مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية #بنت_السلطان_والمكتوب النصف الاول

يحكى أن  لسلطان ، إبنة واحدة يحبها كثيرا ،كبرت تلك الفتاة ،وصارت صبيّة فائقة الجمال ،وتزوّجت جميع صديقاتها اللواتي في مثل سنّها، إلا هي فلم يخطبها أحد من أبناء الملوك والأعيان ،حتى حار السّلطان في أمرها، واغتمّ ،وقال في نفسه : لو خطبها أحد التّجار لسهّلت مكتوبها ،لكن رغم جمالها وأدبها لم يتقدّم لها لا أمير ،ولا قائد ولا حتى تاجر ،ووزيري ليس له إلا البنات .أحد الأيام أحسّ السّلطان بالضّيق ،فاستدعى وزيره ،وقال له : كما تعلم ،لم تتزوّج إبنتي لحدّ الآن ، ربّما العلةفي أنّ النّاس لا تحبّ حكمي !!!
لكن الوزير أجاب : أبعد عنك هذه الهواجس يا مولاي !!! فالرّعية تحبّك لعدلك ،وكلّ ما في الأمر أنّ مكتوبها لم يحن بعد ،أجابه :يكفي من الهراء ،حكاية المكتوب ،تؤمن بها العجائز ،وليس وزراء السّلاطين . مرّت الأيام ،وذلك السّلطان يقيم الحفلات والولائم ،ويستدعي الأعيان والأشراف لكي يروا إبنته ،ورغم أنهم كانوا يشكروه جمالها ورقّتها ،إلا أنّ أحدا لم يفكّر في خطبتها ،فاشتكى للوزير من ذلك، فقال له: لا تقلق فمكتوبها لم يحن بعد . لكن السلطان لم يقتنع، وقال في نفسه: أعتقد أن أحدهم دسّ لها سحرا ،واستدعى العرافين ،فصنعوا لها التّعاويذ والتّمائم ،لكن بقيت الحالة كما كانت عليه،ولم يتغيّر شيئ .
لم يطق السّلطان صبرا فأرسل في طلب الوزير مرة أخرى الذي قال :مكتوبها لم يحن بعد، ثم إنصرف ،بقى السلطان وحده لا يقابل أحد، وهو مهموم ،فنظر من النافذة ،فرأى عصفورة ملوّنة تجلس على غصن شجرة وهي صامتة ،وفجأة جاء عصفور ،وحلّق حولها، ثم نزل بجوارها ،وبدأ ينظر لها بحبّ ،كان السّلطان يفكّر ،وتذكّر كلام الوزير عن المكتوب ،وقال في نفسه : وماذا إن كان المكتوب شيئا يمكن البحث عنه !!! فنادى الوزير وقال له جهّز لنا جملين ،وسنسافر غدا في الفجر ،سأله بدهشة ،وإلى أين يا مولاي إن شاء الله ؟ أجابه: إن لم يأت المكتوب إلينا، فسنبحث عنه ، ونرى ما سبب تأخيره عن المجيئ لإبنتي !!!
حار الوزير ،وحكّ لحيته ،وقال : يا سيدي المكتوب هو الذي يقرر متى يأتي ،ولن تجده في أيّ مكان ،والأفضل أن تستغفر الله ،وتشغل نفسك بصيد أو عبادة ،حتى يمرّ على باب إبنتك !!! لكنّ السّلطان قال : سأذهب ،ولن يردّني شيئ عن ذلك ،فلم يجد الوزير بدا من القبول . وسارا في الوديان، وعبرا الصحاري والمفازات ،وكلّ واحد يسألونه يستغرب منهما ،وطالت السّفرة ،حتى رأى الملك يوما ورقة ورديّة اللون تطير في الهواء ، وبعد قليل مرّت به واحدة أخرى، فقال للوزير: ما أعجب تلك الورقات، تعال نذهب ونعرف مصدرها!!!
مشيا حتى صادفا شيخا تنزل لحيته البيضاء على صدره مثل خيوط الفضّة ،وكان ذلك الشخص جالسا تحت جبل عظيم ، وأمامه كدس أوراق ،وكلّ مرّة يأخذ واحدة يكتب عليها كلمتين بقلم من ذهب، ويقول لها :أنت مكتوب فلانة فينفخ عليها وتطير ،فرح السّلطان ،وطلب من الوزير أن يذهب إليه ،ويسأله عن مكتوب فلانة بنت السلطان الفلاني ،فلما إقترب منه سلّم عليه ،وقال له: بالله يا سيديهل لك علم بمكتوب فلانة ؟ فرفع الشيخ عينيه أعلى الجبل وأجابه : لم يحن بعد، لكن هل رأيت تلك البدويّة التي تجمع في الحطب ؟ لها ولد سيصبح زوج فلانة بنت السّلطان !!! لما رجع الوزير أخبره بما سمع ،فغضب السلطان، وصاح إبنتى بنت الأكابر تتزوج راعي غنم ،إسمع عليك بالتّخلص منه، هيا أسرع !!!
لام الوزير نفسه على خروجه في هذه السّفرة ،وكان عليه أن يعتذر والآن يجب عليه أن يقتل نفسا بريئة . لمّا وصل لقمّة الجبل رأى ولدا رث الملابس لكن وجهه كالقمر ،لم ير في حياته أجمل منه ،فتعجّب لذلك ،وقال في نفسه : لعلّ مولاي يغيّر رأيه لو رآه !!! لكن السّلطان أصرّ على رأيه ، فاقترب الوزير من الولد ،و دفعه في ظهره فسقط بين الصّخور . ولمّا رجعا أحسّ الوزير بالذّنب الشّديد ،ولم يقدر على النّوم وقال : على الأقل أذهب، وأدفنه ولما وصل إليه وجده على قيد الحياة ،وقد كسرت ساقه، فقرّر أخذه هو وأمّه إلى ضيعته ،وقال لهما إشتغلا عندي ،وسأعطيكما لباسا لائقا ،وأجرا جيّدا .بعد مدة شفي الفتى ،وبدأ يعتني بخيول الوزير ،وتعلم ركوبها وسياستها ،حتى أصبح أمهر الفرسان في المملكة .
وكان من عادة السّلطان أن ينظّم في بداية كلّ موسم حصاد سباقا للخيل والفائز تضع له الأميرة إكليلا من الزّهور على رأسه ،جلس السّلطان ومعه الأشراف،وقال لهم : سيربح فرساني كالعادة، فأحسن الخيل أنا من أمتلكها !!! ،صمتوا كلهم ،فرغم كل محاولاتهم، لم يقدروا ان يفوزوا عليه …

يتبع الحلقة 2 والأخيرة

من قصص حكايا العآلم الآخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق