ماذا تعرف عن “أحياء الأرامل” ببغداد؟
بغداد – دعاء يوسف:
لم تكن تسمية “حي الأرامل” التي أطلقت على أكثر من منطقة في العاصمة بغداد رسمية كما يتوقع كثير من الناس.
يقول المتحدث الرسمي لأمانة بغداد حكيم عبد الزهرة إنه، “رسمياً لا يوجد في بغداد غير منطقة واحدة فقط لـ(حي الأرامل) ولا تعني بالضرورة أنها متخصصة بالأرامل. بل هي كبقية المناطق مجرد تسمية فقط”.
ويضيف “وما أشيع من المواطنين عن وجود أحياء أخرى تحمل ذات التسمية ما هي إلا عشوائيات وغير مصنفة رسمياً. بعضها كان عبارة عن أراضي زراعية وليست سكنية تم استغلالها من قبل منظمات غير حكومية لمساعدة الأرامل والفقراء”.
ويشير إلى أن البيوت الجاهزة “الكرفانات” التي تنتشر في مناطق مختلفة من العاصمة مثل التجمعات هي من ضمن استراتيجيات عمل محافظة بغداد ووزارة الهجرة والمهجرين لمساعدة الأرامل من ضحايا الإرهاب والنزوح بصيغة إنسانية.
أرقام رسمية
وتفيد البيانات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط العراقية للعام 2016 إلى أن عدد الأرامل قد بلغ 850 ألف أرملة عدا محافظتي الأنبار ونينوى.
وتشير البيانات وللعام ذاته أيضا إلى أن عدد الأطفال الأيتام الذين قد تم تسجيلهم رسميا إلى سن 17 سنة، قد بلغ 600 ألف يتيم، عدا محافظتي الأنبار ونينوى.
أطراف منطقة العبيدي
البيوت العشوائية التي بدأت بالتوسع في الأراضي الجرداء القريبة من ناحية نهر ديالى أطراف منطقة العبيدي (شرق بغداد)، وعلى سبيل المثال، كان قد أطلق عليها مؤخراً نفس التسمية، ووصفها كثيرون بأنها الملاذ الوحيد لسكن الأرامل.
الوصول إلى هذا المكان الذي اتخذته بعض الحملات التطوعية للشباب لبناء الدور وتسكين الأرامل من الأموال التي تجمع من المتبرعين، وإن كان في بدايته، يكون بعد رحلة شاقة وطويلة في طرق ترابية ممتلئة بأكوام النفايات وبقايا مواد البناء.
حمدية رضا البالغة من العمر 51 عاما، تسكن مع ابنتها التي فقدت زوجها بحادث تفجير إرهابي عام 2007، تقول ” كنا نعيش في غرفة للإيجار في بيت يقع بمنطقة نهروان أطراف بغداد”.
وتضيف أن “مجموعة من الشباب قاموا بمساعدتهم من خلال حملات تجميع بعض المبالغ المالية من تبرعات الناس لبناء بيوت للأرامل والفقراء بأنفسهم”.
وتتابع حمدية “كل البيوت التي تنتشر في هذا الحي هي من مساعدات الآخرين”.
جحيم المذلة والفقر
نفس تسمية “حي الأرامل” تقال على مساحة من الأرض كانت قد خصصت لوضع البيوت الجاهزة “الكرفانات” في منطقة جكوك (شمال غرب بغداد) بعد عام 2003.
في ذلك الحين، سهّل كل من مجلس محافظة بغداد ودائرة البلدية سكن بعض الأرامل فيه بسبب التهديدات التي شكلتها العصابات أو العناصر الإرهابية.
بداية، قد تواجهك بعض المصاعب عند محاولة الدخول إلى هذا الحي، ولكن ما أن يسمح لك بعض الأفراد الذين يرتدون ملابس مدنية وغير مسلحين، كانوا قد حرصوا على حراسة الحي لئلا يدخله الغرباء، ستمر من مساحة تكفي لمرور سيارة واحدة فقط نحو البيوت على امتداد الحي.
تعيش وداد عبود، 43 عاماً، مع طفلتها التي لم تتجاوز السادسة من عمرها، في هذا الحي الذي يضم العشرات من البيوت الجاهزة “الكرفانات” للسكن.
تقول وداد إنه تم تخصيص هذا الحي الذي منحت “كرفاناته” الجاهزة من قبل الحكومة “للنساء اللواتي فقدن أزواجهن بسبب الإرهاب وخاصة اللواتي لا معيل لهن أو بلا سكن يعشن فيه”.
وتضيف “السكن في هذا المكان أنقذني من جحيم المذلة والفقر. رغم أن معاناتي لم تنته، إلاّ أنها أفضل من أن لا يكون لنا بيت نسكن فيه لأننا سنشعر بظلم شديد”.
وتتابع السيدة التي قتل زواجها نتيجة سيارة مفخخة عام 2006 “لم تعد حياتي مهمة بعد أن فقدت زوجي. ما يقلقني اليوم هي طفلتي ومستقبلها فقط”.
الصراعات الطائفية
قصة وداد ليست الوحيدة في “حيّ الأرامل”، الذي تحملك معاني اسمه إلى فحوى ما تعانيه أغلب الساكنات فيه من ألم مشترك.
زينب خلف، 30 عاماً، التي يبدو أن لون ملابس الحداد لا يفارقها، فتقول “بقيت لأكثر من شهر وأنا أجهل شيئاً عن مصير زوجي، حتى وجدنا جثته في دائرته الطب العدلي عام 2008”.
وتضيف “لقد قتلوه بسبب الصراعات الطائفية قتلوه لأنه من طائفة شيعية ويسكن قريبا من منطقة سنية”.
زينب لم تستطع أن تنسى زوجها الفقيد أو الارتباط بزوج ثاني، تقول “منذ أكثر من 10 سنوات وأنا أرتدي السواد حداداً عليه. رغم أنني لم أنجب طفلا من زوجي لأننا تزوجنا قبل اختطافه بأيام”.
أحياناً يتمنى.. لكنها تبدأ بالبكاء
عند التجوال في “حي الأرامل” الممتلئ بالبيوت الجاهزة “الكرفانات” سيلفت نظرك الشوارع الفرعية التي تعج بالأطفال وستفاجئ أن اللعب في هذه الشوارع لا يقتصر على جنس محدد من الأطفال، ثمة مزيج من الذكور والإناث يلعبون معاً دون تميز.
وستلحظ أن الصغار هنا لا تستهويهم أو ربما لا يجيدون اللعب إلاّ بالألعاب التقليدية القديمة مثل ركوب الدراجات الهوائية، كرة القدم، جرّ أو القفز بالحبل.
يقول كرار ناظم، 13 عاماً، “إنه يُفترض أن يكون لديّ مثل الذين بسني الآن جهاز آيباد (كومبيوتر لوحي) للتسلية بدلا من اللعب في الشوارع”.
ولكن بعد مقتل أبوه عام 2011 بحادث تفجير سيارة مفخخة ببغداد، أضحت حياة كرار في غاية الصعوبة بسبب فقدان المعيل، ووجد الطفل نفسه يسكن برفقة والدته الأرملة في “كرفان” بهذا الحي.
ويضيف الطفل الذي يستعد الآن لتكملة دراسته في مرحلة الأول متوسط، “ليس لدينا ما يكفي من المال لشراء ما يعجبني. أحياناً أتمنى أن يكون لي مثل هذه الأجهزة الإلكترونية ولكني عندما أخبر أمي تبدأ بالبكاء حتى أتوقف عن الحديث بما أتمناه”.