شعر وشعراء

الفارسُ الأبهى ” محمد نصيف

” الفارسُ الأبهى ”
محمد نصيف
تفديكَ أرواحُنا والشعرُ والخطبُ
فهكذا الحبُّ في أعرافِـنا يَجِـبُ
دماؤنا الحبرُ والأوراقُ أضلعُنا
ونحنُ أصدقُ مَنْ في الحبِّ قدْ كَتَبَوا
إن جدَّ عشقٌ بنا الأرواحُ نرخصُها
ونحنُ أكرمُ مَنْ ضحَّوا ومن وهبوا
صدّامُ يا فارساً ما زلتَ تسكنُنا
فخراً بهِ عانقتْ قاماتِنا الشهبُ
بكَ البهاءُ يُباهي الكونَ مبتهجاً
كلُّ البهاءِ بهاءً منكَ يكتسبُ
كمْ كنتَ طلقَ المحيا في نوازلِها
وتحتَ أقدامِكَ الساحاتُ تلتهبُ
لأنّكَ الفارسُ الأبهى بها رتباً
وهلْ لها قيمةٌ مِنْ بعدِكَ الرتبُ
زهوَ النخيلِ بها تختالُ يا رجلاً
إليهِ كلُّ معاني الفخرِ تنتسبُ
أقوالُكَ الصدقُ والأفعالُ تسبقُها
والعزمُ والحزمُ لا هزلٌ ولا لعبُ
ووحدَهُ سيفُكَ المسلولُ صارمُها
وكلُّ أسيافِهمْ يا سيّدي حَطَبُ
أبناءُ ساسانَ كمْ أذللتَ مطمحَهُمْ
ومِنْ يديكَ كؤوسَ السمِّ كمْ شَرِبُوا
أقزامُ صهيونَ كم ألبستَهمْ فزعاً
وكم بذلٍّ إلى أجحارهِمْ هربوا
صدّام حيّاً وميتاً أنت ترعبهمْ
حتى بلفظِ اسمكَ الأفواهُ ترتعبُ
يا مَنْ فراقُكَ أدمى عاشقيكَ أسى
عليكَ حتى ترابُ الأرضِ ينتحبُ
شوقاً يذوبونَ والذكرى تحاصرُهُمْ
سَكْبَ السحابِ دموعُ الناسِ تنسكبُ
حتى النخيلُ انحنتْ أجذاعُها حَزَناً
يغفو سقيماً على أعذاقِها الرُطَبُ
والرافدانِ يغطّي الحزنُ موجَهما
يكادُ ماؤهما يُذكى بهِ لهبُ
جرحُ العراقِ بوسعِ الآهِ محترقٌ
ويصطلي بلظاهُ النخلُ والقصبُ
مِنْ بعدما أتعبَ الفرسانَ ملعبُهُ
يلفّ أجفانَهُ حجمَ الأسى تَعَبُ
مرٌّ رحيلُكَ ما أبقى سوى وجعٍ
وأمةٍ عاثَ في أركانِها الخَرَبُ
تهوي عليها الرزايا مثلَ صاعقةٍ
ما مِنْ منازلَ إلا مسّها العطبُ
تضيقُ عَنْ وصفِ ما نلقاهُ أحرفُنا
ينوحُ نوحَ الثكالى بعدَكَ العَرَبُ
نصحتَهُمْ نصحَ مستجلٍ كوامنَها
لكنّهُمْ عكسَ ما أرشدتَهُمْ ذهبوا
لا تسألوا سبباً إن ضجَّ نائحُهَا
فخلفَ كلِّ نشيجٍ يختبي سببُ
مِنْ أينَ أبدأُ ، طوفانٌ مصائبُنا
وفوقَنا مِنْ جحيمٍ تسكبُ السحبُ
فحالُ مشرقِنا الأحقادُ تشعلُهُ
حرباً وكلُّ زقاقٍ فيهِ ملتهبُ
وحالُ مغربِنا صمتٌ بلا قلقٍ
كأنّما لا دمٌ يُرجى ولا نَسَبُ
تئِنُّ بغدادُ لا حُلْمٌ يطوفُ بها
والبؤسُ يسكنُها والأمنُ مستلبُ
رجالُها بنصالِ الغدرِ كمْ طُعِنُوا
كمْ حرّةٍ في سجونِ الظلمِ تُغتصَبُ
دمشقُ تنزفُ لا قلبٌ يحِنُّ لها
وكفّها بدمِ الأهلينَ يختضبُ
ذوتْ جنائنها لا الوردُ يُبهجها
لاالتوتُ لاالتينُ لاالزيتونُ لاالعنبُ
والقدسُ جرحٌ تناسينا مواجعَهُ
ما عادَ ينبضُ في أعراقِنا غضبُ
فلا مآذنَ لا أجراسَ تخبرُنا
يوماً بأنَّ خلاصَ القدسِ مُرْتَقَبُ
صنعاءُ ترسِفُ في أصفادِ آسرِها
نهارُها مثلُ وجهِ الليلِ مكتئبُ
ومكةُ الآنَ حيرى قاتمٌ غـدُها
حُلْمُ المجوسِ على أسوارِها يَثِبُ
ومصرُ مغـلولةُ الكفّينِ مثقلةٌ
بقيدِها وَهْيَ بالآمالِ ترتقبُ
جميلةُ الوجهِ يجري نيلُها طَرِباً
لكنَّ رونَقها بالحزنِ يحتجبُ
وأمةُ المجدِ لا مجدٌ يوشحُها
لقطعِ أثدائِها أبناؤها وثبوا
كسيرةٌ ترسُمُ الفوضى خرائطَها
على تقاسمِها الأحزابُ تحتربُ
لو كنتَ فيها تقودُ الآنَ جحفلَها
لَمَا تداعى على أركانِها الجَرُبُ
ها أنتَ تحصدُ ممّا كنتَ تزرعُهُ
مجداً يعزّ على مَنْ طبعُهُ الهربُ
دنتْ إليكَ المنى فاخترتَ أصعبَها
ركبتَ بحرَ المنايا وَهْوَ مضطربُ
عانقتَ موتَكَ تدري أنّهُ سفرٌ
فيهِ الخلودُ بجناتِ العلى الأرَبُ
عانقتَهُ والعلى هلّتْ بشائرها
تلقاكَ مشتاقة إذ لُحْتَ تقتربُ
نَعِمْتَ بالفوز فاهنأ في منازلهِ
يحفُّكَ السعدُ لا خوفٌ ولا سغبُ
سيذكرُ الخلقُ تأريخاً أضأتَ بهِ
عصراً وتَغرقُ في ظلمائِها الحِقَبُ

مقالات ذات صلة

إغلاق