مقالات

القصة وراء غسل الأيدي.. كيف غيرت حمى النفاس حياتنا للأبد؟

هكذا ظهرت فكرة غسل الأيدي في غرفة الولادة لمنع العدوى (مواقع التواصل الاجتماعي)
هكذا ظهرت فكرة غسل الأيدي في غرفة الولادة لمنع العدوى (مواقع التواصل الاجتماعي)
فريدة أحمد – الجزيرة نت
13/9/2020
عقب تفشي وباء كورونا المستجد بداية العام الحالي نصحت منظمة صحة الصحة العالمية بغسل اليدين بالماء والصابون لمدة 20 ثانية، وشددت على تلك النصيحة بالنسبة للأطباء والعاملين في المجال الطبي.

وقبل ذلك بنحو 17 عاما شددت السلطات الصحية في هونغ كونغ على ضرورة غسل اليدين، خاصة بين العاملين في مجال الرعاية الصحية، وذلك في أعقاب أول انتشار كبير لمرض سارس بمستشفى أمير ويلز عام 2003.

ورغم بساطته فإن غسل الأيدي أثبت أنه الأسلوب الأكثر فاعلية وقدرة على الحماية من الإصابة بالأمراض والحفاظ على الأرواح.

ومع أنه تقليد قديم مرتبط بالمعتقدات الدينية إلا أن الفضل يعود إلى الطبيب أجناتس سيملويس، لإدخاله إلى مجال الرعاية الصحية لحماية النساء من العدوى والموت.

الفضل يعود للطبيب أجناتس سيملويس لإدخاله تقليد غسل الأيدي إلى مجال الرعاية الصحية (مواقع التواصل الاجتماعي)
حمى النفاس وموت الأمهات
في أوروبا، تحديدا في أربعينيات القرن الـ19 كان الموت يحصد الكثير من أرواح الأمهات الجدد بمرض حمى النفاس، حتى في ظل أفضل رعاية طبية متاحة فإن النساء يمرضن ويمتن بعد وقت قصير من الولادة.

كانت تلك معضلة أسبابها غير معروفة، لكنها في الوقت ذاته كانت دافعا للطبيب المجري الشاب أجناتس سيملويس للسعي والبحث الدؤوب للتعرف على أصل المشكلة وحلها.

بعد أن خاب أمله في دراسة القانون انتقل سيملويس إلى دراسة الطب، وحصل على شهادة الطب من جامعة فيينا في عام 1844.

وبعد عامين من البحث عن وظيفة في المستشفيات بدأ سيملويس العمل في قسم التوليد بمستشفى فيينا العام، وكان مجالا جديدا نسبيا للأطباء، حيث كانت القابلة تهيمن عليه سابقا.

القابلات أفضل من الأطباء
لاحظ سيملويس أن في مستشفى فيينا جناحين منفصلين للولادة، أحدهما يعمل فيه أطباء ذكور، وفي الآخر تعمل قابلات.

اعلان
ووجد أن معدل الوفيات من حمى النفاس كان أقل بكثير في قسم القابلات مقارنة بمعدل الوفيات المرتفع بين الأمهات الجدد في قسم الأطباء، وبدأ في جمع البيانات.

كان لدى الطبيب الشاب عدد من الفرضيات التي عليه التحقق منها ليكتشف أسباب العدوى والوفاة في قسم الأطباء.

كانت أولى الفرضيات هي وضع جسم المرأة أثناء الولادة وتأثيره عليها، فبحسب الإذاعة الوطنية العامة الأميركية “إن بي آر” (NPR)، وجد سيملويس أنه في عيادة القابلات وضعت النساء على جوانبهن، في حين أنه في عيادة الأطباء وضعت النساء على ظهورهن، وبالفحص والتجربة لاحظ عدم حدوث فرق أو تأثير.

انتقل سيملويس إلى الفرضية الثانية، وهي أن الكاهن الذي يعتني بالموتى في المستشفى هو الذي تسبب في ذلك، حيث كان الكاهن يمشي ببطء عبر عيادة الأطباء متجاوزا أسرّة النساء مع أحد المرافقين ويقرع الجرس، واعتقد الطبيب أن الكاهن ودق الجرس أرعبا النساء بعد الولادة لدرجة أنهن أصبن بحمى قاتلة، لكن تلك الفرضية أيضا فشلت.

