة من ناتجنا القومي تضيع أساسا في الإنفاق علي مرتبات العاملين فكيف يمكننا التحدث عن بحث علمي وتسويق وعائد, وما يحدث في مصر إهدار للوقت والمال والثروة البشرية ويعاني من التكرار والإزدواجية وغياب الثقافة العلمية لدي القائمين عليه, ويستثني من ذلك بعض الحالات الفردية والمجموعات البحثية وهي قليلة, وعادة لاتعتمد علي الدولة في تمويل أبحاثها بل تحصل علي دعم في صورة مشروعات ممولة من هيئات وطنية وعالمية, وإذا ما صوبنا أوضاعنا ورصدنا ميزانيات مناسبة تلائم طبيعة المرحلة لمواكبة التقدم العالمي في هذا المجال يجب وضع آلية دقيقة لصرف الميزانية المعتمدة بحيث لاتتعدي نسبة الصرف علي الرواتب والإنشاءات40% منها, والباقي يصرف علي البحث العلمي الحقيقي, ويجب أن يواكبه تغيرات في نظام ترقيات أعضاء هيئة التدريس وهيئة البحوث الذي قلب الهرم حيث أصبحت قمة الهرم, هم شباب الباحثين من طلبة الماجستير والدكتوراة والأساتذة هم القاعدة, في حين أن العكس هو الصحيح بأن تكون قمة الهرم هم الأساتذة وقاعدته شباب الباحثين لأنهم وقود البحث العلمي, كمايجب وجود تقييم دوري لأعضاء هيئة التدريس وهيئة البحوث بناء علي معايير النشر العلمي الدولي ويكون البقاء للأصلح والمنتج, ويتم تغيير مسار من يثبت عدم صلاحيته لهذه المهنة, وضوابط الترقية تعتمد علي المجاملات في معظم الأحوال, ونخشي أن تشهد المراحل القادمة تسييسا للبحث العلمي.
وهل لا تري في هجرة علماء مصر وباحثيها للخارج سببا من تلك الأسباب:- رحيل الباحثين عن مصر قد لايكون من أجل المال فقط كما يتصور البعض ولكن لعدم توافر الإمكانيات والمناخ المناسب للبحث العلمي, فعلي المستوي الشخصي وجدت ضالتي في موقع تتوافر فيه كافة مقومات البحث العلمي الحديثة وهي جامعة الملك سعود بالسعودية فأعرت لها بدرجة أستاذ متميز, وهي تأتي في إطار برنامج الاستقطاب الذي استحدثته الجامعة واستقطبت له أكثر من400 أستاذ متميز في جميع التخصصات من جامعات50 دولة أوروبية وأمريكية وكل القارات للتعاون مع أعضاء هيئة التدريس والباحثين السعوديين لقيادة منظومة البحث العلمي في الجامعة, والمهمة الأساسية لهذه المجموعة من العلماء مساعدة الجامعة في الحصول علي المشروعات العلمية الممولة من خارج الجامعة بالإضافة إلي النشر العلمي في المجلات والدوريات المصنفة عالميا, ووفقت في الحصول علي دعم مادي لأبحاثي من الخطة الوطنية للعلوم والتكنولوجيا بالمملكة ومن مدينة الملك عبد العزيز ويتعاون معي تلاميذي وزملائي, وبلغ الدعم الذي تم رصده لأبحاثي لمدة أربع سنوات حوالي سبعة ملايين ريال سعودي من مشروعات مدعمة ماليا من خارج الجامعة يضاف إليه مبلغ بسيط يصرف من الجامعة لمجموعتي البحثية لتسيير الأمور يبلغ مائة وخمسين ألف ريال سعودي سنويا, وبصراحة إدارة البحث العلمي بالجامعة تتم حسب الأساليب الحديثة العالمية, وتبحث عن التطور الدائم لمواكبة التقدم المذهل في البحث العلمي بالجامعات الشهيرة, لذا فهي تصنف في المرتبة الأولي علي المستوي العربي علي مدار4 سنوات متتالية, وهذا بفضل الإمكانيات المتاحة التي يفتقد إليها الكثير من باحثينا وعلمائنا في مصر, وشخصيا تمكنت من مضاعفة عدد الأبحاث التي أقوم بها فحققت عشرة العام الماضي أي أكثر من ثلاثة أضعاف آخر إنتاج علمي لي في مصر, وفي العام الحالي حققت15 بحثا علميا أي خمسة أضعاف, علما بأن تلك الأبحاث منشورة بأشهر الدوريات العلمية العالمية, وهي تحقق الهدف كما وكيفا, ومن خلالها أتعاون مع باحثين من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وآسيا, وانعكس ذلك علي مستوي النشر العلمي لي في أشهر الدوريات والمجلات العلمية العالمية, وقبل كل ذلك أكرر ماقلته من قبل فلا أنكر فضل جامعة القاهرة فهي الأصل بالنسبة لي, ولها ينسب هذا العدد الهائل من أبحاثي المتميزة التي نشرتها والتي منحتني اسمي وتاريخي العلمي.
