نشاطات

المجنون!! (قصة قصيرة) بقلم عامر عودة

في ليلة حالكة دخلتْ الى البيت، وأهله نيام. دَخَلَته من الباب كما اعتادت أن تدخله كل يوم، لكن هذه المرة دون أن تقرع الباب. وبهدوء ولجت الى غرفته وبحذر شديد فتحت احدى جوارير خزانته وبدأت تبحث فيه عن أوراق. لكنها لم تجد ما تريد، فالتفتت اليه لتتأكد من نومه قبل أن تفتح جارور آخر وآخر وتبعثر كل ما فيهم من اوراق بحثا عن ما تريد.. وأخيرا فتحت عيناها على وسعهما مندهشة، فقد وجدت ما كانت تبحث عنه.. وفي هذه اللحظة يصحو من نومه مذعورا ويتلفت حوله لكنه لم يجد احدا، فيدرك ان ما رآه كان حلما مزعجا. فابنة الجيران هددته يوم أمس بأنها ستسرق كل أوراقه وتقرأهم مرة واحدة في يوم واحد.
فمنذ صغره عشق الأدب والفن. فكان يدون كل خاطرة أدبية تأتيه على ورقة، ويرسم أيضا بعض الرسومات ويحفظهم جميعا في احدى الجوارير بخزانته.. وقرر قبل عدة أشهر أن يبدأ بنشر خواطره، من قطع ادبية ونثرية وبعض الأشعار، في جريدة أسبوعية. وقد أعجبت ابنة الجيران بمنشوراته فكانت تقرأها باستمتاع وبفخر لأن من يكتب بهذا المستوى الراقي هو جارها. ويوم أمس سألته:
– من أين لك بهذه الأفكار؟! ما الذي يوحي لك بها؟! ولماذا لم تكن تنشر من قبل؟! أمن المعقول أنك بين ليلة وضحاها تصبح كاتبا؟!
وبعد أن كشف لها حقيقة الأمر طلبت منه ان ترى بعضها قبل النشر لأنها بالفعل جميلة وراقية، الا انه رفض ذلك، فغضبت وشعرت بالإهانة لأنه فشلها ولم ينفذ طلبها، وقالت له انها ستاتي ذات يوم وتأخذ كل ما كتب وتمزقهم أو تحرقهم كي لا يرون النور. وخرجت من بيته غاضبة. فنهض من سريره وفتح الجارور ليتأكد أن هذا كان مجرد كابوس حلم به.
وفي اليوم التالي يخرج جميع الأوراق من الجارور الذي عرفت ما يوجد بداخله ابنة الجيران المجنونة، ويضعهم في علبة حديدية اشتراها خصيصا من السوق، وهي مخصصة لحفظ الأموال والأشياء الثمينة، ويضع بها كل أوراقه الأدبية ورسوماته الفنية بعد أن يُمَسّكها جيدا بالحائط. وينام في تلك الليلة هادئا مطمئنا. لكن المجنونة تقرر أن تدخل بيتهم في عز الظهر، عندما كان هو وأمه ينعمان بقيلولة لذيذة. فتدخل غرفته وتتجه حالا الى الجارور. لكنه كان خاليا الا من محفظة نقوده، لكن النقود لا تعنيها، فاتجهت حالا الى العلبة الحديدية المعلقة فوق سريره وفتحتها، فيبدو أنه قد نسي اقفالها.. فيصحو من حلمه مذعورا.. وحالا يرتدي ثيابه ويذهب ليشتري قفلا لباب غرفته ليبعد عنه كل الهواجس المزعجة من ابنة الجيران المجنونة..
(عامر عوده)

مقالات ذات صلة

إغلاق