أيُّها المنفِيُّ فينا
الشاعر الدكتور داود فلنة في رثاء الشاعر العظيم زميلي في الحرف وصديقي وأخي سميح القاسم
لا فلكٌ يدورْ
لا سوسنةٌ تتفتّحُ هذا الصباحْ
النجومُ هوتْ الى القاعْ
لا عطورْ
لفظَ أنفاسَهُ بحرُ القاسمُ
وهو يتندّمُ
وما مِنْ أحدٍ يتقدّمُ
إنْ كانتْ الأرضُ بَرَداً
أو جهنّمُ …!
في طرقاتِ المدينةِ
قالَ الغريبْ …
ما هذا الصمتُ المريبْ ..؟
صاحَ غريبٌ في الغريبْ
هذا ضجيجُ الموتِ الرهيبْ
ماتوا وعادوا
إستشهدوا كما أرادوا
وعادوا
لا شيءَ يشبِهُني
لا شيءْ …
في اللحظاتِ المُتْعَبةْ
أغوصُ الى قاعِ الأتربةْ
مازالتْ تطاردُني الأسئلةُ
والأجوبةْ ..
يصارِحُني الشهيدُ
قبلَ أن يصبحَ شهيداً
ويرتمي في حِضنِ التجربةْ …!
أيُّها المنفِيُّ فينا
المرسومُ في خطاوينا
أنبكيكِ أم تبكينا ..؟
الأحمرُ القاني يناديكَ
وينادينا …
فسافرَ البحرُ في عينيكَ
ونامتْ فلسطينُ في أيادينا …
أيّها المنفيُّ فينا
وحِّدْ خُطاكْ
ولنرسمَ على جبينِ الشمسِ
أمانينا …
لا هوى الا هواكْ
لا مسرى الا مسراكْ
وإنْ تاهتِ الدروبُ هُناكْ
هناك … غداً غداً ألقاكْ
فالأقصى جرَّبَنا وجرَّبْناهُ
وجرَّبْناكْ
فامضِّ أيُّها المنفيُّ فينا
لا أحدٌ هناكَ الّاكْ …!
لا احدٌ في الطرقات
يسندُّ الأوجاع
الا أنا وأنتْ
عطشٌ ممدّدٌ على الرمالِ بِلا زادْ
جذورٌ تمتدُّ الى الشمسْ
صهيلُ خيلٍ وقهقهةْ
أرضٌ تبسطُ يدَها للأفقْ …
أسلاكٌ شائكةٌ
عابسٌ وذُبول
يضاجعُ أملاً في التيه
صمتٌ يعلو كهمسِ ذُبابةْ
أميرةٌ خلفَ الجبالِ
تمشي على زُجاجْ
وراقصةٌ آخرِ الليلِ
في معبدٍ تتعبّدْ
وهذه الأشجارُ والأطيارُ
غادرَتْ ما تبقى مِنْ حُطامِ غابةْ
كلُّ شيءٍ ذابَ في كلِّ شيءٍ وضاعْ
وهذا الدَمُ النبيذُ المذابْ
في نهايةِ المساءْ …!
يصعدُ للسماءْ
حبلاً سُرِّياً للأنبياء
فخذ روحَكَ وارحلْ
سأكملُ ومعي أنتْ
من حيث انا بدأتْ
خذ روحي معكَ وارحلْ
فما أنا الا أنتْ
سأكملُ من حيث أنت بدأتْ
لا فرقَ إنْ أنا إستشهدتُ
أو أنتَ إستَشْهّدتْ
فانا أنتْ
لا شيءَ يقتُلُني
أنا الذي أقتلُ الأشياءْ …
لا شيءََ يقتُلُني
لا سرَّ في هَوَسي
طائرٌ دَوريٌ مزّقَ الغيمةْ …؟
ليصعدُ الدَمُ النبيذُ للسماءْ
قُربانَ بحرٍ قبّلَ مَلْحِ النهرِ
فتَبَسّمَ الحُلُمُ وأضاءْ …
منتَصِبُ القامةِ يمشي
فعادَ صفيرُ البواخرُ للموجِ القادمِ
تقدّموا تقدّموا
فإنَ السماءَ فوقكم جهنّمُ
والأرضَ تحتَكمْ جهنَمُ …!
تقدّموا تقدّموا
د.داود فلنة