وعن رؤيته في كيفية الإرتقاء بالبحث العلمي المصري يقول الدكتور محمود ابراهيم نصار الأستاذ ورئيس قسم كيمياء المنتجات الطبيعية بالمركز القومي للبحوث:- في البداية المركز القومي للبحوث من أكثر المراكز البحثية انتاجا للبحوث العلمية التطبيقية المتخصصة في مصر, كذلك الحال بالنسبة للنشر في المجلات والدوريات العلمية المتخصصة, ذلك علي الرغم من ضعف ميزانيات البحث العلمي المخصصة له وللبحث العلمي المصري بصفة عامة, ولو زادت تلك الميزانيات لتضاعف البحث العلمي لأن المعوق الأول والأساسي هو الميزانيات والتي لم تزد علي كسر في المائة أو كسر من عشرة طوال العقود السابقة, في حين تتباري الدول الأخري في زيادة ميزانيات البحث العلمي لإيمانها بأنه معيار تقدم ورقي الأمم والدول وهذا واقع ملموس, فهناك دول تخصص2% وأخري3% وربما أكثر من إجمالي دخلها القومي, لأنها تنظر للبحث العلمي علي أنه استثمار ورقي اقتصادي واجتماعي وفي كافة المجالات, ونحن نستبشر خيرا بالخطوة التي اشتمل عليها الدستور برفع قيمة الإنفاق علي البحث العلمي إلي1% من الدخل القومي المصري ونأمل أن نراها لي أرض الواقع بل وتزيد للنسب العالمية المعروفة, حتي يتثني لنا الدخول إلي حلبة المنافسة بقوة, علي أن تصوب مفاهيم البحث العلمي المصري ولا تكون مجرد خطوات لبلوغ الترقيات في السلم الجامعي لأعضاء هيئة التدريس بالجامعات والمراكز البحثية المتخصصة.
وعن أهم خطوات التطوير التي يقترحها مستقبلا يقول الدكتور محمود نصار:- ازالة الفجوة بين البحث العلمي وتطبيقه, وهنا تبرز أهمية مساهمة الشركات الصناعية والمؤسسات والهيئات في المساهمة في ميزانيات البحث العلمي, وهذا سيعود عليها مجتمعة بمكاسب تبلغ أضعاف أضعاف ما تسهم به, لأنها سوف تستفيد في تطوير آليات وطرق التصنيع وتعظيم انتاجها ومضاعفة مكاسبها وهذا تجسيد لحقيقة أن البحث العلمي استثمار مربح, والقلاع الصناعية قناة مهمة فطنت الدول المتقدمة لأهميتها في دفع عجلة البحث العلمي كما فطنت هي لأهمية البحث العلمي بالنسبة لها, حتي بالنسبة لتطوير التكنولوجيا والإبتكارات وتنمية المهارات وجودة المنتج, لذا يجب أن تبادر الحكومة المصرية بوضع خطة متكاملة تنسق فيها مع قطاع الصناعة والبترول والنقل والبيئة والزراعة وغيرها للوصول لاحتياجاتها من البحث العلمي أي توظيف البحث العلمي وفقا للاحتياجات القومية لمصر, فنحن علي مستوي التخصص بشعبة الصناعات الصيدلية والدوائية بالمركز القومي للبحوث لدينا خبرات لاستخلاص الكثير من الأمصال والأدوية التي ندفع فيها الملايين من العملات الصعبة في حين نمتلك من الخبرات والبحوث لتصنيعها محليا وبنفس الجودة العالمية, ولماذا لانصنع الأنسولين الحيوي والمنتجات الزراعية وغيرها.