إحباط يعقبه اكتشاف
أصيب سيملويس بالإحباط، وسافر في عطلة إلى البندقية في إيطاليا حتى يصفي ذهنه من الأفكار المتلاحقة.

وعندما عاد من عطلته كان في انتظاره خبر محزن، لكنه كان السبب في اكتشافه الذي أحدث تغييرا في مجال الرعاية الصحية، لقد أصيب أحد زملائه الأطباء بالحمى ومات.

اعلان
درس سيملويس أعراض الطبيب المتوفى، وأدرك أنه مات بنفس الأعراض التي أصابت النساء اللواتي شرّحت جثثهن في المستشفى.

واكتشف حينها أن الفارق بين الولادة في جناح الأطباء وجناح القابلات هو أن الأطباء كانوا يراقبون طلابهم ويساعدونهم في تشريح الجثث كجزء من تدريبهم الطبي صباحا، وفي فترة ما بعد الظهر عمل الأطباء والطلاب في جناح الولادة لفحص النساء وتوليدهن، في حين أن القابلات لم يتعاملن مع الجثث واكتفين بالتوليد.

وخلص سيملويس إلى أن المشكلة تكمن في أن الأطباء كانوا يتعاملون مع الجثث أثناء التشريح قبل رعاية النساء الحوامل دون غسل أيديهم، وقرر أن غسل اليدين سيمنع نقل المرض.

نجاح طبيب وإنكار أطباء
بدأ سيملويس سياسة إلزامية لغسل اليدين داخل المستشفى، وبدلا من الاعتماد على الصابون العادي استخدم محلول الكلور للقضاء تماما على التلوث، ووفقا لـ”نيوز سينتيست” Newscientist، انخفض معدل وفيات النساء اللواتي ولدن من قبل الأطباء من 18 إلى 2%، وهو نفس معدل الوفيات في جناح القابلات، وعندما بدأ غسل الأدوات الطبية انخفض معدل الوفيات إلى 1% فقط.

ورغم الفارق الواضح الذي ظهر بعد غسل الأيدي فإن الأطباء رفضوا نظريته، خاصة أنه ألقى باللوم عليهم في وفاة مرضاهم.

وأكد الأطباء في المستشفى أن العدوى انتشرت عن طريق الهواء، وأرجعوا معدل الوفيات المنخفض إلى نظام تهوية جديد تم تركيبه في المستشفى.

تقدير بعد الجنون
غادر سيملويس فيينا، وتوجه إلى بودابست في المجر، وعمل في جناح الولادة، حيث نجح مرة أخرى في تقليل الوفيات من خلال الإصرار على أن يغسل الأطباء أيديهم.

اعلان
نشر سيملويس مقالات عن غسل اليدين خلال عامي 1858 و1860، تلاها كتاب بعد ذلك بعام وفقا لـ”ناشيونال جيوغرافيك” National Geographic، لكن لم يحصل على اعتراف بنظريته، وأدان الأطباء كتابه على نطاق واسع مؤيدين نظريات أخرى كانت هي السبب في استمرار انتشار حمى النفاس.

بدأت صحة سيملويس في التدهور وتوفي بعد 5 سنوات في مصحة عقلية عن عمر يناهز 47 عاما بسبب جرح ملوث أصيب به.

وبعد عامين من وفاته طرح الجراح الأسكتلندي جوزيف ليستر أيضا فكرة تعقيم اليدين والأدوات الجراحية لوقف انتشار الأمراض المعدية، وكما هو الحال كان لأفكاره أيضا منتقدون، لكن في سبعينيات القرن الـ19 بدأ الأطباء في التعقيم وغسل الأيدي بانتظام قبل الجراحة.

وبعد أكثر من قرن من السخرية من نظرية سيملويس، وبعد وفاته تم تقدير عمله والإشادة به على نطاق واسع، والاعتراف بأن نظرية غسل اليدين وتعقيمهما تؤدي إلى ممارسات طبية أكثر أمانا، وتحد من نشر العدوى والوفاة.

المصدر : مواقع إلكترونية+ الجزيرة نت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق