مقالات

هذا ما تبقى لكم !!بقلم د-عوض قنديل

هذا ما تبقى لكم !!
في مؤتمر مدريد بعد أن قالها شامير سأجعلهم يفاوضون إلى ما لا نهاية, لم نستوعب في تلك الفترة هذا الأمر لأننا لا ننظر أمامنا و لا تحت أقدامنا بل للخلف التعيس الذي يذكرنا بخيبتنا و يُبقى على عقدنا النفسية على قيد الحياة.
تفكيرنا محلي و مؤقت و تفكيرهم استراتيجي و عالمي, نحلم بالسيطرة على أنفسنا و يحلمون بالسيطرة على العالم, قهرنا أنفسنا بنفس الحلم و لم نسيطر على شيء, سيطروا هم على العالم و قهرونا ببأسنا و أسلحتهم بعد أن ملأوا قلوبنا حقدا على أنفسنا و على من يدور في فلكنا باسم العروبة و الإسلام لتنمو القوميات الثانوية المنسيَّة و تستعر نار الطائفية و القبيلة و العرقية لنعود ننبش في قبور المتطرفين نستمد منها الشعارات الهدامة و ندفن تحتها سماحة الدين الذي أصبح قرآنه مصدرا خصبا لتفسيرات لا تخدم إلاَّ أهواء أصحابها و أجندات الأعداء, فاشترينا بها لهو الحديث و قلنا ما قاله الله بالحق لنريد به بطل, بعثنا دويلات ملوك الطوائف في الأندلس لنستعين على بعضنا البعض بما أسميناهم الكفار, تآمرنا على الخلافة العثمانية لا لنسترد الخلافة و نعيدها إلى بيت الأول , مكة و المدينة بل لنقيم بدلا منها الخلافة البريطانية و الفرنسية لنصبح موالي لهم نأتمر بأمرهم و نقاتل في صفوفهم, و نحقق الانتصارات على ذاتنا بعد أن نشوِّه صورتنا في أذهان أبنائنا و أحفادنا ثم نسب الجيل الذي ربيناه على الحقد و الكراهية بعد أن نبرِّئ أنفسنا.
غرقنا في الخلاص الفردي بالهروب من مسؤوليات ضياع فلسطين و إلقاء اللوم على شعبها مرة و على الاستعمار مرات و كانت البداية العملية الحقيقة التي ظهرت على السطح في اتفاقيات كامب ديفيد التي فرطت منظومة الصف العربي و إن كان وهميا بخروج مصر منه بعد أن خلقوا لنا غطاء قوميا آخر و عدوا بديلا و انتصارات جديدة على إيران في حرب الثماني سنوات التي استنزفت شعب العراق و اقتصاد إضافة إلى ما فاض في الخليج من الأموال بعد ارتفاع أسعار النفط الجنوني بما سُمِّى في تلك الحقبة بالطفرة الاقتصادية لنخرج بعدها باتفاقية صلح بين العراق و إيران مع بقاء السيطرة الإيرانية على الجزر الاماراتية و الحدود البحرية في الخليج ليظهر الانسحاب من سيناء و عرس المصالحة التاريخية بين مصر و إسرائيل من جهة و بقية الغرب من جهة أخرى ليصبح النموذج الغربي الأمريكي هو السائد في المنطقة بعد أن كان غريبا و تهمة وطنية و قومية.
أما على المستوى الفلسطيني , فلنبدأ من الخروج من امبراطورية أبو عمار في بيروت الغربية و جولات فيليب حبيب التي تبعته إلى تونس بعد أن شتتت قوات منظمة التحرير في الدول العربية و تتوسع دائرة حق العودة بدلا من فلسطين التاريخية إلى فلسطين الخيالية المجردة, لتتحول من مرحلة المقاومة لمرحلة الحفاظ على الذات و الصراع من أجل البقاء حين بدأت الولايات المتحدة تحشرهم زاوية أضيق كلما فلتوا منها, بعد أن بدأت تضيق عليهم و كان الاختبار بعد غزو العراق للكويت و موقف منظمة التحرير بالوقف عكس ما وقفت أمريكا ليفسره الجميع على أنه ضد الكويت و ليس ضد الموقف الأمريكي ليبدأ التشهير و التشويه و الترويج ضد الفلسطينيين بالخيانة و نكران الجميل و كأن الجميل لا يُرد و لا يكون إلا بالوقوف في صف أمريكا و إن كان ضد نفسك, لتأتي الأزمة المالية الخانقة على منظمة التحرير و أزمة الرواتب للعامين معها في الخارج إلى أن حشروها للذهاب إلى مؤتمر مدريد الذي قاد إلى مباحثات أوسلو السرية التي استدرجت الفلسطينيين إلى توقيع التفاهمات التي اعتبرها الفلسطينيون مخرجا لكل هذه الهجمة المتكاملة و كأن الاعتراف بإسرائيل هو المخرج و صك الغفران العربي, بعد دخول الفلسطينيين إلى بيت الطاعة الأمريكي الإسرائيلي تحت الوصاية العربية و الضمان الإقليمي من دول الطوق, التي به بدأ التنازل عن القضية الأم لنبقى مرهونون لقضايا هامشية من رتب و رواتب و تفاهمات و التزامات دولية و إقليمية و محلية بخلط الأوراق و الأولويات الوطنية لتُمحى فكرة فلسطين من العقل الواعي بإحلال أفكار جديدة في بناء مؤسسات الدولة الحديثة بعد أن أخذنا سنغافورة نموذجا, الذي أفسدتها إسرائيل بعد أن سلمنا لها كل شيء على قاعدة خمس عجاف و تعدِّي, إلا أنها وصلت إلى ما يقرب من الخمس و العشرين عجاف و لم تعدي بسبب غدر أمريكا و إسرائيل و تخلي العرب الكفلاء عن التزاماتهم و مسؤولياتهم الأدبية في استدراج منظمة التحرير لسلام كاذب اتضح بعد التجربة أنها فكاك من القضية الفلسطينية برمتها و قتل أبا عمار تحت أعينهم هو أكبر دليل, هذه أوسلو التي قال فيها أبو عمار عندما قيل له أنه يوجد بعض التحفظات على الاتفاقية فردَّ قائلا: إن كان لكم بعض التحفظات, فإن لي عليها كل التحفظات, لكن لا مفر و لا خيار إلا هي بعد أن حشرونا في عنق زجاجة.
الشوط الثاني من أوسلو هو استدراج حماس إلى دخول الانتخابات تحت مظلة أوسلو لتعترف بها تلقائيا بمجرد القبول و إن لم يكن على الورق بل بالممارسة على الأرض لتصبح شريكا في الخيمة بعد أن كانت تستظل على الهامش لتفوز في الانتخابات و تدخل حلبة الصراع على توسيع الرقعة التنظيمية لأعضائها المنتخبين بالأكثرية و تشكل حكومة الوفاق برئاسة الأستاذ إسماعيل هنية رئيسا للوزراء و الدكتور محمود الزهار وزيرا للخارجية, و هل هذه المناصب و الكراسي في المجلس التشريعي تعتبر خارج إطار أوسلو !!
أما الشوط الثالث و ضربات الجزاء فكان الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من غزة كخطة بعيدة المدى للانقسام و انفصال الضفة عن غزة و الذي اعتبرنا انتصارا تاريخيا و لم نأخذ العواقب بعين الاعتبار بل قادنا إلى حرب كادت أن تكون أهلية لولا انسحاب عناصر السلطة من مواقعهم لتترك فارغة و لم تكن المواجهة و الصراع الحقيقي إلا بين القسام و الأمن الوقائي التي سالت بسببها معظم الدماء, و تسيطر حركة حماس على غزة و يبدأ الحصار و تبدأ ضربات الجزاء بحروب ثلاثة أشبه بلعبة السلم و الحية التي تعيدنا إلى الصفر كلما ارتقينا قليلا لنبدأ من القاع ثم نعود إليه بحرب جديدة نخسر بسببها المال و الأرواح و الممتلكات و نصفق لهدنة جديدة و اتفاقية بسقف أقل و أضيق.
و ما بين سلطة غزة و سلطة رام الله, أصبح لنا من كل صنف اثنين بعد أن استنسخت سلطة غزة من كل شيء قائم شيئا جديدا بمسمَّى جديد لتصل إلى الأسرى الذين يجسدون الوحدة الوطنية في سجون الاحتلال, و لجان اللاجئين التي لا خصام فيها و لا انقسام و كأننا في سباق جكر ليصبح الجكر سيد الموقف و ساحة الانتصار الوحيدة .
و جاء تطبيق أوسلو على الأرض و نجحت مقولة الكبار يموتون و الصغار ينسون لكن ليس بالموت الفعلي بل بموت الأفكار و البديهيات المخزنة في اللاوعي من عقول الصغار بعد أن استبدلنا قضيتنا الرئيسية بحق العودة و وطن للجميع بالهجرة إلى أوروبا و من انتصارات الانقسام أننا نقلنا أولويات الأولويات إلى صراع فلسطيني فلسطيني بعد أن ابتعدنا عن حقنا التاريخي و مطلبنا الشرعي لنتوه في دوامات المعابر و الكهرباء و البطالة و الغاز و الوظائف و الصراعات الحزبية لتتربَّع في عقولنا خذوا كل شيء, خذوا الكراسي و التكاسي و الرواتب و المراتب و الوطن, فقط اتركونا نعيش بلا أذى, لأنكم جميعا أبرياء و الشعب هو المتهم الوحيد.
و عن ترويج فكرة دولة في غزة و قبول التوطين في سيناء, هذا المشروع القديم الجديد الذي أفشله قطاع غزة في بداية خمسينيات القرن الماضي التي تعتبره إسرائيل و أمريكا حلا استراتيجيا سهلا و وحيدا للخروج من دائرة الحق التاريخي للفلسطينيين و الخروج من سلسلة الأزمات مع إسرائيل لينقل الصراع إلى مصري فلسطيني ليكون توسيع قطاع غزة في سيناء هو البداية لتكون سيناء هي الحل الجاهز و القريب لكل انفجار سكاني و ملجأ لكل المغضوب عليهم في المنطقة العربية و ما سلسلة الأزمات المتتالية و المتلاحقة على قطاع غزة إلا من أجل التركيع و القبول بعظمة سيناء التي لا لحم فيها إذا ما قورنت بفلسطين التاريخية, و ما التقسيمات الجديدة في المنطقة بغريبة خصوصا بعد مرور مائة عام على تقسيمات سايكس بيكو التي تحتاج إلى تجديد بكيانات ضعيفة و هشة تهتز مع كل تململ شعبي لتكون النجاة الشخصية و الخلاص الفردي هو الفرحة الوحيدة, بعد المدخلات الجديدة في المنطقة التي تخدم إسرائيل, و بعد زوال أنظمة و حكومات كانت تعتبر محرضا و حاضنات دافئة ضدها وضد المصالح الأمريكية, لتستبيح الأرض و الشعوب و المقدرات و لم يعد لشعوب المنطقة حولا و لا قوة إلا هما رئيسيا واحدا هو الدعاء لله بأن يطعمهم من جوع و يأمنهم من خوف و هذا هو سقف مطالبهم الوحيد.
الشعوب العربية منقسمة, و الشعب الفلسطيني منقسم, و كل تنظيم منقسم على نفسه سرا أو علانية فوق الأرض أو تحت الطاولة, هجرة الشباب هي الأمل و الطموح الأول بعد أن أصبحت حياة الغرب نموذجا أكثر أمنا و صدقا, التجنس أصبح هدفا استراتيجيا للشباب و إن كان بالانخراط في صفوف المارينز, بعد أن أصبح الوطن اتلأم مجرد خانة هامشية في السرة الذاتية للأفراد, كنا نتحسَّر على أيام فلسطين فأصبحنا نتحسَّر على أيام الاحتلال, ليصبح هو نموذج الخلاص الوحيد و المسيح المنتظر من مستنقع الخلافات الوطنية.
إرهاب العرب لنا و لأنفسهم رفع أسهم إسرائيل في الانسانية الغائبة كنموذج يعيش في أمن رغم كل العداءات المحيطة و المتناقضات الداخلية التي تتنوع فيها الأجناس و الثقافات و الأصول القديمة للمهاجرين, و ما الهروب إليها للنجاة بالأرواح في كل أزمة من بأس بعضنا البعض ببعيد منذ أن كان في مواجهات أيلول و أخيرا في حر سوريا الأهلية و حرب الانقسام بين فتح و حماس إلا نقطة سوداء في تاريخ تعاملاتنا ترتفع بها إسرائيل درجة مجانية علينا .
أما الخلاص العربي الذي يأتي قبل كل حزب بما لديهم فرحون, الذي هو أسمى الأماني العربية على قاعدة: 100 أم تبكي و لا أمي تبكي , و من هنا أصبح إبكاء الآخرين خدمة مجانية في بلاد العرب!!

مقالات ذات صلة

إغلاق