ويطالب الدكتورمحمود خضاري نائب رئيس جامعة جنوب الوادي للدراسات العليا والبحوث بعدة أولويات قال عنها:- البحث العلمي المصري يجب أن تكون له مظلة كبيرة تحت رئاسة مجلس الوزراء رأسا تتبني مجالاته ومحاوره الأساسية, ويكون لها صلاحيات تطوير الخطط ووضع المعايير والمؤشرات المطلوبة لقياس نجاح تلك الخطط, والزام الجهات البحثية المختلفة مابين جامعات ومراكز بحثية وما أكثرها في مصر وهي تتبع كثيرا من الوزارات, والجانب الآخر كيفية ارسال البعثات الخارجية للاستفادة منها في تطوير البحث العلمي والبحوث المبتكرة, بالإضافة لإعدادهم كنواة لباحثين متميزين وأعضاء هيئات تدريس بالجامعات ومراكز البحوث المختلفة, كما يتطلب الأمر وضع قائمة أولويات للمجالات البحثية في المرحلة القادمة قد تكون خطة خمسية أو خطة لعشر سنوات, أما فيما يخص البعثات الخارجية لابد من وضع أولويات لنوعية البحوث المطلوبة علي مستوي الدولة, وكيفية الاستفادة من الخبرات البحثية المنتشرة علي مستوي الدول وكذلك المصرية الموجودة بالخارج, والعمل كفرق عمل بحثية كبيرة أو صغيرة, ولابد من وجود ميزانيات معقولة للبحث العلمي المصري بحيث لاتوزع بنظام الحصص والأنصبة بين الجامعات والمراكز, حتي لاتصل لأن تكون صغيرة جدا في بعض الأماكن لاتفي بحاجة أي بحث علمي مهما كانت قيمته
وعن رأيها في كيفية تطوير البحث العلمي تقول الدكتورة منال فوزي أستاذ ورئيس قسم علوم البيئة بكلية العلوم جامعة الإسكندرية: تطوير البحث العلمي في مصر لابد وأن يبدأ بتطوير شامل لمنظومة التعليم ذاتها بداية من التعليم قبل الجامعي ومرورا بالجامعي ونهاية بما بعد التعليم الجامعي, وذلك من أجل بناء قدرات طلابية قادرة علي الاستكشاف والمعرفة, كما يتطلب التطوير ضرورة وجود خطة وطنية للبحث العلمي المصري تتابع عن قرب المشاكل القومية التي تواجهها البلاد وتحتاج للبحث العلمي في حلها, ومن المفترض أن يكون هناك تطوير جاد للمعامل البحثية في جميع المؤسسات البحثية بحيث تواكب التطور العالمي وتجلب كل جديد من التكنولوجيات والتقنيات البحثية, ومن المهم أن يكون هناك دعم لأواصر التعاون بين المؤسسات الصناعية المصرية ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات البحثية المصرية, كذلك أهمية وجود خطط لإيفاد بعثات موجهة للدول المتقدمة علميا في شتي مجالات البحث العلمي, ومن أهم النقاط التي يجب أن تؤخذ في الحسبان الحد من هجرة العقول المتميزة في البحث العلمي للخارج لأنها مشكلة كبري يجب البحث فيها بدقة, لأنه يمكن تعظيم الاستفادة من تلك الخبرات المتميزة.

مقالات ذات صلة

إغلاق